الخميس مارس 28, 2024

فصل في جواز التحذير ممن يضر الناس في دينهم أو دنياهم

اعلم أنّ التحذير ممن يضر الناس في دينهم أو دنياهم واجب شرعي اتفق عليه علماء الإسلام، من أجل ذلك جرت عادة علماء الحديث السلف منهم والخلف على ذكر أناس تعاطوا رواية الحديث بالجرح فقد ألّف المحدثون كتبًا ببيان المجروحين وكتبًا ببيان الثقات فكان من هؤلاء الأئمة مالك والشافعي وأحمد، فقد قال الإمام مالك عن محمد بن إسحاق المؤلف في المغازي تأليفًا مشهورًا إنه كذاب وكان من أهل بلده المدينة المنورة، وكذلك قال الإمام الشافعي عن بعض الرواة “الرواية عن حرام حرام” وحرام رجل يُقال له حرام بن عثمان، وكذلك أحمد بن حنبل قال: كتب الواقدي كذب، وكذلك البخاري ذكر أناسًا من الرواة بالجرح، وكذلك مسلم، وكذلك بقية أصحاب الكتب الحديثية المشهورة كالنسائي والترمذي وعمل هؤلاء كان عملًا بقوله صلى الله عليه وسلم: “الدين النصيحة” قيل لمن يا رسول الله؟ قال: “لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم”. فالنصح لله ولرسوله يشمل بيان من يكذب على الله وعلى رسوله بالتحذير منه وكذلك يدخل في النصيحة لدين الله ذكر من يقول في دين الله ما لا علم له به في دروسه أو يذكر في مؤلفاته ما لا أساس له في دين الله فهؤلاء واجب التحذير منهم من أجل هذا الحديث.

 

كذلك من يدّعي أنّه صوفي وهو يخبط ويخلط متعمدًا أو عن جهل، فإن كشف حاله واجب وذلك بالتحذير منه، فهذا الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي والشيخ عبد الرحمن السلمي الصوفي ذكرا الحلاج بالجرح والطعن فيه مع أنهما لم يدركا عصره، فالمنصف العاقل يحكم بالشرع لا بالرأي الفاسد والهوى الباطل.

 

وكم من أناس دخلوا في الاسلام على أيدي السادة الصوفية، وكتب التاريخ تشهد عن انتشار الإسلام على أيدي هؤلاء في بقاع الأرض، فهذا الإمام الكبير أحمد الرافعي كان عالمًا فقيهًا محدثًا حافظًا نحويًا أصوليًا وكان يحضر دروسه مائة ألف شخص، وكذلك كان يحضر دروسه اليهود والنصارى والمجوس وقد أسلم منهم حوالي عشرة ءالاف شخص، ولا يخفى على من قرأ التاريخ أن أتباع هذا السيد الجليل كانوا السبب في إسلام التتار أي ما حصل في زمن الشيخ المنيعي الرفاعي مع ابن هولاكو وإسلامه حتى سمّى نفسه أحمد وأسلم من التتار الذين معه جم غفير.

 

وكذلك الإمام الكبير الشيخ عبد القادر الجيلاني الذي كان يدرس في كل يوم اثني عشر درسًا، وكذلك الإمام أحمد الفاروقي السرهندي النقشبندي الذي عرف بالمجدد بعد الألف الثاني اهتدى على يديه الألوف في الهند، وكذلك غيرهم من أئمة الطرق الأخرى كانوا من فحول العلماء.

 

وقد قال سيدنا علي رضي الله عنه: “ليس الحق يُعرف بالرجال إنّما الرجال يعرفون بالحق” فإذا عرفت الحق فالزم فإن الحق أحق أن يتبع.