الخميس نوفمبر 21, 2024

فَصْلٌ فِى الْغُسْلِ

   الْغُسْلُ شَرْعًا سَيَلانُ الْمَاءِ عَلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ بِنِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ.

   وَالَّذِى يُوجِبُهُ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ وَهَذِهِ الأَشْيَاءُ إِنَّمَا تُوجِبُ الْغُسْلَ مَعَ إِرَادَةِ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلاةِ وَنَحْوِهَا أَمَّا مُجَرَّدُ حُصُولِ أَحَدِهَا فَلا يُوجِبُ الْغُسْلَ عَلَى الْفَوْرِيَّةِ فَلَوْ أَجْنَبَ الشَّخْصُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَلا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَغْتَسِلَ فَوْرًا بَلْ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ أَنْ يَذْهَبَ لِقَضَاءِ حَاجَاتِهِ ثُمَّ يَرْجِعَ وَقَدْ بَقِىَ مِنَ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ الطَّهَارَةَ وَالصَّلاةَ فَيَغْتَسِلَ وَيُصَلِّىَ الْفَرْضَ فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِىُّ فِى صَحِيحِهِ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ أَكَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْقُدُ أَىْ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ قَالَتْ «نَعَمْ وَيَتَوَضَأُ».

   وَأَمَّا مَا شَاعَ عِنْدَ بَعْضِ الْعَوَامِّ مِنْ أَنَّ الْجُنُبَ إِذَا خَرَجَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ تَلْعَنُهُ كُلُّ شَعْرَةٍ مِنْ جِسْمِهِ فَهُوَ كَذِبٌ وَهُوَ خِلافُ الدِّينِ.

   وَرَوَى الْبُخَارِىُّ فِى صَحِيحِهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ لَقِيَنِى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا جُنُبٌ فَأَخَذَ بِيَدِى فَمَشَيْتُ مَعَهُ حَتَّى قَعَدَ فَانْسَلَلْتُ فَأَتَيْتُ الرَّحْلَ أَىِ الْمَأْوَى الَّذِى يَأْوِى إِلَيْهِ أَبُو هُرَيْرَةَ فَاغْتَسَلْتُ ثُمَّ جِئْتُ أَىْ رَجَعَ إِلَى الرَّسُولِ وَهُوَ قَاعِدٌ فَقَالَ «أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هِرٍّ» فَقُلْتُ لَهُ أَىْ أَنَّهُ كَانَ جُنُبًا فَتَرَكَهُ لِذَلِكَ فَقَالَ «سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أَبَا هِرٍّ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لا يَنْجُسُ» فَتَبَيَّنَ مِنْ ذَلِكَ فَسَادُ كَلامِهِمْ.

  • الأَوَّلُ خُرُوجُ الْمَنِىِّ وَلَهُ عَلامَاتٌ يُعْرَفُ بِهَا مِنْهَا اللَّذَّةُ بِخُرُوجِهِ وَرِيحُ الْعَجِينِ إِنْ كَانَ رَطْبًا وَرِيحُ بَيَاضِ الْبَيْضِ إِنْ كَانَ جَافًّا والتَّدَفُّقُ أَىِ خُرُوجُهُ بِدَفَعَاتٍ شَيْئًا فَشَيْئًا بِقُوَّةٍ.
  • وَالثَّانِى الْجِمَاعُ وَلَوْ لَمْ يُنْزِلِ الْمَنِىَّ وَهُوَ إِيلاجُ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ فَاقِدِهَا فِى فَرْجٍ.
  • وَالثَّالِثُ الْحَيْضُ وَهُوَ دَمٌ يَخْرُجُ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ عَلَى سَبِيلِ الصِّحَّةِ مِنْ غَيْرِ سَبَبِ الْوِلادَةِ.
  • وَالرَّابِعُ النِّفَاسُ وَهُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ بَعْدَ فَرَاغِ رَحِمِ الْمَرْأَةِ مِنَ الْحَمْلِ.
  • وَالْخَامِسُ الْوِلادَةُ لِأَنَّ الْوَلَدَ أَصْلُهُ مَنِىٌّ مُنْعَقِدٌ.

   وَفَرَائِضُ الْغُسْلِ اثْنَانِ

  • الأَوَّلُ النِّيَّةُ وَذَلِكَ لِأَنَّ النِّيَّةَ تُمَيِّزُ الْعَادَاتِ مِنَ الْعِبَادَاتِ وَمَحَلُّهَا الْقَلْبُ وَتَكُونُ عِنْدَ إِصَابَةِ الْمَاءِ لِأَوَّلِ جُزْءٍ مَغْسُولٍ مِنَ الْبَدَنِ فَيَنْوِى الْمُغْتَسِلُ رَفْعَ الْحَدَثِ الأَكْبَرِ أَوْ يَنْوِى فَرْضَ الْغُسْلِ أَوْ يَنْوِى الْغُسْلَ الْوَاجِبَ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ ذَلِكَ كَاسْتِبَاحَةِ الصَّلاةِ أَوِ الطَّوَافِ فَلَوْ نَوَى بَعْدَ غَسْلِ جُزْءٍ مِنْ جِسْمِهِ وَجَبَ إِعَادَةُ غَسْلِ ذَلِكَ الْجُزْءِ.

   تَنْبِيهٌ لا يَجُوزُ لِمَنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ مُحْدِثًا حَدَثًا أَكْبَرَ أَنْ يَغْتَسِلَ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ الأَكْبَرِ.

  • وَالثَّانِى تَعْمِيمُ جَمِيعِ الْبَدَنِ أَىْ ظَاهِرِهِ بَشَرًا وَشَعَرًا بِالْمَاءِ الْمُطَهِّرِ.

   وَمِنْ سُنَنِهِ

  • التَّسْمِيَةُ وَهِىَ قَوْلُ بِسْمِ اللَّهِ وَمَحَلُّهَا أَوَّلُ الْغُسْلِ وَيُكْرَهُ تَرْكُهَا.
  • وَالْوُضُوءُ الْكَامِلُ قَبْلَ الْغُسْلِ وَلَوْ تُرِكَ لَمْ يُكْرَه.
  • وَالدَّلْكُ أَىْ إِمْرَارُ الْيَدِ عَلَى الْجَسَدِ.
  • وَالْمُوَالاةُ وَهِىَ أَنْ يَغْسِلَ الْعُضْوَ قَبْلَ جَفَافِ الَّذِى قَبْلَهُ.
  • وَتَقْدِيمُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى

   فَيَغْسِلُ رَأْسَهُ بَعْدَ أَنْ يُخَلِّلَ شَعْرَهُ ثَلاثًا بِيَدِهِ الْمَبْلُولَةِ ثُمَّ يَغْسِلُ شِقَّهُ الأَيْمَنَ مَا أَقْبَلَ مِنْهُ ثُمَّ مَا أَدْبَرَ ثُمَّ يَغْسِلُ شِقَّهُ الأَيْسَرَ مَا أَقْبَلَ مِنْهُ ثُمَّ مَا أَدْبَرَ وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ كُلُّ ذَلِكَ ثَلاثًا.

  • وَيُسَنُّ التَّقْلِيلُ مِنَ الْمَاءِ وَيُكْرَهُ الإِسْرَافُ فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ بِصَاعٍ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ وَاغْتَسَلَ بِخَمْسَةِ مَكَاكِيكَ وَالْمَكُّوكُ سِتَّةُ أَمْدَادٍ فَعَنْ أَنَسٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ بِمَكُّوكٍ وَاغْتَسَلَ بِخَمْسَةِ مَكَاكِيكَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

   قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مَنِ اغْتَسَلَ عَارِيًا سُنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ نَزْعِ ثِيَابِهِ «بِسْمِ اللَّهِ الَّذِى لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ» لِأَنَّهُ سِتْرٌ عَنْ أَعْيُنِ الْجِنِّ.