درس ألقاه المحدثُ الشيخُ عبد الله بن محمد الهرريّ رحمه الله تعالى فِي بيته فِي بيروت فِي جمادى الآخرة سنة عشرين وأربعمائة وألف من الهجرة الموافق لشهر أيلول سنة تسع وتسعين وتسعمائة وألف رومية وهو فِي التحذير من أنواع من أهل الضلال. قال رحمه الله رحمةً واسعةً:
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين.
أمَّا بعدُ: فقد قال رسول الله : «مَنْ يُرِد الله به خيرًا يفقهْهُ فِي الدّين»([i]).اهـ. أما سيد قطب فيقول فِي تفسيره الاشتغالُ بالفقه فِي هذا الوقت مضيعةٌ للعمر.
الفقه يُحتاج إليه فِي الطهارة فِي الصلاة فِي الحج فِي الزكاة حتى فِي الدعاء والذكر، ثم معيشة الإنسان إذا لم تُطَبَّقْ على وَفق الشرعية تكون وبالًا عليه. القرءان ما نزل للمواعظ فقط إنما للجِنايات والمعاملات وغير ذلك. الذي لا يعرف أحكامَ شرع الله فهو فِي خطر عظيم. حزب الإخوان تركوا الفقه وركضوا إلى مطالعة مؤلفات سيد قطب ومنشورات بعضهم وأهملوا علم الفقه الذي درج عليه المسلمون منذ أربعة عشر قرنًا. وسيد قطب لم يكن من أهل العلم يقولون أديب مفكر. ومن عجائب ما حصل من ترك الفقه ما حَكَى لي شخصٌ من أهل مصرَ يُسمى محمد عامر قال لما قُتل أنور السادات صاروا يَلُمُّون الناس فأخذوني معهم أدخلونا السجن ستَّ فرق كل فرقة تكفّر الأخرى ولا تُصَلّي خلفها، أحيانًا تطلع الشمس ولم يصلوا الصبح.
أما الوهابية فالعقيدة التي يتعلمونها ضدُّ ما أنزل الله ولا سيما فِي التوحيد. فِي التوحيد هم ضد قول الله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [سورة الشورى: 11]. جعلوا الله جسمًا قاعدًا على العرش يطلع وينزل وله انفعالاتٌ. ما بَقِيَ إلا أن يقولوا هو إنسان مِنْ حيثُ اللفظُ، أما من حيث الاعتقادُ جعلوه إنسانًا.
ثم مِن النواحِي الأخرى عندهم ضلالٌ، من قال: يا محمد يا حسن يا حسين عندهم كَفَر. يقولون: أنت عَبَدْتَهُ لِـمَ تُنادِيه. والحِرز الذي فيه ءَايَاتٌ قرءانيةٌ عندهم شركٌ إذا علَّقه الشخص. عند المواجهة الشريفة الناس يُسلّمونَ على الرسول ، حراس الوهابية هناك إذا رأوا على شخصٍ هذا الحرزَ يقولون شركٌ وأحيانًا يُجُرُّونه حتى يكاد يختنق. هؤلاء ضررهم عظيم وهؤلاء ضررهم عظيم. نحن بين هاتين الفرقتين فِي هذا الزمن.
ثم جماعة سيد قطب انتشروا لأنهم يوهمون الناس أنهم يريدون إقامةَ حكم الشرع فَيُصْغِي لهم الجاهلُ فيَضِلُّ كما ضَلُّوا.
أما الوهابية فيوردون ءاياتٍ يحملونَها على ظواهرها يفسرونها على خلاف قولِه تعالى فِي سورة الشورى: {لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ} لا يفسرونها كما يفسرها السلف والخلف على خلاف ظواهرها منها قول الله تعالى: {الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى} [سورة طه: 5] استوى فلان على البعير أو الفرس بمعنى جلس، هذا كلام عربيٌّ وهذا كلام عربيٌّ وهذا كلام عربيٌّ لكنهم اختاروا المعنى الذي لا يليق بالله.
هؤلاء الوهابيةُ أشد تأثيرًا لأنهم يوردون عدةَ آياتٍ. أما حزبُ الإخوان يوردون ءايةً واحدةً {وَمَنْ لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنَزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الكَافِرونَ} [سورة المائدة: 44]، يقولون: أيُّ حاكم حكم بغير حكم الله ولو فِي مسألةٍ واحدةٍ هو كافرٌ والرعيةُ إذا لم يثوروا عليه كفارٌ.
المسلمون منذ أيام الصحابة إلى اليوم يقرؤون هذه الآيةَ وفهموا معناها أما حزبُ الإخوان يفهمونَها على خلاف ما فهِمَها المسلمون. شَوَّشُوا على الناس وصاروا يقتلون ويغتالون. هاتان الفرقتان فِتنتان عظيمتان فيجبُ التحذير منهم.
نحن ما فَحَصْنَا كُلَّ الأفراد لكنْ كتبهم وكثير من الأفراد المنتسبين إلى الوهابية تقول بهذه الأقاويل إنّ الله جالسٌ على العرش وإنه بذاته ينزلُ كلَّ ليلة إلى السماء الدنيا فيمكث إلى ثلث الليل ثم يعود. أهل السُّنَّة يقولون معنى ينزل ربُّنا يأمرُ ملائكتَه فينزلون فيمكثون إلى ثلث الليل ثم يعودون إلى مراكزهم. هذا إسنادٌ مجازيٌّ كما يُقال بَنَى الأمير المدينة وليس الأمير هو الذِي يباشر البناء لكن لما كان البناء بأمره أُسند إليه البناء. هؤلاء فتنة على الناس.
ثم بعض الناس يقولون: نحن لا نكفّرُ الكافر؛ بل الله يحاسبه. هؤلاء ليسوا بأورعَ من الإمام الأوزاعيّ وأبي حنيفة رَضِيَ الله عنهما وأمثالِهِمَا. أبو حنيفة قال عن شخص رءاه فِي مجلسه اسمُهُ جَهْمٌ إنه كافر أخرجوه.اهـ. وأيامَ هشام بن عبد الملك قال رجلٌ ضالٌ اسمُه غَيلان لهشام أريدُ من يُناظرنِي فاستدعَى الأوزاعيَّ فناظرَه فكسرَه فقال هو كافرٌ يا أمير المؤمنين فأُجرِيَ عليه القتلُ قطعَ يديه ورجليه وصَلَبَهُ. كانَ اسمه غيلانَ أبا مروان. هو [ابن] مولى عثمانَ بن عفانَ. الله أضلَّهُ. هذا غيلان كان يقول الله تعالى ليس هو يخلق أعمالَنا. كذّب الآية {اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [سورة الرعد: 16]. الله يقول فِي سورة الرعد {قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [سورة الرعد: 16] الأفكارُ والأعمالُ والنوايا وتقلباتُ الأبصار هذا كلُّه شَيْءٌ والله تعالى خالقه كلّه. أما غيلانُ يقول: أعمالُنا الاختياريةُ نحن نخلقها أما الله خلق أجسامَنا. كان شوَّشَ على الناس كما شوشَ ابنُ تيميةَ كثيرًا بتآليفه. الخليفة بعدما جمعه بالأوزاعيّ الإمام الأوزاعيُّ أفتى بأنه كافرٌ فأجرَى عليه هشامٌ القتل. وكان قبل ذلك فِي أيام عمر بن عبد العزيز سمع عنه عمر فطلبَه فقال: ما هذا الذي يبلغُنِي عنك، فقال: يُكْذَبُ عليَّ يا أمير المؤمنين فتركه لكن تفرَّس فيه أن يُقتل ثم بعد وفاة عمر بن عبد العزيز تحققت فيه فِراستُه فقُتل. ظَهَرَتْ كرامةُ عُمَرَ.
وبعض أهل عصرنا أيضًا عندنا مؤلفاته وشُرُوطُهُ فيها كفر. يُسَمّى اللهَ العلةَ الكُبرَى ويسميه واسطةً ويسميه منبعًا ويسميه الأصلَ ويقول عندما يختلف القرءان والعلم نترك القرءان ونأخذ بالعلم. إلى هذا الحد وصل.
هؤلاء الدكاترةُ فِي هذا العصر الذين يتخرجون من كثير من الكليات التي يسمونها شرعيةً من الكلية التي تُسمّى أصولَ الدين وغيرها مفتونون لأنهم لا يلتزمون مذهبَ أهل السُّنَّة إنما يقاربون ويتركونَ لهم حريةَ الفكر. قبل ثلاث سنوات اجتمعت بشيخ مصريّ يقال له: محمد سعد قال لي اليوم فِي جامعة كذا الدكتوراه بالثَّمَن. انتَهَى.
والله تعالى أعلم.
[i])) رواه البخاريّ فِي صحيحه، بَابُ: العِلْمُ قَبْل القَوْل وَالعَمَل.