الخميس ديسمبر 12, 2024

(فصلٌ) في مُسْتَـحِقِّي الزكاةِ (وتُدفع الزكاة إلى الأصناف الثـماننية الذين ذكرهم اللهُ تعالى في كتابه العزيز في قولِهِ تعالى) في سُورةِ التوبةِ (إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَٰكِينِ وَٱلْعَٰمِلِينَ عَلَيْهَا وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى ٱلرِّقَابِ وَٱلْغَٰرِمِينَ وَفِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ) فقط لا غيـرُ. والفقيـرُ في باب الزكاة هو الذي لا مالَ له ولا كسبَ لائقًا بهِ قال في النهاية ولو اشتغلَ بعلمٍ شرعيٍّ والكسْبُ يـمنعهُهُ ففقيـرٌ أو بالنوافل فلا وكذا الـمُعطل الـمُعْتَكف في مدرسة ومَن لا يَتَأَتَّـى منه تـحصيلٌ معَ القُدرة على الكسب اهـ يقع موقعًا مِن حاجته كـمن يـحتاج إلى عشرةٍ وعندهُ ثلاثةٌ. أما فقيـرُ العرايا فهو من لا نقدَ بيده إلا أنه قد يكون مكتفيًا فلا يُعْطَى من الزكاةِ حينئذٍ. والـمسكينُ مَن قدر على مالٍ أو كسب يقع كل منهما موقعًا مِن كفايته ولا يكفيه كمن يـحتاج إلى عشرة دراهم وعنده سبعةٌ. والعامل مَن استعمله الإمامُ على أخذ الصدقات ودفعِها لِمُستـحقيها. والـمؤلفةُ قلوبُهُم أقسامٌ منهم مؤلفة الـمسلميـن وهم مَن أسلم ونيتُه ضعيفةٌ لـم يألف أهلَ الإسلامِ بعدُ فَيُتَأَلَّفُ بدفع الزكاة له. وفي الرِّقاب وهـم الـمكاتَبُون كتابةً صحيحة أما الـمكاتب كتابة فاسدةً فلا يُعْطَى. والغارِمُ أصنافٌ منهم مَن ركبتْهُ الثونُ الحالَّةُ فصارت أزيَدَ مِن مالِهِ ومنهم غيرُ ذلك كَمَن استدان دَيْنًا لتسكيـنِ فتنةٍ بين طائفتيـن في قتيلٍ لـم يَظهر قاتلُهُ فتـحمَّلَ دِيَتَهُ بسبب ذلك فيُقْضَى دينُهُ من سهم الغارميـن غنيًا كان أو فقيـرًا وإنـما يُعْطَى عند بقاءِ الدَّين عليه فإن أدَّاه مِن ماله أو دفعَهُ ابتداءً من غيرِ اقتراضٍ لـم يُعْطَ مِن سهم الغارميـن. وأما سبيلُ الله فهم الغزاة الذين لا سهم لـهم في ديوان الـمُرْتَزِقَةِ الـمُرْتَزِقَة بكسر الزاي على وزن اسم الفاعل لأنَّ فعلَ ارتزقَ لازمٌ فيكون الوصف منه بصيغةِ اسم الفاعل بل هم متطوعون بالـجهاد. وأما ابنُ السبيل فهو من يُنْشِئُ سفرًا من بلد الزكاة أو يكونُ مـجتازًا ببلدها ويُشتـرط فيه الـحاجة إلى ما يوصلُه مقصدَه وأن لا يكون سفـرُه معصيةً.

  وقولُهُ (وإلى مَن يوجد منهم) أي الأصنافِ فيه إشارةٌ إلى أنه إذا فُقِدَ بعضُ الأصنافِ ووُجِدَ البعضُ في بلدِ الـمالِ صُرِفَت الزكاةُ لِـمَنْ وُجِدَ منهم ولا يَنْقُلُها ربُّ الـمالِ يُفهَمُ منه أنَّ للإمام وللساعي النقلُ مطلقًا وهو كذلك إلى خارجها إلا أن يُعْدَمُوا فيها فإنه يـجبُ عندئِذٍ نَقْلُ الزكاةِ إلى أقرب البلادِ إليه. فإن فُقِدَ الـمستحقونَ كُلُّهُم في البلاد لـم تسقط الزكاةُ بل تُـحفظُ حتى يوجدوا كُلُّهُم أو بعضُهُم. ثـم إنَّ الإمامَ إذا كانَ هو القاسِمَ وجبَ عليهِ تَعميمُ الـمستحقيـنَ وإن كان غيـرَهُ أي إن قسمَ غيـرُ الإمامِ بلا توكيلٍ منه وانـحصرَ الـمستحقون وجبَ تعميمُهم وإلا فلا (و) لكنه (لا يقتصر) في إعطاءِ الزكاةِ (على أقلَّ مِن ثلاثةٍ مِن كل صِنفٍ) مِنَ الأصناف الثمانية (إلا العاملَ) فإنهُ يـجوز أن يكون واحدًا إن حصلت به الكفايةُ وإذا صَرَف لاثنينِ مِن كلِّ صنف غَرِمَ للثالثِ أقلَّ مُتَمَوَّلٍ. وصدقةُ الفطرِ كسائِر الزكواتِ في جوازِ النقل ومنعهِ وفي وجوبِ استيعابِ الأصنافِ فإن شقَّت القسمةُ جـمعَ جماعةٌ فطرتهم ثـم قسموها.

  (وخـمسةٌ لا يـجوزُ دفعها) أي الزكاةِ (إليهم الغنِـيُّ بـمالٍ) يـملكُهُ أي يكفيه إلى العمرِ الغالبِ إن كان دون هذا العمر وإلا فـما يكفيه سنةً (أو كَسْبٍ) أي حرفةٍ تُغِلُّ له أو عَقارٍ يُغِلُّ عليه كفايتَهُ (والعبد) غيـر الـمكاتَبِ الـمتقدِّم (وبنو هاشم) بنِ عبدِ مناف (وبنو الـمطلب) بنِ عبدِ مناف سواءٌ مُنِعُوا حقهم من خـمس الـخمس أم لا وكذا عتقاؤهم لا يـجوز دفع الزكاة إليهم ويـجوزُ لكلٍّ منهم أخذُ صدقةِ التَّطَوُّعِ على الـمنصوص في الأُمِّ (ومن تلزم الـمزكِّي نققتُه) كامرأتِهِ وولدِهِ الصغيـر فإنَّهُ (لا يدفعُها) أي الزكاةَ (إليهم باسم الفقـراءِ والـمساكيـن) لأنـهم مَكْفِيُّونَ بِنفقتِهِ فلا يُعطَونَ مِنَ الزكاةِ فأما إذا لـم يكونوا مَكفيِّيـنَ بنفقته فيـجوزُ إعطاءهم من الزكاة ويـجوز إعطاءُهُم باسمِ كونـهم غُزَاةً أو غارميـنَ مثلًا (ولا تُدْفَعُ) زكاةُ الـمالِ (للكافرِ) ولـو لتأليفِهِ إجـماعًا إلَّا ما استثناهُ الـمالكيةُ في الـمشهورِ عندهم من جوازِ دفعِها للـمؤلفةِ قلوبـهم من الكفار كما ذكرَهُ ابنُ الـمنذرِ في الإجماعِ وغيـرُهُ.