فائدة
(قال الغزالى فى إحياء علوم الدين »إنه [أى الله] أزلى ليس لوجوده أول و)أبدى (ليس لوجوده ءاخر وإنه ليس بجوهر يتحيز) والجوهر عند علماء اللغة أصل الشىء وهو ما له تحيز وقيام بذاته، وهو إما مركب وإما مفرد فالمفرد هو الجزء الذى لا يتجزأ من تناهيه فى القلة ويقال له الجوهر الفرد، والمركب ما تركب من جوهرين فأكثر. فالله تعالى لا يشبه ذلك كله (بل يتعالى ويتقدس عن مناسبة الحوادث) أى يتنزه عن مشابهة المخلوقات (وإنه ليس بجسم مؤلف من جواهر) والجسم ما تركب من جوهرين فأكثر بأن ينضم جوهر إلى جوهر ءاخر فيصير قابلا للقسمة (ولو جاز أن يعتقد أن صانع العالم جسم لجاز أن تعتقد الألوهية للشمس والقمر أو لشىء ءاخر من أقسام الأجسام) فلو كانت الألوهية تصح لشىء من الأجسام لكانت الشمس أولى بالألوهية لكثرة منافعها مما هو محسوس لكل الخلق. فكل ما له حيز يستحيل أن يكون إلها، والتحيز هو أخذ مقدار من الفراغ. فلو قال أحد عبدة الشمس الملحدين لمسلم أنت تقول إن دينى هو الصحيح وتقول عنى إن دينى باطل فأين الدليل، فإن قال له هذا المسلم قال الله تعالى ﴿أفى الله شك﴾ يقول الملحد أنا لا أؤمن بكتابك أعطنى دليلا عقليا فإن كان هذا المسلم يفهم الدليل العقلى والدليل النقلى على وجهه يقول هذه الشمس لها هيئة وشكل وحدود والشىء المحدود يحتاج إلى حاد حده بهذا الحد ثم هى متطورة والمتطور يحتاج إلى مطور له فهذه لا تصلح عقلا أن تكون إلها كما أنت تزعم، وأما دينى فحق لأن دينى يقول إن صانع العالم لا يشبهه بوجه من الوجوه منزه عن الحد والمكان والشكل والكيفية منزه عن كل ما فى هذا العالم من صفة فلذلك دينى هو الصحيح الذى يقبله العقل فيكون هذا المسلم قطع بهذا الدليل العقلى عابد الشمس وأدحض دعواه (فإذا) الله تعالى (لا يشبه شيئا ولا يشبهه شىء بل هو الحى القيوم الذى ليس كمثله شىء وأنى يشبه المخلوق خالقه والمقدر مقدره والمصور مصوره«) إذ لو أشبه الحادثات بوجه من الوجوه لكان حادثا وهو محال وهذا كله يعلم بعلم التوحيد الذى يعرف به ما يجوز على الله وما يليق به وما لا يجوز عليه وما يجب له أى أن يعرف فى حقه سبحانه وتعالى ولذلك سماه أبو حنيفة الفقه الأكبر إيذانا وإعلاما بأنه هو الفقه الذى هو أشرف وأفضل من غيره (فليس هذا الكلام الذى عابه العلماء وإنما عاب السلف كلام المبتدعة فى الاعتقاد كالمشبهة والمعتزلة والخوارج وسائر الفرق التى شذت عما كان عليه الرسول والصحابة) فإن لهم مقالات يجادلون عليها ليوهموا الناس أن ما هم عليه هو الحق وأن ما عليه أهل السنة باطل. وهذا هو الذى عناه الشافعى بقوله الذى رواه عنه الإمام المجتهد الحافظ أبو بكر بن المنذر فى الأوسط »لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك خير من أن يلقاه بشىء من الأهواء« أى العقائد التى مال إليها المخالفون لأهل السنة (الذين افترقوا إلى اثنتين وسبعين فرقة كما أخبر الرسول بذلك فى حديثه الصحيح الثابت الذى رواه ابن حبان بإسناده إلى أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »افترقت اليهود إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتى إلى ثلاث وسبعين فرقة كلهم فى النار إلا واحدة وهى الجماعة« أى السواد الأعظم. وأما علم الكلام الذى يشتغل به أهل السنة من الأشاعرة والماتريدية فقد عمل به من قبل الأشعرى والماتريدى كأبى حنيفة فإن له خمس رسائل فى ذلك والإمام الشافعى كان يتقنه حتى إنه قال »أتقنا ذاك قبل هذا« أى أتقنا علم الكلام قبل الفقه) رواه البيهقى فى مناقب الشافعى فعلم الكلام الذى يعرف به أدلة الرد على المخالفين فهو فرض كفاية فيجب أن يقوم بذلك من تحصل به الكفاية لأن هذا من باب إزالة المنكر وهذا من أفرض الفروض لأنه حفظ لأصول عقيدة أهل السنة.