(حُكْمُ مَنْ يَأْتِى بِإِحْدَى أَنْوَاعِ هَذِهِ الْكُفْرِيَّاتِ هُوَ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُهُ الصَّالِحَةُ وَحَسَنَاتُهُ) السَّابِقَةُ (جَمِيعُهَا فَلا تُحْسَبُ لَهُ ذَرَّةٌ مِنْ حَسَنَةٍ كَانَ سَبَقَ لَهُ أَنْ عَمِلَهَا مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ صِيَامٍ أَوْ صَلاةٍ وَنَحْوِهَا) مِنْ وُجُوهِ الْخَيْرِ أَىْ إِنْ رَجَعَ إِلَى الإِسْلامِ لَمْ تَرْجِعْ إِلَيْهِ حَسَنَاتُهُ الَّتِى خَسِرَهَا (إِنَّمَا تُحْسَبُ لَهُ الْحَسَنَاتُ الْجَدِيدَةُ الَّتِى يَقُومُ بِهَا بَعْدَ تَجْدِيدِ إِيمَانِهِ) أَىْ بَعْدَ دُخُولِهِ فِى الإِسْلامِ مِنْ جَدِيدٍ (قَالَ تَعَالَى ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ﴾) وَأَمَّا ذُنُوبُهُ الَّتِى عَمِلَهَا فِى أَثْنَاءِ الرِّدَّةِ وَقَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّهَا لا تُمْحَى عَنْهُ بِرُجُوعِهِ إِلَى الإِسْلامِ وَإِنَّمَا الَّذِى يُغْفَرُ لَهُ بِذَلِكَ هُوَ الْكُفْرُ لا غَيْرُ بِخِلافِ الْكَافِرِ الأَصْلِىِّ فَإِنَّ ذُنُوبَهُ تُمْحَى بِإِسْلامِهِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ »الإِسْلامُ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ« رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَإِذَا قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ قَبْلَ أَنْ يُجِدِّدَ إِيمَانَهُ) أَىْ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الإِسْلامِ (بِقَوْلِهِ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَهُوَ عَلَى حَالَتِهِ هَذِهِ فَلا يَزِيدُهُ قَوْلُهُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلَّا إِثْمًا وَكُفْرًا لِأَنَّهُ) يَطْلُبُ الْمَغْفِرَةَ وَهُوَ عَلَى الْكُفْرِ وَاللَّهُ تَعَالَى لا يَغْفِرُ كُفْرَ الْكَافِرِ وَذُنُوبَهُ وَهُوَ عَلَى كُفْرِهِ فَهُوَ (يُكَذِّبُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ وَقَوْلَهُ تَعَالَى ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾). وَ(رَوَى ابْنُ حِبَّانَ) مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ (عَنْ عِمْرَانَ بنِ الْحُصَيْنِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ) مِنَ الْمُشْرِكِينَ (فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ خَيْرٌ لِقَوْمِهِ مِنْكَ كَانَ يُطْعِمُهُمُ الْكَبِدَ وَالسَّنَامَ) أَىْ سَنَامَ الإِبِلِ وَهُوَ طَعَامٌ فَاخِرٌ عِنْدَ الْعَرَبِ (وَأَنْتَ تَنْحَرُهُمْ) أَىْ تَقْتُلُهُمْ فِى الْجِهَادِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ مَا شَاءَ اللَّهُ) مَعْنَاهُ أَنَّ الرَّسُولَ رَدَّ عَلَيْهِ بِمَا شَاءَ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْكَلامِ (فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ قَالَ مَا أَقُولُ قَالَ »قُلِ اللَّهُمَّ قِنِى شَرَّ نَفْسِى وَاعْزِمْ لِى عَلَى أَرْشَدِ أَمْرِى«) أَىْ دُلَّنِى عَلَى مَا فِيهِ خَيْرِي وَصَلاحِى (فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ وَلَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ ثُمَّ) عَادَ بَعْدَ مُدَّةٍ وَ(قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ إِنِّى أَتَيْتُكَ فَقُلْتُ عَلِّمْنِى فَقُلْتَ »قُلِ اللَّهُمَّ قِنِى شَرَّ نَفْسِى وَاعْزِمْ لِى عَلَى أَرْشَدِ أَمْرِى« فَمَا أَقُولُ الآنَ حِينَ أَسْلَمْتُ قَالَ »قُلِ اللَّهُمَّ قِنِى شَرَّ نَفْسِى وَاعْزِمْ لِى عَلَى أَرْشَدِ أَمْرِى اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى مَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا عَمَدْتُ وَمَا أَخْطَأْتُ وَمَا جَهِلْتُ«) فَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الإِنْسَانَ مَا دَامَ كَافِرًا لا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى ذَنْبِى لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا لَكَانَ الرَّسُولُ عَلَّمَهُ من الأَوَّلِ الِاسْتِغْفَارَ اللَّفْظِىَّ وَلَكِنَّهُ لَمْ يُعَلِّمْهُ الِاسْتِغْفَارَ اللَّفْظِىَّ إِلَّا بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ أَلَيْسَ كَانَ نُوحٌ يَقُولُ لِقَوْمِهِ الَّذِينَ هُمْ عَلَى عِبَادَةِ الأَوْثَانِ ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾ فَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ﴾ أَىِ اطْلُبُوا مَغْفَرِةَ اللَّهِ بِالدُّخُولِ فِى الإِسْلامِ بِتَرْكِ عِبَادَةِ الأَصْنَامِ وَالإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَالإِيمَانِ بِى أَنِّى نَبِىُّ اللَّهِ. (وَمِنْ أَحْكَامِ الرِّدَّةِ أَنَّ الْمُرْتَدَّ يَفْسُدُ صِيَامُهُ وَتَيَمُّمُهُ وَنِكَاحُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَكَذَا بَعْدَهُ إِنْ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى الإِسْلامِ فِى الْعِدَّةِ) وَلا فَرْقَ فِى حُكْمِ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ بَيْنَ أَنْ يَرْتَدَّ الزَّوْجُ أَوْ تَرْتَدَّ الزَّوْجَةُ، وَلَوِ ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا وَعَرَفَ الآخَرُ بِذَلِكَ ثُمَّ حَصَلَ جِمَاعٌ بَيْنَهُمَا فَهُوَ زِنًى مِنْهُمَا وَكِلاهُمَا ءَاثِمٌ. فَإِنْ جَامَعَ الزَّوْجُ الْمُسْلِمُ زَوْجَتَهُ الْمُرْتَدَّةَ وَهُوَ لا يَعْلَمُ بِرِدَّتِهَا فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَيُنْسَبُ الأَوْلادُ الْمُنْعَقِدُونَ مِنْ هَذَا الْوَطْءِ إِلَيْهِمَا وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمُرْتَدُّ هُوَ الزَّوْجُ وَجَامَعَ زَوْجَتَهُ الْمُسْلِمَةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَعْرِفَ بِرِدَّتِهِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهَا وَلَكِنْ يُنْسَبُ الْوَلَدُ لَهَا دُونَهُ (وَلا يَصِحُّ عَقْدُ نِكَاحِهِ) أَىِ الْمُرْتَدِّ (لا عَلَى مُسْلِمَةٍ وَلا كَافِرَةٍ وَلَوْ مُرْتَدَّةٍ مِثْلِهِ).