فَصْلٌ فِى التَّيَمُّمِ
التَّيَمُّمُ شَرْعًا إِيصَالُ التُّرَابِ إِلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بِنِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ وَبِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ وَهُوَ خَاصٌّ بِأُمَّةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُشْرَعُ لِغَيْرِهَا قَالَ تَعَالَى ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [سُورَةَ النِّسَاء/43].
وَالتَّيَمُّمُ يَكُونُ فِى حَالٍ مُبَاحًا أَىْ جَائِزًا لا وَاجِبًا وَفِى حَالٍ وَاجِبًا فَيَكُونُ مُبَاحًا إِذَا فَقَدَ الْمَاءَ وَلَمْ يَجِدْهُ إِلَّا وَهُوَ يُبَاعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ وَلَهُ أَنْ لا يَشْتَرِيَهُ وَيَتَيَمَّمَ.
وَأَمَّا الْحَالُ الَّتِى يَكُونُ فِيهَا التَّيَمُّمُ وَاجِبًا فَهِىَ كَأَنْ يَكُونَ الْمَاءُ يَضُرُّهُ أَوْ يَفْقِدَ الْمَاءَ. وَالضَّرَرُ الَّذِى يُبِيحُ التَّيَمُّمَ هُوَ أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ التَّلَفَ أَوِ الضَّرَرَ أَوْ مَرَضَهُ.
وَفَقْدُ الْمَاءِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فَقْدًا مَعْنَوِيًّا أَوْ حِسِّيًّا.
أَمَّا الْفَقْدُ الْمَعْنَوِىُّ فَهُوَ كَأَنْ يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ الَّذِى هُوَ بِالْقُرْبِ مِنْهُ سَبُعٌ أَوْ عَدُوٌّ أَوْ أَنْ يَحْتَاجَ إِلَى الْمَاءِ لِشُرْبِهِ وَلا يَجِدَ غَيْرَهُ فَيَصِحُّ لَهُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ.
وَأَمَّا الْفَقْدُ الْحِسِّىُّ فَهُوَ أَنْ لا يَجِدَ الْمَاءَ فِى الْقَدْرِ الَّذِى يَجِبُ الطَّلَبُ فِيهِ مِنَ الْمِسَاحَةِ وَذَلِكَ كَأَنْ يَكُونَ الْمَاءُ فِى مَسَافَةٍ تَبْعُدُ عَنِ الْمَكَانِ الَّذِى هُوَ فِيهِ فَوْقَ حَدِّ الْقُرْبِ وَحَدُّ الْقُرْبِ قُدِّرَ بِنَحْوِ نِصْفِ فَرْسَخٍ وَهُوَ مَسَافَةُ 1400م تَقْرِيبًا فَلا يَجِبُ عَلَيْهِ طَلَبُهُ ثُمَّ إِنْ تَيَقَّنَ عَدَمَ وُجُودِ الْمَاءِ تَيَمَّمَ بِدُونِ طَلَبٍ لِأَنَّ الطَّلَبَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ عَبَثٌ أَمَّا إِنْ كَانَ لَمْ يَتَيَقَّنْ عَدَمَ وُجُودِ الْمَاءِ بَلْ جَوَّزَ وُجُودَ الْمَاءِ فَيَسْأَلُ فِى رَحْلِهِ وَرُفْقَتِهِ إِنْ كَانَ مُسَافِرًا كَأَنْ يَقُولَ «مَنْ مَعَهُ مَاءٌ يَجُودُ بِهِ وَلَوْ بِالثَّمَنِ» فَإِنْ لَمْ يَجِدْ يَنْظُرُ حَوْلَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَأَمَامَهُ وَخَلْفَهُ إِنْ كَانَ بِأَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ وَإِلَّا تَرَدَّدَ إِلَى حَدٍّ يَلْحَقُهُ فِيهِ غَوْثُ رُفْقَتِهِ لَوِ اسْتَغَاثَ بِهِمْ فَإِذَا لَمْ يَجِدْ تَيَمَّمَ وَقُدِّرَتْ مَسَافَةُ حَدِّ الْغَوْثِ بِثَلاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ شَرْعِىٍّ.
وَمِنْ شُرُوطِ التَّيَمُّمِ
وَفَرَائِضُ التَّيَمُّمِ
وَمِنْ سُنَنِ التَّيَمُّمِ
وَالَّذِى يُبْطِلُ التَّيَمُّمَ
وَمَنْ تَيَمَّمَ لِفَقْدِ الْمَاءِ فِى مَكَانٍ يَنْدُرُ فِيهِ فَقْدُ الْمَاءِ فَعَلَيْهِ إِعَادَةُ كُلِّ صَلاةٍ صَلَّاهَا بِهَذَا التَّيَمُّمِ فَإِنْ كَانَ فِى مَكَانٍ يَكْثُرُ فِيهِ فَقْدُ الْمَاءِ فَلا تَجِبُ عَلَيْهِ الإِعَادَةُ.
وَيَتَيَمَّمُ لِكُلِّ فَرْضٍ فَلا يُصَلِّى بِالتَّيَمُّمِ الْوَاحِدِ أَكْثَرَ مِنْ فَرِيضَةٍ لَكِنَّهُ يُصَلِّى بِهِ مِا شَاءَ مِنَ النَّوَافِلِ فَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ «يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلاةٍ أَىْ فَرِيضَةٍ وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِىُّ.
وَمَنْ فَقَدَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ صَلَّى الْفَرْضَ احْتِرَامًا لِلْوَقْتِ ثُمَّ يُعِيدُ وَقِيلَ يَتْرُكُ الصَّلاةَ إِلَى أَنْ يَجِدَ أَحَدَ الطَّهُورَيْنِ.
حُكْمُ مَنْ وَضَعَ جَبِيرَةً
الْجَبِيرَةُ هِىَ مَا يُجْبَرُ بِهِ مَحَلُّ الْكَسْرِ لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ يُرِيدُونَ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَيَشْمَلُ كُلَّ سَاتِرٍ يُوضَعُ لِلْحَاجَةِ عَلَى مَحَلِّ الْعِلَّةِ.
وَيُشْتَرَطُ فِى الْجَبِيرَةِ أَنْ لا تَأْخُذَ مِنَ الصَّحِيحِ إِلَّا مَا لا بُدَّ مِنْهُ لِلِاسْتِمْسَاكِ. فَمَنْ وَضَعَ جَبِيرَةً وَكَانَ يَضُرُّهُ رَفْعُهَا وَغَسْلُ مَا تَحْتَهَا إِمَّا بِزِيَادَةِ الْمَرَضِ أَوْ بِتَأَخُّرِ الشِّفَاءِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ يَمْسَحُ عَلَيْهَا بِالْمَاءِ وَيَتَيَمَّمُ وَهَذَا التَّيَمُّمُ بَدَلٌ عَنْ غَسْلِ الْعَلِيلِ وَالْمَسْحُ بَدَلٌ عَنِ الصَّحِيحِ الَّذِى مَنَعَتِ الْجَبِيرَةُ وُصُولَ الْمَاءِ إِلَيْهِ فَلَوْ كَانَتِ الْجَبِيرَةُ بِقَدْرِ الْعِلَّةِ أَوْ كَانَتْ زَائِدَةً عَنِ الْعِلَّةِ لَكِنْ غَسَلَ مَا تَحْتَ الزَّائِدِ فَلا يَجِبُ الْمَسْحُ بِالْمَاءِ.
ثُمَّ إِنْ كَانَتِ الْجَبِيرَةُ وُضِعَتْ فِى غَيْرِ أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ كَالرِّجْلِ فَيَنْظُرُ إِنْ كَانَ وَضَعَهَا عَلَى طُهْرٍ فَلا تَجِبُ عَلَيْهِ الإِعَادَةُ وَإِنْ كَانَ وَضَعَهَا عَلَى غَيْرِ طُهْرٍ فَعَلَيْهِ الإِعَادَةُ أَمَّا إِنْ كَانَتِ الْجَبِيرَةُ وُضِعَتْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ كَالْيَدِ فَعَلَيْهِ إِعَادَةُ تِلْكَ الصَّلاةِ مُطْلَقًا.
وَصَاحِبُ الْجَنَابَةِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُقَدِّمَ الْغُسْلَ عَلَى التَّيَمُّمِ وَبَيْنَ أَنْ يُقَدِّمَ التَّيَمُّمَ عَلَى الْغُسْلِ لِأَنَّهُ لا يَجِبُ تَرْتِيبُ غَسْلِ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ فِى الْغُسْلِ وَالأَفْضَلُ تَقْدِيمُ التَّيَمُّمِ.
وَأَمَّا الْمُحْدِثُ حَدَثًا أَصْغَرَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ إِلَّا عِنْدَ صِحَّةِ غَسْلِ الْعُضْوِ الْعَلِيلِ فَلَوْ كَانَتِ الْعِلَّةُ فِى رِجْلِهِ فَلا يَتَيَمَّمُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَيَمْسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ أَوْ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ.
وَعِنْدَ الإِمَامِ مَالِكٍ لا يَحْتَاجُ إِلَى تَيَمُّمٍ مَنْ كَانَ أَكْثَرُ بَدَنِهِ صَحِيحًا بَلْ يَكْفِيهِ غَسْلُ الصَّحِيحِ وَالْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَلا يُعِيدُ.
فَائِدَةٌ لا تَجِبُ الإِعَادَةُ عَلَى مَنْ تَيَمَّمَ لِفَقْدِ الْمَاءِ بِمَحَلٍّ لا يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُهُ أَوْ تَيَمَّمَ بِسَبِبِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ لِشُرْبِهِ أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ لا يَجِدُهُ إِلَّا بِثَمَنٍ وَقَدْ عَجَزَ عَنْهُ أَوْ لا يُبَاعُ إِلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ عَدُوٌّ أَوْ خَافَ مِنِ اسْتِعْمَالِهِ تَلَفًا أَوْ بُطْءَ بُرْءٍ أَوْ زِيَادَةَ مَرَضٍ أَوْ حُصُولَ شَيْنٍ فَاحِشٍ بِعُضْوٍ ظَاهِرٍ.