(الْوَاجِبَاتُ الْقَلْبِيَّةُ)
فَصْلٌ فِى بَيَانِ الْوَاجِبَاتِ الْقَلْبِيَّةِ وَهِىَ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ.
(مِنَ الْوَاجِبَاتِ الْقَلْبِيَّةِ الإِيمَانُ بِاللَّهِ) أَىِ اعْتِقَادُ أَنَّ اللَّهَ مَوْجُودٌ لا كَالْمَوْجُودَاتِ مَوْجُودٌ بِلا كَيْفٍ وَلا مَكَانٍ وَلا جِهَةٍ وَوُجُودُهُ لَيْسَ بِإِيجَادِ مُوجِدٍ وَأَنَّهُ أَزَلِىٌّ لا ابْتِدَاءَ لِوُجُودِهِ وَأَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ (وَ)الإِيمَانُ (بِمَا جَاءَ عَنِ اللَّهِ) فِى الْقُرْءَانِ مِنَ الأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِى وَالأَخْبَارِ (وَالإِيمَانُ بِرَسُولِ اللَّهِ) مُحَمَّدٍ ﷺ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا وَأَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ لِيَدْعُوَ النَّاسَ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ وَأَنْ لا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا (وَ)الإِيمَانُ (بِمَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ) مِنَ الأَحْكَامِ وَالأَخْبَارِ. وَالإِيمَانُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﷺ هُوَ أَصْلُ الْوَاجِبَاتِ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَوْلا أَنَّهُ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ لَمَا صَلَّى وَصَامَ وَحَجَّ وَزَكَّى وَلَمَا صَحَّتْ مِنْهُ هَذِهِ الْعِبَادَاتُ (وَالإِخْلاصُ وَهُوَ الْعَمَلُ بِالطَّاعَةِ لِلَّهِ وَحْدَهُ) أَىْ أَنْ لا يَقْصِدَ بِعَمَلِ الطَّاعَةِ مَحْمَدَةَ النَّاسِ لَهُ وَالنَّظَرَ إِلَيْهِ بِعَيْنِ الِاحْتِرَامِ وَالتَّعْظِيمِ (وَالنَّدَمُ عَلَى الْمَعَاصِى) وَهُوَ اسْتِشْعَارُ الْحُزْنِ بِالْقَلْبِ عَلَى مَا حَصَلَ مِنْهُ مِنَ الذَّنْبِ (وَالتَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ) أَىِ الِاعْتِمَادُ الْحَقِيقِىُّ عَلَى اللَّهِ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ خَالِقُ الْمَنَافِعِ وَالْمَضَارِّ وَسَائِرِ مَا يَدْخُلُ فِى الْوُجُودِ فَلا ضَارَّ وَلا نَافِعَ عَلَى الْحَقِيقَةِ إِلَّا اللَّهُ (وَالْمُرَاقَبَةُ لِلَّهِ) وَهِىَ اسْتِدَامَةُ الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ بِالْقَلْبِ بِحَيْثُ يَحْمِلُهُ عَلَى أَدَاءِ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ وَاجْتِنَابِ مَا حَرَّمَهُ (وَالرِّضَا عَنِ اللَّهِ بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ لَهُ وَتَرْكِ الِاعْتِرَاضِ) عَلَيْهِ فِى شَىْءٍ مِمَّا قَدَّرَهُ وَقَضَاهُ أَمَّا مَا قَدَّرَهُ اللَّهُ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَكْرَهُهُ اللَّهُ كَالْكُفْرِ وَالْمَعَاصِى فَيَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَكْرَهَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكْرَهَ تَقْدِيرَ اللَّهِ وَقَضَاءَهُ لِذَلِكَ الْمَقْدُورِ (وَتَعْظِيمُ شَعَائِرِ اللَّهِ) أَىْ عَدَمُ الِاسْتِهَانَةِ بِهَا وَهِىَ مَعَالِمُ دِينِهِ أَىْ مَا كَانَ مَشْهُورًا مِنْ أُمُورِ الدِّينِ كَالصَّلاةِ وَالْحَجِّ وَالأَذَانِ وَالْمَسَاجِدِ (وَالشُّكْرُ عَلَى نِعَمِ اللَّهِ بِمَعْنَى عَدَمِ اسْتِعْمَالِهَا فِى مَعْصِيَةٍ) وَهَذَا هُوَ الشُّكْرُ الْوَاجِبُ وَأَمَّا الشُّكْرُ الْمَنْدُوبُ فَهُوَ الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى اللَّهِ عَلَى نِعَمِهِ (وَالصَّبْرُ) وَهُوَ قَهْرُ النَّفْسِ عَلَى فِعْلِ شَىْءٍ تَنْفِرُ مِنْهُ أَوْ عَلَى تَحَمُّلِ مُفَارَقَةِ شَىْءٍ لَذِيذٍ تَمِيلُ إِلَيْهِ فَالصَّبْرُ الْوَاجِبُ هُوَ الصَّبْرُ (عَلَى أَدَاءِ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ) مِنَ الطَّاعَاتِ (وَالصَّبْرُ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى) أَىْ كَفُّ النَّفْسِ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ (وَالصَّبْرُ عَلَى مَا ابْتَلاكَ اللَّهُ بِهِ) مِنَ الْمَصَائِبِ وَالْبَلايَا بِمَعْنَى عَدَمِ الِاعْتِرَاضِ عَلَى اللَّهِ أَوِ الدُّخُولِ فِيمَا حَرَّمَهُ بِسَبَبِ الْمُصِيبَةِ (وَبُغْضُ الشَّيْطَانِ) أَىْ كَرَاهِيَتُهُ وَهُوَ الْكَافِرُ مِنَ الْجِنِّ وَقَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ إِبْلِيسُ (وَبُغْضُ الْمَعَاصِى) أَىْ كَرَاهِيَتُهَا لِأَنَّ اللَّهَ يَكْرَهُهَا وَحَرَّمَ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ فِعْلَهَا (وَمَحَبَّةُ اللَّهِ) بِتَعْظِيمِهِ وَالتَّذَلُّلِ لَهُ غَايَةَ التَّذَلُّلِ (وَمَحَبَّةُ كَلامِهِ) أَىِ الْقُرْءَانِ بِتَعْظِيمِهِ وَالإِيمَانِ بِهِ (وَ)مَحَبَّةُ (رَسُولِهِ) مُحَمَّدٍ وَسَائِرِ إِخْوَانِهِ الأَنْبِيَاءِ (وَ)مَحَبَّةُ (الصَّحَابَةِ) مِنْ حَيْثُ الإِجْمَالُ أَىْ تَعْظِيمُهُمْ لِأَنَّهُمْ أَنْصَارُ دِينِ اللَّهِ (وَ)مَحَبَّةُ (الآلِ) وَهُمْ أَزْوَاجُهُ ﷺ وَأَقْرِبَاؤُهُ الْمُؤْمِنُونَ لِمَا خُصُّوا بِهِ مِنَ الْفَضْلِ (وَ)مَحَبَّةُ (الصَّالِحِينَ) لِأَنَّهُمْ أَحْبَابُ اللَّهِ تَعَالَى.
الإشعارات