فَصْلٌ فِى الِاسْتِنْجَاءِ وَءَادَابِ قَاضِى الْحَاجَةِ.
(وَالِاسْتِنْجَاءُ) وَهُوَ مَنْ قَوْلِكَ نَجَوْتُ الشَّىْءَ إِذَا قَطَعْتَهُ فَكَأَنَّ الْمُسْتَنْجِىَ يَقْطَعُ بِهِ الأَذَى عَنْ نَفْسِهِ (وَاجِبٌ مِنْ) خُرُوجِ (الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ) وَنَحْوِهِمَا مِنْ كُلِّ مُلَوِّثٍ خَارِجٍ مِنَ الْفَرْجِ بِالْمَاءِ أَوِ الْحَجَرِ وَمَا فِى مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ جَامِدٍ طَاهِرٍ قَالِعٍ غَيْرِ مُحْتَرَمٍ (وَالأَفْضَلُ أَنْ يَسْتَنْجِىَ) أَوَّلًا (بِالأَحْجَارِ ثُمَّ يُتْبِعَهَا) ثَانِيًا (بِالْمَاءِ وَيَجُوزُ أَنْ يَقْتَصِرَ) الْمُسْتَنْجِى (عَلَى الْمَاءِ أَوْ عَلَى ثَلاثَةِ أَحْجَارٍ) فَإِنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْمَسْحِ فَالْوَاجِبُ ثَلاثُ مَسَحَاتٍ وَلَوْ بِثَلاثَةِ أَطْرَافِ حَجَرٍ وَاحِدٍ (يُنْقِى بِهَا الْمَحَلَّ) إِنْ كَفَتْ لِلإِنْقَاءِ بِهَا وَإِلَّا زَادَ عَلَيْهَا حَتَّى يَنْقَى فَإِنْ أَنْقَى بِوِتْرٍ فَذَاكَ وَإِلَّا سُنَّ زِيَادَةُ وَاحِدَةٍ تَحْصِيلًا لِلإِيتَارِ الْمَسْنُونِ (فَإِذَا أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَالْمَاءُ أَفْضَلُ) لِأَنَّهُ يُزِيلُ عَيْنَ النَّجَاسَةِ وَأَثَرَهَا.
وَشَرْطُ إِجْزَاءِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ أَنْ لا يَجِفَّ الْخَارِجُ النَّجِسُ وَلا يَنْتَقِلَ عَنِ الْمَحَلِّ الَّذِى وَصَلَ إِلَيْهِ فإن انتقل متصلًا تعيَّـنَ الـماءُ في الكُلِّ وإن انتقلَ منفصلًا تعيَّـنَ الـماءُ في الزائدِ عن القدرِ الأصليِّ الذي استقرَّ فيه فقط وَاسْتَقَرَّ فِيهِ وَلا يَطْرَأَ عَلَيْهِ أَجْنَبِىٌّ نَجِسٌ أَوْ طَاهِرٌ رَطْبٌ كَبَلَلِ الْحَجَرِ وَأَلَّا يُجَاوِزَ الْغَائِطُ الصَّفْحَتَيْنِ وَأَلَّا يُجَاوِزَ الْبَوْلُ الْحَشَفَةَ فِى الذِّكْرِ أَوْ يَصِلَ إِلَى مَدْخَلِ الذَّكَرِ فِى الأُنْثَى فَإِنِ انْتَفَى شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ تَعَيَّنَ الْمَاءُ فَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى الْحَجَرِ مَعَ ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ.
(وَيَجْتَنِبُ) وُجُوبًا قَاضِى الْحَاجَةِ (اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ) الآنَ وَهِىَ الْكَعْبَةُ (وَاسْتِدْبَارَهَا فِى الصَّحْرَاءِ) أَىِ الْفَضَاءِ إِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ سَاتِرٌ أَوْ كَانَ وَلَمْ يَبْلُغْ ثُلُثَىْ ذِرَاعٍ أَوْ بَلَغَهُمَا وَبَعُدَ عَنْهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاثَةِ أَذْرُعٍ بِذِرَاعِ الآدَمِىِّ وَكَانَ عَرْضُهُ بِقَدْرِ الْفَرْجِ قال شيخـنا الهرريُّ رحمه الله هو توسُّطٌ بيـن مَن قال كابنِ حـجرٍ الـمَكِّيِّ لا يُشترَطُ لهُ عَرْضٌ وبيـن مَن قال كالشمسِ الرملِيِّ يُشْتـرَطُ أن يكونَ عرضُهُ بـحيثُ يستُـرُ العورةَ جـميعها سواء كان قائِـماً أم قاعدًا. وما مالَ إليهِ شيـخنا رحمه الله يَقتضيهِ قولُ النوويِّ في الـمجموعِ وَلَـو أرخـى ذَيْلَهُ في قُبَالةِ القِبْلَةِ فَهَل يـحصُلُ به السَّتْـرُ فيهِ وَجْـهانِ حَكاهُـمَا إمامُ الـحَرَمَيْـنِ وَغَيـرُهُ أحَدُهُـما لا يَـحْصُلُ لأنَّهُ لا يُعَدُّ ساترًا وأصـحُّهُما يَـحْصُلُ لأنَّ الـمقصودَ أَن لا يَسْتَقْبِلَ وَلا يَستدبِرَ بِسَوءَتِهِ وهذا الـمقصُودُ يَـحْصُلُ بالذَّيْلِ عَلَى الأَقَلِّ وَالْبُنْيَانُ فِى هَذَا كَالصَّحْرَاءِ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ إِلَّا الْبِنَاءَ الْمُعَدَّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَلا حُرْمَةَ فِيهِ وَلا كَرَاهَةَ مُطْلَقًا وُجِدَ سَاتِرٌ أَوْ لا. وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا الآنَ مَا كَانَ قِبْلَةً أَوَّلًا كَبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَاسْتِقْبَالُهُ وَاسْتِدْبَارُهُ مَكْرُوهٌ لا حَرَامٌ.
(وَ)يَجْتَنِبُ أَدَبًا قَاضِى الْحَاجَةِ (الْبَوْلَ) وَالْغَائِطَ (فِى الْمَاءِ الرَّاكِدِ) قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ أَمَّا الْجَارِى فَيُكْرَهُ فِى الْقَلِيلِ مِنْهُ دُونَ الْكَثِيرِ لَكِنِ الأَوْلَى اجْتِنَابُهُ. نَعَمْ هُوَ فِى اللَّيْلِ مَكْرُوهٌ فِى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ لِأَنَّهُ مَأْوَى الْجِنِّ. وَبَحَثَ النَّوَوِىُّ تَحْرِيمَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ فِى الْقَلِيلِ جَارِيًا أَوْ رَاكِدًا وَضَعَّفُوهُ لِمُخَالَفَتِهِ نَصَّ الشَّافِعِىِّ (وَ)يَجْتَنِبُ أَيْضًا الْبَوْلَ وَالْغَائِطَ (تَحْتَ الشَّجَرَةِ الْمُثْمِرَةِ) وَقْتَ الثَّمَرَةِ وَغَيْرَهُ. (وَ)يَجْتَنِبُ مَا ذُكِرَ (فِى الطَّرِيقِ) الْمَسْلُوكِ لِلنَّاسِ (وَ)فِى مَوْضِعِ (الظِّلِّ) صَيْفًا وَفِى مَوْضِعِ الشَّمْسِ شِتَاءً (وَ)فِى (الثَّقْبِ) فِى الأَرْضِ وَهُوَ النَّازِلُ الْمُسْتَدِيرُ وَغَيْرُ الْمُسْتَدِيرِ مِثْلُهُ. وَلَفْظُ الثَّقْبِ سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ.
(وَلا يَتَكَلَّمُ) قَاضِى الْحَاجَةِ أَدَبًا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ (عَلَى الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ) أَىْ حَالَ خُرُوجِهِمَا فَإِنْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ إِلَى الْكَلامِ كَمَنْ رَأَى حَيَّةً تَقْصِدُ إِنْسَانًا لَمْ يُكْرَهِ الْكَلامُ حِينَئِذٍ (وَلا يَسْتَقْبِلُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَلا يَسْتَدْبِرُهُمَا) أَىْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ حَالَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ لَكِنَّ النَّوَوِىَّ فِى عِدَّةٍ مِنْ كُتُبِهِ يَنْفِى أَنْ يَكُونَ لِكَرَاهَةِ الأَمْرَيْنِ أَصْلٌ بَلْ ذِكْرُ عَدَمِ اسْتِقْبَالِهِمَا سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ.