فَصْلٌ فِى ذِكْرِ مَوْلِدِهِ الشَّرِيفِ
رَوَى أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِىُّ وَغَيْرُهُمَا عَنِ الْعِرْبَاضِ بنِ سَارِيَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «إِنِّى عَبْدُ اللَّهِ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَإِنَّ ءَادَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِى طِينَتِهِ وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ دَعْوَةُ أَبِى إِبْرَاهِيمَ وَبِشَارَةُ عِيسَى بِى وَرُؤْيَا أُمِّى الَّتِى رَأَتْ وَكَذَلِكَ أُمَّهَاتُ النَّبِيِّينَ يَرَيْنَ» وَأَنَّ أُمَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْهُ نُورًا أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ.
قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِىُّ عَقِبَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنِّى عَبْدُ اللَّهِ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَإِنَّ ءَادَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِى طِينَتِهِ» يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ فِى قَضَاءِ اللَّهِ وَتَقْدِيرِهِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ أَبُو الْبَشَرِ وَأَوَّلُ الأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ اهـ.
وَرَوَى أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِىُّ وَالطَّيَالِسِىُّ بِإِسْنَادِهِمْ عَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَ بَدْءُ أَمْرِكَ قَالَ «دَعْوَةُ أَبِى إِبْرَاهِيمَ وَبُشْرَى عِيسَى بنِ مَرْيَمَ وَرَأَتْ أُمِّى أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ».
وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «رَأَتْ أُمِّى حِينَ وَضَعَتْنِى سَطَعَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ بُصْرَى».
وَيُرْوَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ وَضَعَتْهُ ءَامِنَةُ وَقَعَ جَاثِيًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَخَرَجَ مَعَهُ نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ حَتَّى رَأَتْ أُمُّهُ أَعْنَاقَ الإِبِلِ بِبُصْرَى.
أَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ «دَعْوَةُ أَبِى إِبْرَاهِيمَ» فَهُوَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمَّا بَنَى الْبَيْتَ دَعَا رَبَّهُ فَقَالَ ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا ءَامِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ ءَامَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ [سُورَةَ الْبَقَرَة/126] ثُمَّ قَالَ ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [سُورَةَ الْبَقَرَة/129] فَاسْتَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى دُعَاءَهُ فِى نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَهُ الرَّسُولَ الَّذِى سَأَلَهُ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ «وَبُشْرَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ» فَهُوَ أَنَّ سَيِّدَنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ بَشَّرَ قَوْمَهُ بِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَخْبَرَ الْقُرْءَانُ الْكَرِيمُ حِكَايَةً عَنْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِى إِسْرَائِيلَ إِنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَىَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِى مِنْ بَعْدِى اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ [سُورَةَ الصَّف/6].
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ لَيْلَةَ مَوْلِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةٌ شَرِيفَةٌ عَظِيمَةٌ مُبَارَكَةٌ ظَاهِرَةُ الأَنْوَارِ جَلِيلَةُ الْمِقْدَارِ أَبْرَزَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا إِلَى الْوُجُودِ فَوَلَدَتْهُ ءَامِنَةُ فِى هَذِهِ اللَّيْلَةِ الشَّرِيفَةِ مِنْ نِكَاحٍ لا مِنْ سِفَاحٍ [وَالسِّفَاحُ الزِّنَى] فَظَهَرَ لَهُ مِنَ الْفَضْلِ وَالْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ مَا بَهَرَ الْعُقُولَ وَالأَبْصَارَ كَمَا شَهِدَتْ بِذَلِكَ الأَحَادِيثُ وَالأَخْبَارُ.