فضل صومِ شهرِ اللهِ المُحرَّمِ وعَشْرِه الأوَّل
أخرجَ مسلم من حديث أبي هريرةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أفضَلُ الصيامِ بعدَ شهرِ رمضانَ شَهْرُ اللهِ الذي تَدْعُونَهُ المُحرَّمَ، وأفضلُ الصلاةِ بعدَ المَفروضةِ الصلاةُ في جوفِ الليلِ”.
وهذا الحديثُ صريحٌ في أنَّ أفضلَ ما يُتطَوَّع به من الصيام بعدَ رمضانَ صومُ شهرِ الله المحَرَّم، وقد يحتمِل أنْ يُرادَ أنهُ أفضلُ شهرٍ يُتطوَّع بصيامه كاملاً بعد رمضان، فأمّا بعضُ التطوُّع ببعضِ شهرٍ فقد يكون أفضلَ من بعض أيامِه، كصيامِ يومِ عرفةَ أو عشرِ ذي الحِجّة أو ستة أيامٍ من شوال والأيام البِيض (2) ويومِ عاشوراءَ ونحوِ ذلك، ويشهد لهذا ما أخرجهُ
_________
الترمذيُّ من حديث عليّ أنّ رجُلاً أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله أخبِرني بشهرٍ أصومُهُ بعدَ شهر رمضانَ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنْ كُنتَ صائِمًا شهرًا بعدَ رَمضانَ فَصُمِ المُحرَّمَ فإنَّهُ شهرُ اللهِ، وفيهِ يومٌ تابَ اللهُ فيهِ على قومٍ ويتُوبُ على آخرينَ” لكن في إسنادِه مقالٌ.
ولكن يُقالُ: إن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يصومُ شهرَ شعبانَ ولم يُنقَل عنه أنه كان يصومُ المُحرَّم إنّما كانَ يصومُ عاشوراءَ.
وقوله في آخرِ سنةٍ: “لَئِن عِشْتُ إلى قابِلٍ لأصومَنَّ التاسعَ” يدُلّ على أنه كان لا يصومُ التاسعَ قبل ذلكَ، وقد أجابَ الناسُ عن هذا السؤال بأجوبةٍ فيها ضَعفٌ، والذي يظهَرُ أنّ التطوُّعَ بالصيامِ نوعانِ:
أحدُهما: التطوعُ المُطلَقُ بالصومِ: فهذا أفضلُهُ المحرَّم كما أنّ أفضلَ التطوُّع المُطلَقِ بالصلاةِ قيامُ الليل.
والثاني: ما صيامُهُ تبَعٌ لصيامِ رمضانَ قبلَهُ وبعدَهُ: فهذا ليسَ من التطوُّع المُطلَق بل صيامُه تبَعٌ لصيامِ رمضانَ مع أنهُ نفلٌ، فهو مُلتحِقٌ بصيامِ رمضانَ، ولهذا قيل: إنّ صيامَ ستةِ أيامٍ من شهرِ شوالٍ يلتحقُ بصيامِ رمضانَ ويُكتبُ بذلكَ لِمَن صامَها معَ رمضانَ صيامُ الدَّهرِ أي العامِ.
وقد رُويَ أنّ أسامةَ بنَ زيدٍ كان يصومُ الأشهُرَ الحرُمَ فأمرَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بصيامِ شوَّالٍ فتركَ الأشهُرَ الحُرُمَ وصامَ شوَّالاً.
فهذا النوعُ من الصيامِ مُلتحِقٌ برمضانَ، وصيامُهُ أفضلُ التطوُّع مُطلَقًا، فأمّا التطوع المُطلَق فأفضَلُه صيامُ الأشهُر الحرُم، وقد رُويَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهُ أمرَ رجُلاً أن يصومَ الحُرُمَ.