(فصلٌ) في ضمانِ غيرِ المالِ منَ الأبدان ويُسَمَّى كفالةَ الوجهِ وكفالةَ البدنِ.
(والكفالةُ بالبَدَنِ) أي ببَدَن مَن يُسْتَحَقُّ حضورُه مجلسَ الحكمِ عند الطلبِ والاستدعاءِ أي التكفُّلُ بإحضارِهِ بذاتِهِ (جائزةٌ) أي صحيحةٌ للحاجةِ إليها بشرطِ معرفةِ الكفيلِ للمكفولِ والمكفولِ له وتعيينِ المكفولِ ورضاه. هذا (إذا كان على المكفولِ به) أي ببدنه (حقٌّ لآدمِيٍّ) كقِصاصٍ وحَدِّ قذفٍ ومثلُهما الحقُّ الماليُّ وإن لم يُعْلَمْ قدرُه إذ لا يُلْزَمُ الكفيلُ بأدائِهِ. وأمَّا حقُّ اللهِ تعالى فلا تصحُّ الكفالةُ ببدنِ مَن عليه نحوُ حَدِّ شرقةٍ وحَدِّ خمرٍ وحَدِّ زِنًى. واسيُؤْنس لها بقوله تعالى حكايةً عن يعقوبَ عليه السلام (لَنْ أُرْسِلَهُۥ مَعَكُمْ حَتَّىٰ تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ ٱللَّهِ لَتَأْتُنَّنِى بِهِۦٓ إِلَّآ أَن يُحَاطَ بِكُمْ).
ويبرأ الكفيلُ بتسليمه المكفولَ ببدنه في مكانِ التسليمِ بلا حائلِ كحاكم ومتغلب يمنع المكفولَ له عنه وأمَّا مع وجودِ الحائلِ فلا يبرأُ الكفيلُ فَيُعْلَمُ مِن هذا أنه لا بد مِن تعيينِ محلِّ التسليمِ إن لم يصلح مكانُ الكفالةِ له وإلا جازَ تركُه.
والكفالةُ إمَّا أن تكونَ مقيَّدةً بزمانٍ أو مطلقةً فإن كانت مطلقةً استُحِقَّ مطالبةُ الكفيلِ عاجلًا في المكانِ الذي تكفَّلَ فيه وإن كانت مقيَّدةً بزمانٍ كقولِهِ على أن أسلِّمَهُ إليك بعد شهرٍ فلا يستحقُّ المكفولُ له مطالبتَهُ قبلَ مَضِيِّ الشهرِ وإن كانت مقيَّدةً بالمكانِ كقولِه على أن أُسلِّمَهُ إليك بالبصرةِ أو في مجلس الحكم فلا يستحِقُّ مطالبَتَهُ به في غير ذلك الموضع وللكفيل أن يُسَلِّمَهُ قبلَ حلولِ الأجل إن كان الدينُ حالًّا وبينةُ المكفولِ له حاضرةً وكذا له أن يُسلِّمَه في غيرِ الموضع الْمُتَّفَقِ عليه إن كان المحلُّ ءَامِنًا والبيِّنةُ حاضرةً واستيفاءُ الحقِّ ممكنًا. فإن غابَ المكفولُ وكانت الكفالةُ مطلقةً أو حلَّ وقتُ التسليمِ لزم الكفيلَ إحضارُه إن كان المكفولُ حاضرًا مقدورًا عليه فإن لم يسلِّمِ المكفولُ به نفسَهُ ولا أتَى به الكفيلُ حُبِسَ حتَّى يأتِيَ به وإن كان غائبًا لزمَهُ إحضارُهُ إن عرفَ محلَّهُ وأمِنَ الطريقَ ولا حائلَ وإن بعدت الْمَسافةُ. أمَّا إن كان غيرَ مقدورٍ عليه فالكفيلُ في حكمِ الْمُعسِرِ يجبُ إنظارُهُ حتَّى يقدر عليه ولا يجوزُ حبسُهُ.
وإن أبرَأَ المكفولُ له المكفولَ به من الحقِّ بَرِئَ المكفول به وبَرِئَ الكفيلُ لأنه فرعٌ له فإذا برِئَ الأصلُ برِئَ الفرعُ. وإن أبرأ الكفيلَ برِئَ الكفيلُ ولم يبرَإِ المكفولُ به.