الأحد ديسمبر 22, 2024

فَصْلٌ فِي النَّفَقَةِ

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فَصْلٌ) يَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ نَفَقَةُ أُصُولِهِ الْمُعْسِرِينَ أَيِ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ الْفُقَرَاءِ وَإِنْ قَدَرُوا عَلَى الْكَسْبِ.

   الشَّرْحُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى أُصُولِهِ أَيِ الأَبِ وَالْجَدِّ مِنْ جِهَةِ الأَبِ وَمِنْ جِهَةِ الأُمِّ وَإِنْ عَلا كَأَبِي الْجَدِّ وَجَدِّ الْجَدِّ وَالأُمِّ وَالْجَدَّةِ مِنْ جِهَةِ الأَبِ وَمِنْ جِهَةِ الأُمِّ وَإِنْ عَلَتْ كَأُمِّ الْجَدَّةِ وَجَدَّةِ الْجَدَّةِ إِنْ كَانُوا مُعْسِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ بِلا تَقْدِيرٍ بِحَدٍّ مُعَيَّنٍ، وَإِنْ كَانَ لا يَمْلِكُ أَمْلاكًا تَكْفِيهِمْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ وَيَكْسِبَ فِي تَحْصِيلِ نَفَقَتِهِمْ وَلا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونُوا قَادِرِينَ عَلَى الْكَسْبِ أَوْ عَاجِزِينَ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَنَفَقَةُ فُرُوعِهِ أَيْ أَوْلادِهِ وَأَوْلادِ أَوْلادِهِ إِذَا أَعْسَرُوا وَعَجَزُوا عَنِ الْكَسْبِ لِصِغَرٍ أَوْ زَمَانَةٍ أَيْ مَرَضٍ مَانِعٍ مِنَ الْكَسْبِ.

   الشَّرْحُ أَنَّهُ تَجِبُ نَفَقَةُ الْفُرُوعِ مِنَ الذُّكُورِ وَالإِنَاثِ الْمَعْصُومِينَ الأَحْرَارِ وَلَوْ مُبَعَّضِينَ إِنْ أَعْسَرُوا عَمَّا يَكْفِيهِمْ وَعَجَزُوا عَنِ الْكَسْبِ لِصِغَرٍ أَوْ زَمَانَةٍ أَيْ كَوْنِهِمْ لا يَسْتَطِيعُونَ الْعَمَلَ كَالْمَفْلُوجِ وَالْمَشْلُولِ وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ وَالأَعْمَى وَالْمَرِيضُ لِعَجْزِهِمْ عَنْ كِفَايَةِ أَنْفُسِهِمْ وَمِنْ ثُمَّ لَوْ أَطَاقَ صَغِيرٌ الْكَسْبَ أَوْ أَطَاقَ تَعَلُّمَهُ وَكَانَ لائِقًا بِهِ جَازَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَيْهِ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْهُ وَلا فَرْقَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالأُنْثَى فِي ذَلِكَ فِي مَذْهَبِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، فَإِنِ امْتَنَعَ أَوْ هَرَبَ لَزِمَ الْوَلِيَّ نَفَقَتُهُ، وَإِنْ كَانَ الأَبُ مُحْتَاجًا فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ هَذَا الْمَالِ الَّذِي يَكْسِبُهُ وَلَدُهُ الصَّغِيرُ. وَهَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ »أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ« رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ [فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى] فَالأَبُ إِنْ كَانَ مُحْتَاجًا لَيْسَ لَهُ مَالٌ يَكْفِيهِ يَأْخُذُ مِنْ أَوْلادِهِ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ الذُّكُورِ وَالإِنَاثِ بِرِضَاهُمْ أَوْ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ قَدْرَ حَاجَتِهِ. أَمَّا إِنْ لَمْ يَكُنِ الأَبُ مُحْتَاجًا وَطَلَبَ الْمَالَ مِنِ ابْنِهِ فَلا يَجِبُ عَلَى الِابْنِ أَنْ يُعْطِيَهُ الْمَالَ وَلَوِ انْزَعَجَ الأَبُ مِنْ ذَلِكَ لَكِنْ إِنْ شَاءَ يُعْطِيهِ مِنْ بَابِ الْبِرِّ. وَلَوْ كَانَ الْفَرْعُ الأُنْثَى أَيِ الْبِنْتُ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَعْمَلَ عَمَلًا حَلالًا لائِقًا بِهَا جَازَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَحْمِلَهَا عَلَى ذَلِكَ لِيُنْفِقَ عَلَيْهَا مِمَّا تَكْسِبُهُ، وَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى كَسْبٍ لائِقٍ بِهَا وَجَبَ عَلَى الأَصْلِ أَنْ يَتَحَمَّلَ ذَلِكَ إِلَى الْبُلُوغِ. وَفِي مَذْهَبِ مَالِكٍ لا يَسْقُطُ عَنِ الأَبِ تَحَمُّلُ كُلْفَتِهَا إِلَى أَنْ تَتَزَوَّجَ.

   وَالنَّفَقَةُ الَّتِي تَجِبُ فِي حَقِّ الأُصُولِ وَالْفُرُوعِ هِيَ الْقُوتُ وَالإِدَامُ [أَيْ مَا يُؤْتَدَمُ بِهِ مَائِعًا كَانَ أَوْ جَامِدًا أَيْ مَا يُؤْكَلُ بِالْخُبْزِ] اللَّائِقُ بِهِمْ وَتَجِبُ الْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى اللَّائِقَةُ بِهِمْ، وَلا يَجِبُ عَلَيْهِ إِلَى حَدِّ الْمُبَالَغَةِ فِي الشِّبَعِ لَكِنْ أَصْلُ الإِشْبَاعِ وَاجِبٌ. وَتَسْقُطُ مُؤَنُهُمْ بِفَوَاتِهَا فَلا تَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ إِلَّا بِفَرْضِ قَاضٍ أَوْ إِذْنِهِ لِلأَصْلِ فِي الِاقْتِرَاضِ لِغَيْبَةِ الْمُنْفِقِ أَوْ مَنْعِهِ.

   وَمِمَّا يَجِبُ لِلأَبِ عَلَى الِابْنِ أَنْ يُزَوِّجَهُ إِنْ كَانَ مُحْتَاجًا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ ذَنْبٌ كَبِيرٌ، هَذَا إِنْ طَلَبَ مِنْهُ فَلَمْ يَفْعَلْ وَإِلَّا فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى زَوْجِةِ أَبِيهِ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْحَالِ، أَمَّا بَعْدَ وَفَاةِ أَبِيهِ فَلا يَجِبُ عَلَيْهِ الِانْفَاقُ عَلَيْهَا.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ.

   الشَّرْحُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ الْمُمَكِّنَةِ نَفْسَهَا لَهُ وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً مَمْلُوكَةً أَوْ كَافِرَةً أَوْ مَرِيضَةً وَهِيَ فِي الْمَذْهَبِ مُدًّا طَعَامٍ لِكُلِّ يَوْمٍ عَلَى مُوسِرٍ حُرٍّ وَمُدٌّ عَلَى مُعْسِرٍ وَمُدٌّ وَنِصْفٌ عَلَى مُتَوَسِّطٍ وَعَلَيْهِ طَحْنُهُ وَعَجْنُهُ وَخَبْزُهُ وَأُدْمُ غَالِبِ الْبَلَدِ وَيَخْتَلِفُ بِالْفُصُولِ وَيُقَدِّرُ الإِدَامَ الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ وَيَتَفَاوَتُ بَيْنَ مُوسِرٍ وَغَيْرِهِ، وَيَجِبُ لَهَا كِسْوَةٌ تَكْفِيهَا وَءَالَةُ تَنْظِيفٍ أَيْ مَا تُنَظِّفُ بِهِ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَجْلِبَ لَهَا الصَّابُونَ مَثَلًا أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ. وَيَلْزَمُ الزَّوْجَ لِزَوْجَتِهِ بَيْتٌ وَلَوْ حُجْرَةً وَاحِدَةً مَعَ مَطْبَخٍ [أَيْ مَوْضِعٍ لِلطَّبْخِ] وَخَلاءٍ [أَيْ مَوْضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ]. وَمِنَ الطَّعَامِ يَلْزَمُهُ مَا يَأْكُلُهُ أَمْثَالُهُ، وَالأَكْلُ يَأْتِي بِهِ مَطْبُوخًا أَوْ يَطْبَخُهُ لَهَا. وَيَلْزَمُهُ فِرَاشٌ وَمِخَدَّةٌ، وَجَوْرَبٌ فِي الْبِلادِ الَّتِي تَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِيهَا، وَالْبِسَاطُ الَّذِي يَقِي مِنْ ضَرَرِ الْبَرْدِ وَالْحَرِّ، وَاللِّحَافُ إِذَا كَانَ يَصْلُحُ لِلْحَرِّ وَالْبَرْدِ، أَمَّا الإِنَارَةُ فَيَكْفِي السِّرَاجُ أَوْ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْكِفَايَةُ، وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا أَنْ يَجْلِبَ لَهَا أَدَوَاتِ تَنْظِيفٍ [أَيْ مَا تُنَظِّفُ بِهِ ثِيَابَهَا وَتَغْسِلُهَا كَالصَّابُونِ] لِغَسْلِ ثِيَابِهَا وَيَلْزَمُهُ لَهَا ثَوْبٌ لِلشِّتَاءِ وَءَاخَرُ لِلصَّيْفِ وَلَوْ لَمْ يَبْلَ الأَوَّلُ وَالنَّعْلُ أَوِ الْخُفُّ.

   أَمَّا النَّاشِزَةُ فَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا بِالإِجْمَاعِ وَالنَّاشِزَةُ هِيَ كَالَّتِي تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا بِدُونِ إِذْنِهِ بِلا ضَرُورَةٍ، أَوْ تَمْنَعُهُ حَقَّهُ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، أَوْ تُخَشِّنُ لَهُ الْكَلامَ، أَمَّا الَّتِي تَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ بِدُونِ إِذْنِهِ بِلا حَقٍّ فَلا يُقَالُ عَنْهَا إِنَّهَا نَاشِزَةٌ لِمُجَرَّدِ ذَلِكَ لَكِنَّهَا عَاصِيَةٌ.

   وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ [فِي صَحِيحَيْهِمَا] مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ »إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ أَنْ تَجِيءَ فَبَاتَ غَضْبَانَ لَعَنَتْهَا الْمَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ« وَلَفْظُ مُسْلِمٍ »كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا« يَعْنِي بِالَّذِي فِي السَّمَاءِ الْمَلائِكَةَ وَهَذَا التَّأْوِيلُ تَأْيِيدُهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الرِّوَايَةِ الأُولَى الَّتِي ذُكِرَ الْمَلائِكَةُ فِيهَا فَيَبْطُلُ احْتِجَاجُ الْمُشَبِّهَةِ بِهِ عَلَى إِثْبَاتِ تَحَيُّزِ اللَّهِ فِي السَّمَاءِ فَإِنَّ اللَّهَ مَوْجُودٌ بِلا مَكَانٍ.

   وَيَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ الَّذِي تَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَ زَوْجَاتِهِ فِي النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ وَالْمَبِيتِ وَلَيْسَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ كُلَّمَا اشْتَرَى لإِحْدَاهُنَّ شَيْئًا يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِلأُخْرَى مِثْلَهُ أَوْ أَنَّهُ كُلَّمَا جَامَعَ وَاحِدَةً يَلْزَمُهُ أَنْ يُجَامِعَ الأُخْرَى بَلِ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُهَيِّئَ لِهَذِهِ الْمَسْكَنَ اللَّائِقَ بِهَا وَلِهَذِهِ كَذَلِكَ وَيَبِيتَ عِنْدَ هَذِهِ لَيْلَةً وَعِنْدَ هَذِهِ لَيْلَةً أَوْ عَلَى غَيْرِ هَذَا التَّرْتِيبِ لَكِنْ مَعَ التَّسْوِيَةِ. وَلا يَلْزَمُهُ أَنْ يَمْكُثَ عِنْدَهَا كُلَّ اللَّيْلِ بَلْ لَوْ مَكَثَ عِنْدَهَا سَاعَةً ثُمَّ أَمْضَى بَقِيَّةَ اللَّيْلَةِ فِي الْمَسْجِدِ جَازَ. وَلا يَدْخُلُ بَيْتَ الأُخْرَى فِي غَيْرِ دَوْرِهَا فِي النَّهَارِ إِلَّا لِحَاجَةٍ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ لِرُؤْيَةِ أَوْلادِهِ أَوْ بَعْضِ زُوَّارِهِ أَمَّا فِي اللَّيْلِ فَلا يَدْخُلُ إِلَّا لِضَرُورَةٍ. أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾ فَمَعْنَاهُ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تُسَوُّوا بَيْنَهُنَّ فِي الْمَحَبَّةِ الْقَلْبِيَّةِ وَالْجِمَاعِ [وَهَذَا الْمَعْنَى مُجْمَعٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، وَلَيْسَ فِي الآيَةِ تَحْرِيـمُ زِوَاجِ الرَّجُلِ بِأَكْثَرَ مِنِ امْرَأَةٍ كَمَا يَدَّعِي بَعْضُ الْجُهَّالِ]، وَهَذَا لَيْسَ مِمَّا كَلَّفَ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِهِمْ. وَتَمَامُ الْعَدْلِ [أَيْ مَعَ الزِّيَادَةِ عَلَى الْوَاجِبِ] هُوَ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُنَّ بِالْقِسْمَةِ وَالنَّفَقَةِ وَالتَّعَهُّدِ وَالنَّظَرِ وَالإِقْبَالِ والْمُحَالَمَةِ وَالْمُفَاكَهَةِ. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَاءِهِ فَيَعْدِلُ وَيَقُولُ: »اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلا تُؤَاخِذْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلا أَمْلِكُ« رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.

   وَقَدْ أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالإِحْسَانِ إِلَى الزَّوْجَةِ فَقَالَ »اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ« رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ أَيْ أَسِيرَاتٌ، وَقَالَ »اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ أَعْوَج« رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [سُورَةَ النِّسَاء/19] أَيْ بِلا إِيذَاءٍ وَلا تَقْصِيرٍ فِي الْحُقُوقِ فَالَّذِي يُحْسِنُ مُعَامَلَةَ نِسَائِهِ فَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْمُؤْمِنِينَ أَيْ يُحْسِنُ إِلَيْهِنَّ بِالْعَطْفِ وَالرَّحْمَةِ وَالإِحْسَانِ. أَفْضَلُ الرِّجَالِ هُمُ الَّذِينَ يَكُونُ إِحْسَانُهُمْ لِنِسَائِهِمْ أَحْسَنَ فَيَتَوَاضَعُ مَعَ امْرَأَتِهِ وَيُحْسِنُ إِلَيْهَا وَيَصْفَحُ وَيَعْفُو عَنْ سَيِّئَاتِهَا وَلا يُقَابِلُ إِسَاءَتَهَا بِالإِسَاءَةِ وَيُعَامِلُهَا بِالْحِكْمَةِ وَالْمُدَارَاةِ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ »خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي« رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ [فِي سُنَنِهِ]. أَيْ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ يُعَامِلُ نِسَاءَهُ أَحْسَنَ مُعَامَلَةٍ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ، فَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ لَمَّا يَخْرُجُ يَأْتِي إِلَى بَابِ زَوْجَتِهِ هَذِهِ وَيَقُولُ »السَّلامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ« وَيَأْتِي بَابَ الأُخْرَى وَيَقُولُ مِثْلَ هَذَا وَيَأْتِي بَابَ الأُخْرَى وَيَقُولُ مِثْلَ هَذَا وَهَكَذَا يَدُورُ عَلَيْهِنَّ لِلسَّلامِ فِي غَيْرِ دَوْرِ صَاحِبَةِ الدَّوْرِ [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ]، فَأَيُّ سُرُورٍ يَدْخُلُ عَلَى زَوْجَتِهِ الَّتِي يُسَلِّمُ عَلَيْهَا. الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَّمَنَا أَنْ نَتَوَاضَعَ مَعَ أَهْلِنَا وَأَنْ نُخَالِفَ أَنْفُسَنَا لِأَنَّ النَّفْسَ تُحِبُ التَّرَفُّعَ، وَالتَّوَاضُعُ مَطْلُوبٌ، الرَّجُلُ إِذَا خَدَمَ نَفْسَهُ وَخَدَمَ زَوْجَتَهُ فِي الْبَيْتِ بَدَلَ أَنْ يَنْتَظِرْ خِدْمَتَهَا هَذَا عِنْدَ اللَّهِ أَفْضَلُ، الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْلِبُ شَاتَهُ بِيَدِهِ فِي الْبَيْتِ بَدَلَ أَنْ يَقُولَ لإِحْدَى نِسَائِهِ احْلِبِي أَنْتِ، كَانَ يَتَوَلَّى خِدْمَةَ الْبَيْتِ بِنَفْسِهِ وَيَخِيطُ ثَوْبَهُ أَيْ يَرْقَعُهُ وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ أَيْ يَخْرِزُهَا أَيْ يَخِيطُهَا وَيَرْفَعُ دَلْوَهُ وَلَوْ قِيلَ إِنَّهُ كَانَ يَكْنُسُ بَيْتَهُ لا يَبْعُدُ بَلْ هَذَا مِنْ كَمَالِ التَّوَاضُعِ لَكِنْ هَذَا مَا وَرَدَ فِي السِّيرَةِ.

   ثُمَّ إِنَّ الَّذِي لا يَعْدِلُ فِي النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ فَهُوَ فَاسِقٌ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ أَيْ مَفْلُوجٌ. وَكَذَا الَّذِي لا يُسَوِّي بَيْنَهُنَّ فِي الْمَبِيتِ فَهُوَ فَاسِقٌ.

   فائدةٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ أُجْرَةَ الْقَابِلَةِ عَلَى الزَّوْجِ، وَلَمْ نَعْلَمْ نُصُوصًا عَلَيْهَا فِي مَذْهَبِنَا مَعَاشِر الشَّافِعِيَّةِ، وَعِنْدَهُمْ أَيْضًا أَنَّ عَلَى الْمَرْأَةِ الْخِدْمَةَ الْبَاطِنَةَ مِنْ عَجْنٍ وَكَنْسٍ وَفَرْشٍ إِنْ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ شَرَفٍ وَلا فِي صَدَاقِهَا ثَمَنُ خَادِمٍ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمَهْرُهَا وَعَلَيْهِ لَهَا مُتْعَةٌ إِنْ طَلَّقَهَا، وَالْمُتْعَةُ مَالٌ يُعْطَى لِلْمُطَلَّقَةِ بِغَيْرِ سَبَبٍ مِنْهَا.

   الشَّرْحُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَدَاءُ مَهْرِ زَوْجَتِهِ فَإِنْ كَانَ حَالًّا فَمَتَى طَلَبَتْ وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَعِنْدَ حُلُولِ الأَجَلِ لا قَبْلَهُ.

   وَالْمَهْرُ هُوَ مَا يَصِحُّ جَعْلُهُ مَبِيعًا وَمَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً كَتَعْلِيمِ الْقُرْءَانِ أَوْ سُورَةٍ مِنْهُ فَيَصِحُّ جَعْلُ الْمَهْرِ تَعْلِيمَ أَقْصَرِ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْءَانِ أَوْ تَعْلِيمَ حِرْفَةٍ كَخِيَاطَةٍ.

   وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ »خَيْرُ الصَّدَاقِ أَيْسَرُهُ«.

   وَيَجِبُ لِلزَّوْجَةِ عَلَى الزَّوْجِ مُتْعَةٌ، وَالْمُتْعَةُ مَالٌ يُدْفَعُ لِلزَّوْجَةِ الْمُفَارَقَةِ إِنْ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ لِسَيِّدِهَا إِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً، إِلَّا أَنْ وَجَبَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ فَلا مُتْعَةَ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَمَنْ وَجَبَ لَهَا الشَّطْرُ بِتَسْمِيَةٍ أَوْ فَرْضٍ فِي مُفَوِّضَةٍ كَأَنْ فَوَّضَتْ تَسْمِيَةَ الْمَهْرِ لِشَخْصٍ فَسَمَّاهُ. وَلَوْ فُورِقَتْ فُرْقَةً غَيْرَ فُرْقَةِ الطَّلاقِ لا بِسَبَبٍ نَاشِئٍ مِنْهَا بَلْ مِنْ زَوْجِهَا كَأَنْ أَسْلَمَ وَكَانَتْ مَجُوسِيَّةً أَوِ ارْتَدَّ وَهِيَ مُسْلِمَةٌ أَوْ لاعَنَ أَوْ مِنْ شَخْصٍ ءَاخَرَ غَيْرِ الزَّوْجِ كَأَنْ وَطِئَ الِابْنُ زَوْجَةَ أَبِيهِ بِشُبْهَةٍ أَيْ بِظَنِّهِ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فَتَجِبُ الْمُتْعَةُ حِينَئِذٍ.

   وَلَيْسَتِ الْمُتْعَةُ مِقْدَارًا مُعَيَّنًا وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ ثَلاثِينَ دِرْهَمًا لِلْمُتَوَسِّطِ وَأَنْ لا تَبْلُغَ نِصْفَ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَيُجْزِئُ مَا يَتَرَاضَيَانِ عَلَيْهِ وَلَوْ أَقَلَّ مُجْزِئٍ مُتَمَوَّلٍ أَيْ أَقَلَّ شَىْءٍ مِمَّا يُسَمَّى مَالًا فَإِنْ تَنَازَعَا قَدَّرَهُ الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ مُعْتَبِرًا حَالَهُ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَعَلَى مَالِكِ الْعَبِيدِ وَالْبَهَائِمِ نَفَقَتُهُمْ وَأَنْ لا يُكَلِّفَهُمْ مِنَ الْعَمَلِ مَا لا يُطِيقُونَهُ، وَلا يَضْرِبَهُمْ بِغَيْرِ حَقٍّ.

   الشَّرْحُ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ »إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ [أَيْ خَدَمُكُمْ وَعَبِيدُكُمْ] مَلَّكَكُمُ اللَّهُ إِيَّاهُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلا يُكَلِّفْهُ مِنَ الْعَمَلِ مَا يَغْلِبُهُ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ« وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَإِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ »لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ« أَيْ بِلا إِسْرَافٍ وَلا تَقْتِيرٍ. وَمَنْ مَلَّكَهُ اللَّهُ الْبَهَائِمَ لا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُكَلِّفَهَا مِنَ الْعَمَلِ مَا لا تُطِيقُ وَلا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا إِلَّا لِلْجِمَاحِ وَلِلْوُقُوفِ بِغَيْرِ سَبَبٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ ضَرَبَهَا عِنْدَ ذَلِكَ لا يَضْرِبْهَا عَلَى وَجْهِهَا.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجَةِ طَاعَةُ الزَّوْجِ فِي نَفْسِهَا إِلَّا فِي مَا لا يَحِلُّ وَأَنْ لا تَصُومَ النَّفْلَ وَلا تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ.

   الشَّرْحُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجَةِ طَاعَةُ الزَّوْجِ فِيمَا هُوَ حَقٌّ لَهُ عَلَيْهَا مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إِلَّا فِيمَا حَرَّمَهُ الشَّرْعُ مِنْ أُمُورِ الِاسْتِمْتَاعِ فَلا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُطِيعَهُ فِي الِاسْتِمْتَاعِ الْمُحَرَّمِ كَأَنْ تَكُونَ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ وَأَرَادَ أَنْ يُجَامِعَهَا بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهَا، وَلا يَجِبُ عَلَيْهَا أَيْضًا إِذَا كَانَتْ لا تُطِيقُ الْوَطْءَ لِمَرَضٍ. وَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَتَزَيَّنَ إِنْ طَلَبَ مِنْهَا ذَلِكَ. وَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ لا تَصُومَ النَّفْلَ وَهُوَ حَاضِرٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، أَمَّا الْوَاجِبُ كَرَمَضَانَ فَإِنَّهَا تَصُومُهُ رَضِيَ أَوْ لَمْ يَرْضَ لِأَنَّ اللَّهَ أَحَقُّ أَنْ يُطَاعَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ »لا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ« رَوَاهُ أَحْمَدُ [فِي مُسْنَدِهِ].

   وَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ لا تَأْذَنَ لِأَحَدٍ فِي دُخُولِ بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ. وَلا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَأَمَّا الْخُرُوجُ لِضَرُورَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَذَلِكَ كَأَنْ أَرَادَتْ أَنْ تَسْتَفْتِيَ أَهْلَ الْعِلْمِ فِيمَا لا تَسْتَغْنِي عَنْهُ وَكَانَ الزَّوْجُ لا يَكْفِيهَا ذَلِكَ فَإِنَّهَا تَخْرُجُ بِدُونِ رِضَاهُ وَهَذَا شَامِلٌ لِمَعْرِفَةِ مَا هُوَ مِنْ أُصُولِ الْعَقِيدَةِ وَالأَحْكَامِ كَأُمُورِ الطَّهَارَةِ كَمَسَائِلِ الْحَيْضِ فَإِنَّ لَهَا تَشَعُّبًا. وَمِنَ الضَّرُورَةِ أَنْ تَخْشَى فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي أَسْكَنَهَا فِيهِ اقْتِحَامَ فَجَرَةٍ أَوِ انْهِدَامَهُ. وَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَتْرُكَ مَا يُعَكِّرُ عَلَيْهِ الِاسْتِمْتَاعَ مِنَ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ كَرَائِحَةِ الثُّؤْمِ وَالْبَصَلِ وَالسِّيكَارَةِ إِنْ كَانَ يَتَأَذَّى مِنْهَا.

   وَلا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَتَهُ مِنْ صِلَةِ أَرْحَامِهَا مِنْ دُونِ عُذْرٍ إِمَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ بِزِيَارَتِهَا أَوْ يَأْذَنَ لَهَا بِزِيَارَتِهِمْ، أَمَّا إِنْ كَانُوا مُفْسِدِينَ فَخَافَ مِنْ أَنْ يُوقِعُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَلَهُ عُذْرٌ فِي مَنْعِهَا.

   فَائِدَةٌ يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُلازِمَ الْبَيْتَ وَلا تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ مُهِمَّةٍ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ »الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ فَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ وَأَقْرَبُ مَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ إِذَا كَانَتْ فِي قَعْرِ بَيْتِهَا« وَمَعْنَى اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ أَيْ يَهْتَمُّ بِهَا لِيَفْتِنَ بِهَا أَوْ يَفْتِنَهَا فَهُوَ كَالَّذِي يُحَدِّقُ بِالشَّىْءِ مُهْتَمًّا بِهِ وَهُوَ وَاضِعٌ أَصَابِعَهُ فَوْقَ عَيْنَيْهِ، وَمَعْنَى وَجْهِ اللَّهِ هُنَا طَاعَةُ اللَّهِ. وَقَدْ أَوَّلَ بَعْضُ السَّلَفِ وَجْهَ اللَّهِ فِي ءَايَةِ ﴿كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [سُورَةَ الْقَصَص/88] بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَجْهِ هُنَا الطَّاعَاتُ الَّتِي يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللَّهِ. فَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ مَطْلُوبٌ مِنَ الْمَرْأَةِ أَنْ تُلازِمَ الْبَيْتَ، فَلا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهَا إِلَّا لِأَمْرٍ تَحْتَاجُهُ لِدِينِهَا أَوْ لِدُنْيَاهَا الْخُرُوجُ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ النِّسَاءِ لا يَنْبَغِي. أَزْوَاجُ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلامُ وَعَلَى ءَالِهِ بَعْدَمَا قَالَ لَهُنَّ لَمَّا رَجَعَ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ »هَذِهِ ثُمَّ ظُهُورَ الْحُصُرِ« [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ] مَعْنَاهُ هَذِهِ الْحَجَّةُ خَرَجْتُمُوهَا مَعِي بَعْدَ ذَلِكَ الزَّمَنِ الْحُصُرَ أَيِ الْزَمْنَ بُيُوتَكُنَّ، فَمَا خَرَجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لِلْحَجِّ إِلَّا عَائِشَةُ. عَائِشَةُ خَرَجَتْ بِنِيَّةِ الْحَجِّ وَقَالَتْ قَوْلَ الرَّسُولِ »ثُمَّ ظُهُورَ الْحُصُرِ« لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ فَرْضٌ عَلَيْنَا مُلازَمَةُ الْبُيُوتِ بَعْدَ هَذَا إِنَّمَا مَعْنَاهُ الأَفْضَلُ لَنَا هَذَا.

   فَخُرُوجُ الْمَرْأَةِ مِنَ الْبَيْتِ إِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ سَبَبٌ شَرْعِيٌّ لا خَيْرَ فِيهِ بَلْ صَلاةُ الْجَمَاعَةِ لِلْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ »صَلاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي مَسْجِدِي« رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَمَاذَا يَكُونُ هَذَا الْخُرُوجُ الْكَثِيرُ الَّذِي اعْتَدْنَهُ النِّسَاءُ الْيَوْمَ لِمُجَرَّدِ التَّنَزُّهِ لا لِلتَّدَاوِي، أَمَّا إِذَا كَانَتْ مَرِيضَةً فَأَرَادَتِ الْخُرُوجَ خَارِجَ الْبَلَدِ لِلتَّدَاوِي فَهَذَا عُذْرٌ، وَأَمَّا لِمُجَرَّدِ الْعَادَةِ وَإِعْطَاءِ النَّفْسِ هَوَاهَا فَهَذَا بَعِيدٌ مِنَ الشَّرْعِ.

   الصَّلاةُ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ تُضَاعَفُ إِلَى خَمْسِمِائَةِ أَلْفِ صَلاةٍ مِنْ حَيْثُ الثَّوَابُ وَمَعَ هَذَا الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ رَغَّبَ النِّسَاءَ أَنْ لا يَخْرُجْنَ لِلصَّلاةِ فِي مَسْجِدِهِ وَأَنْ يُصَلِّينَ فِي بُيُوتِهِنَّ، فَعَلَى النِّسَاءِ أَنْ يُحَاسِبْنَ أَنْفُسَهُنَّ وَأَنْ لا يُعَوِّدْنَ أَنْفُسَهُنَّ عَلَى الِانْطِلاقِ وَالْخُرُوجِ كُلَّ يَوْمِ أَحَدٍ أَوْ غَيْرِهِ إِلَى خَارِجِ الْبَلَدِ كَمَا هُوَ عَادَةُ الْكُفَّارِ وَعَادَةُ الَّذِينَ لا يُفَكِّرُونَ فِي الآخِرَةِ، وَلْيُفَكِرْنَ فِي الْقَبْرِ الَّذِي هُوَ بَيْتُ الْوَحْدَةِ وَبَيْتُ الْوَحْشَةِ وَبَيْتُ الظُّلْمَةِ وَبَيْتُ الدُّودِ.

فَائِدَةٌ ثَانِيَةٌ يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَجَنَّبَ مَا لَوْ فَعَلَتْهُ يُظَنَّ بِهَا السُّوءُ مِنْ قِبَلِ بَعْضِ النَّاسِ.