فَصْلٌ فِى الِاسْتِنْجَاءِ
يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْ كُلِّ رَطْبٍ خَارِجٍ مِنَ السَّبِيلَيْنِ إِلَّا الْمَنِىّ سَوَاءٌ كَانَ مُعْتَادًا كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ أَوْ غَيْرَ مُعْتَادٍ كَالْمَذْىِ وَالْوَدْىِ، فَلَوْ خَرَجَ الْغَائِطُ يَابِسًا فَلَمْ يُلَوِّثِ الْمَخْرَجَ فَلا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْهُ. وَأَمَّا الْبَوْلُ فَالتَّحَرُّزُ مِنْهُ أَمْرُهُ مُهِمٌّ وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّلَوُّثَ بِهِ أَكْثَرُ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِعَذَابِ الْقَبْرِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اسْتَنْزِهُوا مِنَ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِىُّ.
وَالِاسْتِنْزَاهُ مِنَ الْبَوْلِ هُوَ تَجَنُّبُ التَّلَوُّثِ بِهِ وَالتَّلَوُّثُ بِالْبَوْلِ مِنَ الْكَبَائِرِ.
وَيُسَنُّ الِاسْتِبْرَاءُ وَهُوَ إِخْرَاجُ بَقِيَّةِ الْبَوْلِ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ بِحَيْثُ لا يُخْشَى نُزُولُهُ بِتَنَحْنُحٍ وَنَحْوِهِ [فَإِنْ كَانَ يُخْشَى النُّزُولُ صَارَ وَاجِبًا].
وَالِاسْتِنْجَاءُ يَكُونُ بِالْمَاءِ الطَّهُورِ أَىِ الطَّاهِرِ الْمُطَهِّرِ أَوْ بِالأَحْجَارِ إِمَّا بِثَلاثَةِ أَحْجَارٍ وَإِمَّا بِحَجَرٍ وَاحِدٍ لَهُ ثَلاثَةُ أَطْرَافٍ وَفِى حُكْمِ الْحَجَرِ كُلُّ قَالِعٍ طَاهِرٍ جَامِدٍ غَيْرِ مُحْتَرَمٍ كَمِنْدِيلٍ مِنْ وَرَقٍ مَثَلًا وَالْقَالِعُ هُوَ الَّذِى يَقْلَعُ النَّجَاسَةَ فَلا يَصْلُحُ الزُّجَاجُ، وَالْمُحْتَرَمُ كَأَوْرَاقِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْخُبْزِ فَلا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ. وَلا بُدَّ أَنْ يَمْسَحَ ثَلاثَ مَسَحَاتٍ فَأَكْثَرَ إِلَى أَنْ يَنْقَى الْمَحَلُّ فَإِنْ لَمْ يَنْقَ بِثَلاثٍ زَادَ رَابِعَةً فَإِنْ أَنْقَى بِهَا زَادَ خَامِسَةً نَدْبًا لِيَكُونَ الْعَدَدُ وِتْرًا.
وَالأَفْضَلُ فِى الِاسْتِنْجَاءِ أَنْ يَسْتَنْجِىَ بِالأَحْجَارِ أَوَّلًا ثُمَّ يُتْبِعُهَا بِالْمَاءِ وَيَجُوزُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْمَاءِ أَوْ عَلَى الأَحْجَارِ وَلَكِنِ الْمَاءُ أَفْضَلُ. وَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ أَنَّهُمْ يَضَعُونَ الْمَاءَ فِى كَفِّ يَدِهِمْ ثُمَّ يَدْلُكُونَ بِهَا مَحَلَّ خُرُوجِ النَّجَاسَةِ فَهَذَا قَبِيحٌ لا يَصْلُحُ لِلِاسْتِنْجَاءِ.
وَمَنْ أَرَادَ الِاسْتِنْجَاءَ مِنَ الْغَائِطِ بِالْمَاءِ يَسْكُبُ الْمَاءَ مَعَ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى مَخْرَجِ الْغَائِطِ وَيَدْلُكُ حَتَّى يَذْهَبَ الْخَارِجُ عَيْنُهُ وَأَثَرُهُ.
وَيَحْرُمُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارُهَا بِبَوْلٍ أَوْ بِغَائِطٍ إِلَّا إِذَا كَانَ أَمَامَهُ شَىْءٌ مُرْتَفِعٌ ثُلُثَىْ ذِرَاعٍ فَأَكْثَرَ وَلا يَبْعُدُ عَنْهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاثَةِ أَذْرُعٍ وَهَذَا فِى الْبَرِّيَّةِ مَثَلًا أَمَّا فِى الْمَكَانِ الْمُعَدِّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَلَيْسَ حَرَامًا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارُهَا عِنْدَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ بِدُونِ كَرَاهَةٍ.
وَيُكْرَهُ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ الْمُثْمِرَةِ وَلَوْ فِى غَيْرِ وَقْتِ الثَّمَرِ لِئَلَّا تَقَعَ الثِّمَارُ عَلَى النَّجَاسَةِ فَتَتَنَجَّسَ فَتَعَافَهَا الأَنْفُسُ أَمَّا إِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ فَحَرَامٌ إِلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهَا.
وَيُكْرَهُ الْبَوْلُ فِى الطَّرِيقِ وَالظِّلِّ لِأَنَّهُ يُسَبِّبُ اللَّعْنَةَ لِفَاعِلِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ» قَالُوا وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «الَّذِى يَتَخَلَّى فِى طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِى ظِلِّهِمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَمَوَاضِعُ الشَّمْسِ فِى الشِّتَاءِ كَمَوَاضِعِ الظِّلِّ فِى الصَّيْفِ.
وَيَتَجَنَّبُ الْبَوْلَ وَالْغَائِطَ فِى الثُّقْبِ وَهُوَ الشَّقُّ الْمُسْتَدِيرُ النَّازِلُ فِى الأَرْضِ إِنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَأْوَى الْهَوَامِّ أَوْ مَأْوَى الْجِنِّ.
وَلا يَتَكَلَّمُ عِنْدَ خُرُوجِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ.
وَيَحْرُمُ الْبَوْلُ فِى الْمَسْجِدِ وَلَوْ فِى إِنَاءٍ [فِى غَيْرِ الْمَكَانِ الْمُهَىَّءِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ].
وَلا يُدْخِلُ مَعَهُ إِلَى بَيْتِ الْخَلاءِ مَا كُتِبَ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ أَوْ ذِكْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَيُسَنُّ لِلدَّاخِلِ أَنْ يَسْتَعِيذَ بِاللَّهِ فَيَقُولَ «بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ» أَىْ مِنْ ذُكُورِ الشَّيَاطِينِ وَإِنَاثِهِمْ.
وَيُسَنُّ أَنْ يَدْخُلَ بِرِجْلِهِ الْيُسْرَى وَيَخْرُجَ بِرِجْلِهِ الْيُمْنَى بِعَكْسِ الْمَسْجِدِ وَيَقُولَ بَعْدَ خُرُوجِهِ «غُفْرَانَكَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَذْهَبَ عَنِّىَ الأَذَى وَعَافَانِى».