الجمعة أبريل 18, 2025

(مَعَاصِى الْقَلْبِ)

 

     فَصْلٌ فِى بَيَانِ مَعَاصِى الْقَلْبِ.

     (وَمِنْ مَعَاصِى الْقَلْبِ الرِّيَاءُ بِأَعْمَالِ الْبِرِّ أَىِ الْحَسَنَاتِ) كَالصَّلاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْءَانِ وَالْحَجِّ وَالتَّصَدُّقِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ (وَهُوَ الْعَمَلُ) بِالطَّاعَةِ (لِأَجْلِ النَّاسِ أَىْ لِيَمْدَحُوهُ وَيُحْبِطُ) الرِّيَاءُ (ثَوَابَهَا) أَىْ ثَوَابَ الطَّاعَةِ الَّتِى قَارَنَهَا (وَهُوَ مِنَ) الْمَعَاصِى (الْكَبَائِرِ وَ)كَذَلِكَ (الْعُجْبُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَهُوَ شُهُودُ الْعِبَادَةِ صَادِرَةً مِنَ النَّفْسِ غَائِبًا عَنِ الْمِنَّةِ) أَىْ أَنْ يُعْجَبَ الْعَبْدُ بِطَاعَاتِهِ بِحَيْثُ يَرَى تَعْظِيمَ نَفْسِهِ غَافِلًا عَنْ تَذَكُّرِ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِى تَفَضَّلَ عَلَيْهِ بِهَا فَأَقْدَرَهُ عَلَيْهَا وَيُبْطِلُ الْعُجْبُ ثَوَابَ الطَّاعَةِ الَّتِى قَارَنَهَا (وَالشَّكُّ فِى اللَّهِ) أَىْ فِى وُجُودِهِ أَوْ قُدْرَتِهِ أَوْ وَحْدَانِيَّتِهِ وَهُوَ كُفْرٌ (وَالأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ) وَهُوَ أَنْ يَسْتَمِرَّ الشَّخْصُ فِى فِعْلِ الْمَعَاصِى وَيَعْتَمِدَ عَلَى رَحْمَةِ اللَّهِ وَمَعْنَى مَكْرِ اللَّهِ عُقُوبَةُ اللَّهِ (وَ)مِنْ مَعَاصِى الْقَلْبِ (الْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) وَهُوَ أَنْ يَعْتَقِدَ الْعَبْدُ أَنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ لَهُ أَلْبَتَّةَ وَأَنَّهُ لا مَحَالَةَ يُعَذِّبُهُ لِكَثْرَةِ ذُنُوبِهِ وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ فَيَنْبَغِى لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ يَخَافُ عِقَابَ اللَّهِ عَلَى ذُنُوبِهِ وَيَرْجُو رَحْمَةَ اللَّهِ لَكِنْ لا يُؤَخِّرُ التَّوْبَةَ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ فَوْرًا مِنْ جَمِيعِ ذُنُوبِهِ كَبِيرِهَا وَصَغِيرِهَا (وَالتَّكَبُّرُ عَلَى عِبَادِهِ وَهُوَ) مِنَ الْكَبَائِرِ وَالتَّكَبُّرُ نَوْعَانِ (رَدُّ الْحَقِّ عَلَى قَائِلِهِ) لِكَوْنِهِ صَغِيرَ السِّنِّ مَثَلًا مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الصَّوَابَ مَعَهُ فَيَسْتَعْظِمُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْحَقِّ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ (وَاسْتِحْقَارُ النَّاسِ) كَأَنْ يَتَكَبَّرَ عَلَى الْفَقِيرِ وَيَنْظُرَ إِلَيْهِ نَظَرَ احْتِقَارٍ لِكَوْنِهِ أَقَلَّ مِنْهُ مَالًا (وَالْحِقْدُ وَهُوَ إِضْمَارُ الْعَدَاوَةِ) لِلْمُسْلِمِ وَيَكُونُ مَعْصِيَةً (إِذَا عَمِلَ بِمُقْتَضَاهُ وَلَمْ يَكْرَهْهُ) بِأَنْ يَعْزِمَ فِى قَلْبِهِ عَلَى إِيذَائِهِ أَوْ يَقُولَ قَوْلًا يُؤْذِيهِ أَوْ يَفْعَلَ فِعْلًا يُؤْذِيهِ بِغَيْرِ حَقٍّ (وَالْحَسَدُ وَهُوَ كَرَاهِيَةُ النِّعْمَةِ لِلْمُسْلِمِ وَاسْتِثْقَالُهَا) لَهُ وَتَمَنِّى زَوَالِهَا (وَ)يَكُونُ مَعْصِيَةً إِذَا (عَمِلَ بِمُقْتَضَاهُ) أَىْ إِذَا سَعَى لِذَلِكَ بِالْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ وَأَمَّا إِنْ تَمَنَّى لَهُ تَرْكَ وَاجِبٍ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ بِتَمَنِّيهِ وَإِنْ لَمْ يَسْعَ (وَ)مِنْ مَعَاصِى الْقَلْبِ الَّتِى هِىَ مِنَ الْكَبَائِرِ (الْمَنُّ بِالصَّدَقَةِ) وَهُوَ أَنْ يُعَدِّدَ نِعْمَتَهُ عَلَى ءَاخِذِهَا لِيَكْسِرَ قَلْبَهُ (وَيُبْطِلُ) الْمَنُّ (ثَوَابَهَا كَأَنْ يَقُولَ لِمَنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ أَلَمْ أُعْطِكَ كَذَا) مِنَ الْمَالِ (يَوْمَ كَذَا وَكَذَا) حِينَ كُنْتَ مُحْتَاجًا لِيَكْسِرَ قَلْبَهُ (وَالإِصْرَارُ عَلَى الذَّنْبِ) الْمَعْدُودُ مِنَ الْكَبَائِرِ هُوَ أَنْ يَصِيرَ عَدَدُ مَعَاصِيهِ الصَّغِيرَةِ أَكْبَرَ مِنْ عَدَدِ طَاعَاتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا مَضَى مِنْ عُمُرِهِ فَيَصِيرُ بِذَلِكَ وَاقِعًا فِى ذَنْبٍ كَبِيرٍ لِذَلِكَ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِى اجْتِنَابِ الْمَعَاصِى وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً (وَسُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ) وَهُوَ أَنْ يَظُنَّ الْعَبْدُ بِرَبِّهِ أَنَّهُ لا يَرْحَمُهُ بَلْ يُعَذِّبُهُ (وَ)سُوءُ الظَّنِّ (بِعِبَادِ اللَّهِ) وَهُوَ أَنْ يَظُنَّ بِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ السُّوءَ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ مُعْتَبَرَةٍ كَأَنْ يُسْرَقَ لَهُ مَالٌ فَيَظُنَّ بِفُلانٍ أَنَّهُ السَّارِقُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ (وَالتَّكْذِيبُ بِالْقَدَرِ) وَهُوَ كُفْرٌ أَىْ أَنْ يَعْتَقِدَ الْعَبْدُ أَنَّ شَيْئًا مِنَ الأَشْيَاءِ يَحْصُلُ بِغَيْرِ تَقْدِيرِ اللَّهِ (وَالْفَرَحُ بِالْمَعْصِيَةِ) الصَّادِرَةِ (مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ) وَلَوْ لَمْ يَشْهَدْهَا وَالْفَرَحُ بِالْمَعْصِيَةِ الْكَبِيرَةِ مَعْصِيَةٌ كَبِيرَةٌ وَأَمَّا الْفَرَحُ بِكُفْرِ الْغَيْرِ فَهُوَ كُفْرٌ (وَالْغَدْرُ وَلَوْ بِكَافِرٍ كَأَنْ يُؤَمِّنَهُ) فَيَقُولَ لَهُ أَنْتَ فِى حِمَايَتِى (ثُمَّ يَقْتُلَهُ) أَوْ يَدُلَّ عَلَيْهِ مَنْ يَقْتُلُهُ (وَالْمَكْرُ) وَهُوَ إِيقَاعُ الضَّرَرِ بِالْمُسْلِمِ بِطَرِيقَةٍ خَفِيَّةٍ وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ (وَبُغْضُ الصَّحَابَةِ) أَىْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَىْ كَرَاهِيَتُهُمْ وَبُغْضُهُمْ جُمْلَةً كُفْرٌ (وَ)بُغْضُ (الآلِ) أَىْ أَزْوَاجِ النَّبِىِّ ﷺ وَأَقْرِبَائِهِ الْمُؤْمِنِينَ (وَ)بُغْضُ (الصَّالِحِينَ) وَهُمُ الأَتْقِيَاءُ وَبُغْضُهُمْ جُمْلَةً كُفْرٌ (وَالْبُخْلُ بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ) وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ كَالِامْتِنَاعِ عَنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ (وَالشُّحُّ) وَهُوَ الْبُخْلُ الشَّدِيدُ كَالِامْتِنَاعِ عَنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَالأَوْلادِ (وَالْحِرْصُ) وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الشُّحِّ لِأَنَّ الْحِرْصَ هُوَ شِدَّةُ تَعَلُّقِ النَّفْسِ لِاحْتِوَاءِ الْمَالِ وَجَمْعِهِ عَلَى الْوَجِهِ الْمَذْمُومِ كَمَنْ يُرِيدُ التَّوَصُّلَ بِهِ إِلَى التَّرَفُّعِ عَلَى النَّاسِ وَالتَّفَاخُرِ (وَ)مِنْ مَعَاصِى الْقَلْبِ الَّتِى هِىَ كُفْرٌ (الِاسْتِهَانَةُ) أَىْ قِلَّةُ الْمُبَالاةِ (بِمَا عَظَّمَ اللَّهُ) كَمَنْ يَحْتَقِرُ الْمَسَاجِدَ (وَالتَّصْغِيرُ) أَىِ التَّحْقِيرُ (لِمَا عَظَّمَ اللَّهُ مِنْ طَاعَةٍ) كَالَّذِى يَقُولُ لَيْسَ الشَّأْنُ بِالصَّلاةِ إِنَّمَا الشَّأْنُ فِى حُسْنِ الْمُعَامَلَةِ مَعَ النَّاسِ (أَوْ) تَصْغِيرُ (مَعْصِيَةٍ) أَىِ الِاسْتِهَانَةُ بِهَا مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهَا مَعْصِيَةٌ لِأَنَّهُ لا يَرَى مَا تَوَعَّدَ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ مِنَ الْعِقَابِ فِى الآخِرَةِ شَيْئًا شَدِيدًا كَقَوْلِ جَمَاعَةِ أَمِين شَيْخُو جَهَنَّمُ مُسْتَشْفًى أَىْ مَحَلُّ طِبَابَةٍ وَلَيْسَ مَحَلَّ عِقَابٍ (أَوْ) تَصْغِيرُ مَا عَظَّمَ اللَّهُ مِنْ (قُرْءَانٍ) كَالِاسْتِخْفَافِ بِشَىْءٍ مِنْهُ (أَوِ عِلْمِ) دِينٍ كَقَوْلِ سَيِّد قُطُب بِأَنَّ تَعَلُّمَ الْفِقْهِ مَضْيَعَةٌ لِلْعُمُرِ وَالأَجْرِ (أَوْ جَنَّةٍ) أَىِ احْتِقَارِ الْجَنَّةِ الَّتِى عَظَّمَهَا اللَّهُ كَمَنْ يَقُولُ الْجَنَّةُ لُعْبَةُ الصِّبْيَانِ (أَوْ عَذَابِ نَارٍ) كَمَنْ يَرَى عَذَابَ جَهَنَّمَ هَيِّنًا.