فَصْلٌ فِى بَيَانِ نُبْذَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ الْكَرِيـمَةِ وَشَمَائِلِهِ الشَّرِيفَةِ وَأَخْلاقِهِ الطَّاهِرَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رَوَى الْبُخَارِىُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنِ الْبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا وَأَحْسَنَهُمْ خُلُقًا لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الذَّاهِبِ وَلا بِالْقَصِيرِ» [مَعْنَاهُ فِى أَقَلِّ دَرَجَاتِ الطُّولِ].
وَرَوَى الْبَيْهَقِىُّ وَالطَّبَرَانِىُّ عَنْ أَبِى عُبَيْدَةَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمَّارِ بنِ يَاسِرٍ قَالَ قُلْتُ لِلرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ صِفِى لِى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ «لَوْ رَأَيْتَهُ لَقُلْتَ الشَّمْسُ طَالِعَةٌ» [الرُّبَيِّعُ الَّتِى أَذِنَ الرَّسُولُ أَنْ يُضْرَبَ بِالدُّفِ فِى عُرْسِهَا وَرَدَ ذَلِكَ فِى صَحِيحِ الْبُخَارِىِّ].
وَرَوَى التِّرْمِذِىُّ وَأَحْمَدُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ «مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِى فِى وَجْهِهِ وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِى مَشْيِهِ مِنْهُ كَأَنَّ الأَرْضَ تُطْوَى لَهُ إِنَّا لَنَجْهَدُ وَإِنَّهُ غَيْرُ مُكْتَرِثٍ».
وَرَوَى الْبُخَارِىُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِىُّ وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ «كَانَ شَعَرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ» وَفِى لَفْظٍ ءَاخَرَ عَنْهُ عِنْدَ الْبُخَارِىِّ وَمُسْلِمٍ «كَانَ شَعَرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ».
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ «مَا شَمَمْتُ شَيْئًا قَطُّ مِسْكًا وَلا عَنْبَرًا أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا مَسَسْتُ شَيْئًا قَطُّ حَرِيرًا وَلا دِيبَاجًا أَلْيَنَ مَسًّا مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
وَقَالَ الْبَرَاءُ بنُ عَازِبٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْبُوعًا بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ أَعْظَمَ النَّاسِ وَأَحْسَنَ النَّاسِ جُمَّتُهُ [أَىْ شَعَرُهُ يَصِلُ] إِلَى أُذُنَيْهِ عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ» أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ فِى صَحِيحِهِ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ [أَىِ الْمُفْرِطِ الطُّولِ] وَلا بِالْقَصِيرِ وَلَيْسَ بِالأَبْيَضِ الأَمْهَقِ [وَالأَمْهَقُ هُوَ الْكَرِيهُ الْبَيَاضِ الَّذِى يَبْتَعِدُ عَنْهُ النَّاسُ] وَلا بِالآدَمِ [وَالأَدَمَةُ فِى النَّاسِ السُّمْرَةُ الشَّدِيدَةُ] وَلا بِالْجَعْدِ الْقَطِطِ [وَالْقَطِطُ الشَّدِيدُ الْجُعُودَةِ] وَلا بِالسَّبِطِ [أَىِ الْمُنْبَسِطِ الْمُسْتَرْسِلِ] بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَتَوَفَّاهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ السِّتِّينَ سَنَةً وَلَيْسَ فِى رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ».
وَرَوَى الْبَيْهَقِىُّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَثِيرًا مَا يُنْشِدُ فِى مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعْتَ عَمِّهِ أَبِى طَالِبٍ إِيَّاهُ فِى لَوْنِهِ حَيْثُ يَقُولُ
وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلأَرَامِلِ
[ثِمَالُ الْيَتَامَى أَىْ مَلْجَأٌ وَغِيَاثٌ وَالْمُطْعِمُ فِى الشِّدَّةِ]
وَيَقُولُ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ هَكَذَا كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ تَمَثَّلْتُ فِى أَبِى
وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ رَبِيعُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلأَرَامِلِ
فَقَالَ أَبِى ذَاكَ رَسُولُ اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [لا يُوجَدُ نَبِىٌّ أَسْوَدُ، مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ لَهُ سُمْرَةٌ خَفِيفَةٌ وَكَذَلِكَ ءَادَمُ].
أَمَّا أَخْلاقُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ دَلَّتْ عَلَيْهَا الآيَةُ الْكَرِيـمَةُ ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [سُورَةَ الْقَلَم/4] وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ عِنْدَمَا سُئِلَتْ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَإِنَّ خُلُقَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْءَان» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِى الصَّحِيحِ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ الزُّبَيْرِ فِى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾ [سُورَةَ الأَعْرَاف/199] قَالَ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْخُذَ الْعَفْوَ مِنْ أَخْلاقِ النَّاسِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِىُّ فِى الصَّحِيحِ وَغَيْرُهُ.
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى» وَزَادَ الْقَطَّانُ فِى رِوَايَتِهِ «فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ بِهَا» أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالْبَيْهَقِىُّ وَغَيْرُهُمْ.
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا عِنْدَمَا سُئِلَتْ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ «لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلا مُفْتَحِشًا وَلا سَخَّابًا فِى الأَسْوَاقِ وَلا يَجْزِى بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ أَوْ قَالَتْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ»، شَكَّ أَبُو دَاوُدَ.
وَعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِى خِدْرِهَا وَكَانَ إِذَا كَرِهَ شَيْئًا عَرَفْنَاهُ فِى وَجْهِهِ» أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ.
وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ قَالَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ «أَفَلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا» أَخْرَجَاهُ فِى الصَّحِيحِ.
وَإِلَى جَانِبِ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْحَمِيدَةِ كَانَ شَدِيدًا فِى أَمْرِ اللَّهِ شُجَاعًا فَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِىِّ بنِ أَبِى طَالِبٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ «لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ اتَّقَيْنَا الْمُشْرِكِينَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ أَشَدَّ النَّاسِ بَأْسًا».
أَمَّا أَخْبَارُ كَرَمِهِ وَسَخَائِهِ فَعَدِيدَةٌ مِنْهَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ «مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الإِسْلامِ شَيْئًا قَطُّ إِلَّا أَعْطَاهُ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ فَأَمَرَ لَهُ بِغَنَمٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ أَسْلِمُوا فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِى عَطَاءَ مَنْ لا يَخَافُ الْفَاقَةَ».
أَمَّا أَخْبَارُ زُهْدِهِ وَتَوَاضُعِهِ وَاخْتِيَارِهِ الدَّارَ الآخِرَةَ فَكَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِىُّ وَالتِّرْمِذِىُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ اضْطَجَعَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَصِيرٍ فَأَثَّرَ الْحَصِيرُ بِجِلْدِهِ فَجَعَلْتُ أَمْسَحُهُ عَنْهُ وَأَقُولُ بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلا أَذِنْتَنَا فَنَبْسِطَ لَكَ شَيْئًا يَقِيكَ مِنْهُ تَنَامُ عَلَيْهِ فَقَالَ «مَا لِى وَلِلدُّنْيَا مَا أَنَا وَالدُّنْيَا إِنَّمَا أَنَا وَالدُّنْيَا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا».
فَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّصِفًا بِصِفَاتٍ حَسَنَةٍ مِنَ الصِّدْقِ وَالأَمَانَةِ وَالصِّلَةِ وَالْعَفَافِ وَالْكَرَمِ وَالشَّجَاعَةِ وَطَاعَةِ اللَّهِ فِى كُلِّ حَالٍ وَأَوَانٍ وَلَحْظَةٍ وَنَفَسٍ مَعَ الْفَصَاحَةِ الْبَاهِرَةِ وَالنُّصْحِ التَّامِّ وَالرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ وَالإِحْسَانِ وَمُوَاسَاةِ الْفُقَرَاءِ وَالأَيْتَامِ وَالأَرَامِلِ وَالضُّعَفَاءِ وَكَانَ أَشَدَّ النَّاسِ تَوَاضُعًا يُحِبُّ الْمَسَاكِينَ وَيَشْهَدُ جَنَائِزَهُمْ وَيَعُودُ مَرْضَاهُمْ هَذَا كُلُّهُ مَعَ حُسْنِ السَّمْتِ [أَىِ الصِّفَةِ] وَالصُّورَةِ وَالنَّسَبِ الْعَظِيمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [سُورَةَ الأَنْعَام/124].