(فَصْلٌ) فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَيِّتِ مِنْ غَسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَالصَّلاةِ عَلَيْهِ وَدَفْنِهِ. (وَيَلْزَمُ) عَلَى طَرِيقِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ (فِى الْمَيِّتِ) الْمُسْلِمِ غَيْرِ الشَّهِيدِ (أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ غَسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلاةُ عَلَيْهِ وَدَفْنُهُ) فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْمَيِّتِ إِلَّا وَاحِدٌ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَالصَّلاةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ حَرْبِيًّا كَانَ أَوْ ذِمِّيًا أَوْ مُرْتَدًّا وَيَجُوزُ غَسْلُهُ فِى الْحَالَيْنِ. وَيَجِبُ تَكْفِينُ الذِّمِّىِّ وَدَفْنُهُ دُونَ الْحَرْبِىِّ وَالْمُرْتَدِّ، وَأَمَّا الْمُحْرِمُ فَيُبَقَّى عَلَيْهِ أَثَرُ الإِحْرَامِ فَلا يُسْتَرُ رَأْسُ المحرِمِ وَلا وَجْهُ الْمُحْرِمَةِ. (وَاثْنَانِ لا يُغَسَّلانِ) على حسبِ ما ذكر المصنفُ رحمه الله وفي أحدهِما نظرٌ (وَلا يُصَلَّى عَلَيْهِمَا) أَحَدُهُمَا (الشَّهِيدُ فِى مَعْرَكَةِ الْمُشْرِكِينَ) وَهُوَ مَنْ مَاتَ فِى قِتَالِ الْكُفَّارِ بِسَبَبِهِ سَوَاءٌ قَتَلَهُ كَافِرٌ مُطْلَقًا أَمْ مُسْلِمٌ خَطَأً أَمْ عَادَ سِلاحُهُ إِلَيْهِ أَمْ سَقَطَ عَنْ دَابَّتِهِ أَمْ نَحْوُ ذَلِكَ فإنه لا يُغسلُ إبقاءً لأثَرِ الشهادةِ عليهِ ولا يُصَلَّى عليه لأنَّ الله تولَّاهُ برحمته فأغناهُ عن دعاءِ المُصَلِّينَ، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ بِجِرَاحَةٍ فِيهِ يُقْطَعُ بِمَوْتِهِ مِنْهَا فَغَيْرُ شَهِيدٍ فِى الأَظْهَرِ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ فِى قِتَالِ الْبُغَاةِ أَوْ مَاتَ فِى الْقِتَالِ لا بِسَبَبِهِ (وَ)الثَّانِى (السِّقْطُ) بِكَسْرِ السِّينِ وَهُوَ الْوَلَدُ (الَّذِى) لَمْ تَظْهَرْ عليه بعد ولادته أَمَارَةُ من أمارات الْحَيَاةِ بِأَنْ (لَمْ يَسْتَهِلَّ) أَىْ لَمْ يَرْفَعْ صَوْتَهُ (صَارِخًا) وَلا ظَهَرَتْ عَلَيْهِ غَيْرُهَا مِنْ العلاماتِ كَالتَّنَفُسِ فَهذا إِنْ ظَهَرَ فيه خِلْقَةُ ءادَمِيٍّ وَجَبَ غَسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَدَفْنُهُ وَلا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَإِلَّا بأن لم يظهر فيه بدايةُ خَلْقِ الآدمِيِّ سُنَّ لَفُّهُ بِخِرْقَةٍ وَدَفْنُهُ فَإِنِ اسْتَهَلَّ صَارِخًا أَوْ بَكَى فَحُكْمُهُ كَالْكَبِيرِ.
(وَيُغَسَّلُ الْمَيِّتُ وِتْرًا) ثَلاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ نَدْبًا (وَيَكُونُ فِى أَوَّلِ غِسْلِهِ سِدْرٌ) أَىْ يُسَنُّ أَنْ يَسْتَعِينَ الْغَاسِلُ فِى الْغَسْلَةِ الأُولَى مِنْ غَسَلاتِ الْمَيِّتِ بِورقِ سِدْرٍ وهو شجرٌ معروفٌ أَوْ خِطْمِىٍّ بكسرِ الخاءِ أكثرُ مِن فتحِها وهو غِسْلٌ معروفٌ (وَ)يَكُونُ (فِى ءَاخِرِهِ) أَىْ ءَاخِرِ غَسْلِ الْمَيِّتِ غَيْرِ الْمُحْرِمِ (شَىْءٌ) قَلِيلٌ لا يُغَيِّرُ الماء تغييرًا ضارًا (مِنْ كَافُورٍ) لأنه يشُدُّ بدنَ الميتِ ويُقَوِّيهِ. وَأَقَلُّ غَسْلِ الْمَيِّتِ تَعْمِيمُ بَدَنِهِ بِالْمَاءِ مَرَّةً وَاحِدَةً.
(وَيُكَفَّنُ) الْمَيِّتُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى بَالِغًا كَانَ أَوْ لا بِمَا يَجُوزُ لَهُ لُبْسُهُ حَيًّا وَأَقَلُّ الْكَفَنِ ثَوْبٌ وَاحِدٌ يَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهِ إِلَّا رَأْسَ الْمُحْرِمِ وَوَجْهَ الْمُحْرِمَةِ. وَيَجِبُ إِذَا كُفِّنَ مِنْ مَالِهِ وَكَانَتْ لَهُ تَرِكَةً زَائِدَةً عَلَى دَيْنِهِ أَنْ يَكُونَ (فِى ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ) ولا يُقتصر على الواحد إلا في حالات تُذكر في المطولات. وَيُسْتَحَبُّ أن يكونَ التكفينُ فِى أَثْوَابٍ (بِيضٍ) وَأَنْ تَكُونَ كُلُّهَا لَفَائِفَ مُتَسَاوِيَةً في الطولِ وفي العرضِ تَسْتُرُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا جَمِيعَ الْبَدَنِ (لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلا عِمَامَةٌ) هَذَا هُوَ الأَفْضَلُ لِلرَّجُلِ فَإِنْ كُفِّنَ فِى خَمْسَةٍ فَهِىَ قميصٌ وعمامةٌ والثَّلاثَةُ الْمَذْكُورَةُ فوقها أَمَّا الْمَرْأَةُ فَالأَفْضَلُ فِى حَقِّهَا خَمْسَةٌ إِزَارٌ ثم خِمَارٌ ثم قَمِيصٌ فوقها لِفافَتَانِ.
(وَ)إِذَا أُرِيدَ الصَّلاةُ على الميتِ فَحِينَئِذٍ (يُكَبَّرُ عَلَيْهِ أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ) منها تكبيرةُ الإِحْرَامِ أَىْ يَجِبُ ذَلِكَ فَلَوْ كَبَّرَ خَمْسًا لَمْ تَبْطُلْ لَكِنْ لَوْ خَمَّسَ الإِمَامُ لَمْ تَجِبْ مُتَابَعَتُهُ عَلَى الْمَأْمُومِ بَلْ يُسَلِّمُ أَوْ يَنْتَظِرُهُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يَسْبِقَهُ بِالتَّسْلِيمِ وَ(يَقْرَأُ) الْمـُصَلِّى (الْفَاتِحَةَ بَعْدَ) التَّكْبِيرَةِ (الأُولَى) وَتَجُوزُ بَعْدَ غَيْرِهَا (وَيُصَلِّى عَلَى النَّبِىِّ) ﷺ (بَعْدَ) التَّكْبِيرَةِ (الثَّانِيَةِ) وُجُوبًا وَأَقَلُّ الصَّلاةِ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ (وَيَدْعُو لِلْمَيّتِ بَعْدَ الثَّالِثَةِ) وَأَقَلُّهُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَأَكْمَلُهُ الْمَأْثُورُ مثل (اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدَيْكَ خَرَجَ مِنْ رَوْحِ الدُّنْيَا) أي راحتها وسرورها (وَسَعَتِهَا وَمَحْبُوبُهُ وَأَحِبَّاؤُهُ فِيهَا إِلَى ظُلْمَةِ الْقَبْرِ وَمَا هُوَ لاقِيهِ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا، اللَّهُمَّ إِنَّهُ نَزَلَ بِكَ) أي صارَ منزلُهُ الموضعَ الذي يجري ما فيه بأمرِكَ (وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ وَأَصْبَحَ فَقِيرًا إِلَى رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ غَنِىٌّ عَنْ عَذَابِهِ وَقَدْ جِئْنَاكَ رَاغِبِينَ إِلَيْكَ شُفَعَاءَ لَهُ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِى إِحْسَانِهِ وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ وَلَقِّهِ بِرَحْمَتِكَ رِضَاكَ وَقِهِ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَهُ وَافْسَحْ لَهُ فِى قَبْرِهِ وَجَافِ) أي أبعِدِ (الأَرْضَ عَنْ جَنْبَيْهِ وَلَقِّهِ بِرَحْمَتِكَ الأَمْنَ مِنْ عَذَابِكَ حَتَّى تَبْعَثَهُ ءَامِنًا إِلَى جَنَّتِكَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ فِى الرَّابِعَةِ اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ وَيُسَلِّمُ بَعْدَ) التَّكْبِيرَةِ (الرَّابِعَةِ) وَالسَّلامُ هُنَا كَسَلامِ غَيْرِ صَلاةِ الْجِنَازَةِ فِى كَيْفِيَّتِهِ وَعَدَدِهِ.
(وَيُدْفَنُ) الْمَيِّتُ (فِى لَحْدٍ) وَهُوَ مَا يُحْفَرُ فِى أَسْفَلِ جَانِبِ الْقَبْرِ مِنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ قَدْرَ مَا يَسَعُ الْمَيِّتَ وَيَسْتُرُهُ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ الشَّقِّ إِنْ صَلُبَتِ الأَرْضُ وَهُوَ أَىِ الشَّقُّ أَنْ يُحْفَرَ فِى وَسَطِ الْقَبْرِ كَالنَّهْرِ وَيُبْنَى جَانِبَاهُ وَيُوضَعُ الْمَيِّتُ بَيْنَهُمَا وَيُسَقَّفَ عَلَيْهِ بِلَبِنٍ وَنَحْوِهِ وَيَجِبُ دَفْنُ الْمَيِّتِ فِى لَحْدِ أَوْ شَقٍّ حَالِ كَوْنِهِ (مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ) بِوَجْهِهِ وَمُقَدَّمِ بَدَنِهِ. وَعِنْدَ وُصُولِ النَّعْشِ إِلَى الْقَبْرِ يُوضَعُ رَأْسُ الْمَيِّتِ عِنْدَ مُؤَخَّرِ الْقَبْرِ (وَيُسَلُّ) أَىْ يَخْرُجُ مِنَ النَّعْشِ (مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ بِرِفْقٍ) لا بِعُنْفٍ (وَيَقُولُ الَّذِى يُلْحِدُهُ) أَىْ يُدْخِلُهُ الْقَبْرَ (بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ) ﷺ (وَيُضْجَعُ فِى الْقَبْرِ) مُسْتَقْبِلًا الْقِبْلَةَ كَمَا مَرَّ (بَعْدَ أَنْ يُعَمَّقَ قَامَةً وَبَسْطَةً) وَيُسَنُّ إِضْجَاعُهُ عَلَى جَنْبِهِ الأَيْمَنِ فَلَوْ دُفِنَ عَلَى جَنْبِهِ الأَيْسَرِ جَازَ أَوْ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ أَوْ مُسْتَلْقِيًا نُبِشَ وَوُجِّهَ لِلْقِبْلَةِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ.
(وَيُسَطَّحُ الْقَبْرُ) نَدْبًا بِأَنْ يُجْعَلَ مُسْتَوِيًا وَلا يُسَنَّمُ بِأَنْ يُجْعَلَ عَلَى هَيْئَةِ سَنَامِ الإِبِلِ (وَلا يُبْنَى) عَلَيْهِ أَىْ كُرِهَ ذَلِكَ إِنْ دُفِنَ فِى أَرْضِهِ فَإِنْ دُفِنَ فِى مُسَبَّلَةٍ حَرُمَ (وَلا يُجَصَّصُ) أَىْ يُكْرَهُ تَجْصِيصُهُ بِالْجِصِّ وَهُوَ النَّوْرَةُ الْمُسَمَّاةُ بِالْجِيرِ.
(وَلا بَأْسَ بِالْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ) قَبْلَ الْمَوْتِ وَبَعْدَهُ إِلَّا أَنَّ تَرْكَهُ بَعْدَهُ أَوْلَى لَكِنَّهُ جَائِزٌ (مِنْ غَيْرِ نَوْحٍ) أَىْ رَفْعِ صَوْتٍ بِالنَّدْبِ وهو تعداد شمائلِ الميت بنحو واكهفاه وواجبلاه فهو حرامٌ (وَلا شَقِّ ثَوْبٍ) وَفِى بَعْضِ النُّسَخِ جَيْبٍ بَدَلَ ثَوْبٍ وَالْجَيْبُ طَوْقُ الْقَمِيصِ.
(وَيُعَزَّى) نَدْبًا (أَهْلُهُ) أَىْ أَهْلُ الْمَيِّتِ صَغِيرُهُمْ وَكَبِيرُهُمْ ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ إِلَّا الشَّابَّةَ فَلا يُعَزِّيهَا إِلَّا مَحَارِمُهَا، وَالتَّعْزِيَةُ سُنَّةٌ قَبْلَ الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ (إِلَى ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ) بَعْدِ مَوْتِهِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ كَثِيرُونَ أَوْ مِنْ (دَفْنِهِ) عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ إِنْ كَانَ الْمُعَزِّى بِالْكَسْرِ وَالْمُعَزَّى بِالْفَتْحِ حَاضِرِينَ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَائِبًا امْتَدَّتِ التَّعْزِيَةُ إِلَى ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ حُضُورِهِ. وَالتَّعْزِيَةُ لُغَةً التَّسْلِيَةُ لِمَنْ أُصِيبَ بِمَنْ يَعِزُّ عَلَيْهِ، وَشَرْعًا الأَمْرُ بِالصَّبْرِ وَالْحَثُّ عَلَيْهِ بِوَعْدِ الأَجْرِ وَالدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ بِالْمَغْفِرَةِ وَلِلْمُصَابِ بِجَبْرِ الْمُصِيبَةِ.
(وَلا يُدْفَنُ اثْنَانِ) اتَّحَدَا جِنْسًا أَوِ اخْتَلَفَا (فِى قَبْرٍ) وَاحِدٍ أَىْ يَحْرُمُ ذَلِكَ (إِلَّا لِحَاجَةٍ) وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الضَّرُورَةُ كَضِيقِ الأَرْضِ وَكَثْرَةِ الْمَوْتَى.