فصل في تكفير المعتزلة القائلين بمقالاتهم الكفرية
ذكر صاحب البيان اليمني من الشافعية أن الشافعي رضي الله عنه كفّر القدرية والقائل بخلق القرءان فإن قيل: أليس ممن روى عنهم البخاري وغيره من هم يُنسبون إلى القدر إلى الاعتزال؟ فالجواب: أن من المعتزلة من ينتسب إليهم ولا يقول بمقالاتهم الكفرية بل يوافقهم في القول بعدم رؤية الله للمؤمنين في الآخرة وبتخليد العاصي الفاسق في النار ولهم في هذا نوع تأويل يدفع عنهم التكفير فبعض المحدثين يروون الأحاديث بالأسانيد التي فيها مثل هؤلاء فالبخاري وأمثاله رووا عن هؤلاء لا عمن عُلم منه أنه يقول إن الله كان قادرًا على خلق حركات العباد وسكناتهم قبل أن يعطيهم القدرة عليها ثم بعد أن أعطاهم القدرة صار عاجزًا عن خلقها، واعتقاد المعتزلة هذا ثابت عنهم ذكره عنهم إمام الحرمين، وعبد القاهر بن طاهر البغدادي وهو ممن روى عنهم البيهقي، وذكره الإمام أبو سعيد المتولي والإمام أبو منصور الماتريدي وأبو الحسن شيث بن إبراهيم المالكي كلّ في تأليفه فليس كل من عُرِفَ بالانتساب إلى المعتزلة كافرًا.
وقال الحافظ المجتهد ابن المنذر أيضًا في “الأوسط”: “قال مالك في القدرية: يستتابون يقال لهم اتركوا ما أنتم عليه فإن فعلوا وإلا قتلوا” اهــ، وقال أي ابن المنذر: “وقد روينا عن عمر بن عبد العزيز أن قائلاً قال له في القدرية يستتيبهم ويعرضهم على السيف قال: ذاك رأيي” اهـ.
وروى الحافظ ابن عساكر [1] عن الربيع المرادي صاحب الشافعي أن الشافعي ناظر حفصًا الفرد المعتزلي وكان يقول القرءان مخلوق لأنه يقول ليس لله كلام إلا ما يخلقه في غيره فخصمه الشافعي وقطعه وكفّره، وقال الربيع إن حفصًا بعدما خرج من عند الشافعي قال لي أراد الشافعي ضربَ عنقي اهـ.
فتحصَّل من هذا أنه لا عبرة بتأويل من أوَّلَ قول الشافعيّ لحفص “لقد كفرت بالله العظيم” بكفران النعمة فلا معنى لذلك بعد نقل عبد الرحمن بن أبي حاتم قول الربيع فكفره ففهم الربيع تصريح الشافعي بتكفير القدرية وهم المعتزلة وتكفير القائل بخلق القرءان وبطل تأويل البيهقي على ما نقله النووي من أنه قال أراد الشافعي بقوله لحفص لقد كفرت بالله العظيم كفران النّعمة فربيع الذي حضر مناظرة الشافعي لحفص يُقدَّمُ قوله على تأويل من أوّل كالتأويل الذي يذكر عن البيهقي. والربيع أشهر تلاميذ الشافعي فليحذر مما قرره النووي في “روضة الطالبين” ومن تبعه ممن جاءوا بعده كابن حجر الهيتمي والقاضي زكريا والشربيني وغيرهم ممن اعتمدوا على كلام النووي، فالمعتزلي الذي يعتقد أصول مقالاتهم كافر.
والعجب كيف يقول النووي في “روضة الطالبين” بتأييد القول بصحة الاقتداء بالمعتزلة في الصلاة لأن السلف لم يزالوا يورثونهم. فمثل هؤلاء كيف يُتردد في تكفيرهم. وهذه عبارة النووي [2]: “وتُكره أيضًا خلف المبتدع الذي لا يكفر ببدعته وأما الذي يكفر ببدعته فلا يجوز الاقتداء به وحكمه على ما تقدم في غيره من الكفار، وعدّ صاحب الإفصاح من يقول بخلق القرءان أو ينفي شيئًا
[1] تبيين كذب المفتري [ص/339-340].
[2] روضة الطالبين [1/355].
من صفات الله تعالى كافرًا وكذا جعل الشيخ أبو حامد ومتابعوه المعتزلة ممن يكفّر والخوارج لا يكفرون، ويحكى القول بتكفير من يقول بخلق القرءان عن الشافعي وأطلق القفال وكثيرون من الأصحاب القول بجواء الاقتداء بأهل البدع وأنهم لا يكفرون، قال صاحب العدة وهو ظاهر مذهب الشافعي. قلت: هذا الذي قاله القفال وصاحب العُدة هو الصحيح أو الصواب فقد قال الشافعي رحمه الله أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية لأنهم يرون الشهادة بالزّور لموافقيهم ولم يزل السلف والخلف على الصلاة خلف المعتزلة وغيرهم ومناكحتهم وموارثتهم وإجراء أحكام المسلمين عليهم، وقد تأوّل الإمام الحافظ الفقيه أبو بكر البيهقي وغيره من أصحابنا المحققين ما جاء عن الشافعي وغيره من العلماء من تكفير القائل بخلق القرءان على كفران النعم لا كفر الخروج من الملّة” انتهت عبارة النووي. وكأنه لم يبلغه أن المعتزلة يقولون إن الله كان قادرًا على خلق حركات العباد وسكونهم قبل أن يعطيهم القدرة عليها فلما أعطاهم القدرة عليها صار عاجزًا ذكر ذلك عنهم الإمام أبو منصور الماتريدي والإمام عبد القاهر التميمي البغدادي وإمام الحرمين والإمام أبو سعيد المتولي والإمام شيث بن إبراهيم المالكي كلّ في مؤلفه كما قدمنا ذلك، حتى قال الإمام أبو الحسن شيث بن إبراهيم: “مثلهم كما قال القائل أدخلتُه داري فأخرجني منها” اهـ، وذلك في كتابه “حز الغلاصم وإفحام المخاصم”. وكيف يتردد مسلم عالِم أو عامّيّ في كفر من يقول هذا، فالنووي إما أن يكون لم يعرف حال المعتزلة أو عرف لكن نسي عند كتابته لهذه المقالة في روضة الطالبين.
ولِنُورِدْ عبارة الحافظ البلقيني لتفهم المسئلة كما ينبغي فهذه عبارته
في كتابه “حواشي الروضة”: “فائدة: الصحيح أو الصواب خلاف ما قال المصنف، وقول الإمام الشافعي رضي الله عنه محمول على من ذُكر عنه أنه من أهل الأهواء ولم تثبت عليه قضية معينة تقتضي كفره وهذا نص عام، ونص نصًّا خاصًّا على تكفير من قال بخلق القرءان والقول بالخاص هو المقدم. وأما الصلاة خلف المعتزلة فهو محمول على ما قدمته من أنه لم يثبت عن المقتدين بهم ما يكفرهم” اهـ ثم ذكر قول النووي “وقد تأول البيهقي وغيره من أصحابنا المحققين ما جاء عن الشافعي وغيره من العلماء من تكفير القائلين بخلق القرءان على كفران النعم لا كفر الخروج عن الملة” ثم قال أي البلقيني: “فائدة: هذا التأويل لا يصح لأن الذي أفتى الشافعي رضي الله عنه بكفره بذلك هو حفص الفرد وقد قال: أراد الشافعي ضرب عنقي، وهذا هو الذي فهمه أصحابه الكبار وهو الحق وبه الفتوى خلاف ما قال المصنف” اهـ يعني بقوله المصنف النووي.
وحاصل كلام الحافظ البلقيني أن قول الشافعي: أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية، ليس معناه أن كل فرد من أهل الأهواء على اختلاف أهوائهم مسلم تصح الصلاة خلفه إنما مراده من لم تثبت فيه قضية تقتضي كفره لأنه ليس كل منتسب إلى كل فرقة من فرق أهل الأهواء يعتقد كل معتقداتهم، منهم من يعتقد كل معتقداتهم ومنهم من يعتقد بعض معتقداتهم من الضلال التي هي دون الكفر، وأن تأويل البيهقي لتلك المقالة غير صحيح لأن كبار أصحاب الشافعي لم يقولوا بذلك وأن هذا التأويل يرده قول الربيع الذي حضر مناظرة الشافعي لحفص الفرد وتكفيره له، وقول حفص الفرد أراد الشافعي ضرب عنقي دليل على فساد ذلك التأويل.
ثم هناك روايتان لكلام الشافعي إحداهما رواية من طريق عبد الرحمن
ابن أبي حاتم عن الربيع فيها التصريح أن الشافعيّ كفره [1].
ثم أيد البلقيني أن العبرة بنص الشافعي الخاص وهو تكفيره لحفص الفرد على النص الآخر الذي هو عام وأيد ذلك بالقاعدة المقررة عند الأصوليين أنه إذا تعارض الخاص والعام قدم الخاص.
تنبيه: من المهم معرفة المراد بهاتين المقالتين قول بعض الأئمة: “لا نكفر أهل القبلة”، وقول الشافعي: “أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية” فهاتان العبارتان كثير من الناس لم يفهموا المراد منهما فظنوا أن الخوارج والمرجئة والمعتزلة وكلّ من خالفوا أهل السنة في العقيدة لا يكفّرون، وهذا الظن باطل بل المراد بالمقالتين أن من لم تثبت في حقه قضية تقتضي كفره من مقالات أهل الأهواء فهو مسلم أما من ثبت في حقه القول بمقالة تقتضي كفره فهو كافر وذلك لأن بعضهم يوافقهم في شئ ويخالفهم في شئ مع انتسابه إليهم وشهرته بذلك، فلذلك جرى عادةُ كثير من المؤلفين في الحديث أنّ فلانًا روى عن فلان القدري وأن فلانًا روى عن فلان المرجئ ونحو ذلك لأنه ما عرفَ عنه إلا الانتساب إليهم ولم يعرف منه مقالة معينة من مقالاتهم الكفرية. والأهواء جمع هوى وهو البدعة الاعتقادية فكل من خالف أهل السنة في الاعتقاد فهو من أهل الأهواء فقول الشافعي: “أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية” معناه أن المخالفين في العقيدة لأهل السنة لا يكفرون إلا من يعتقد عقيدة كفرية منهم وأما من لم يُعْلَم منه ذلك فلا يكفر بل يعد مسلمًا مع انتسابه إلى بعض هذه الفرق المخالفة لأهل السنة.
وأما الخطابية فمقالتهم ظاهرة وهي أنهم يجيزون الشهادة بالكذب
[1] تبيين كذب المفتري [ص/339-340].
لمن كان على مذهبه أي أن يشهد له عند الحكام فلما كان قضية الخطابية أمرًا واحدًا ظاهرًا وهو استحلال الشهادة بالكذب استثنى الشافعي بإطلاق رد شهادتهم بلا تفصيل، فينبغي أن تفهم المقالتان على هذا الوجه.
وقول من قال من الأئمة “لا نكفر أهل القبلة” مرادهم من كان يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وأن الكعبة قبلته لا نكفره بما يرتكبه من الذنوب أي ما لم يعلم منه ما يثبت الكفر. وليس مرادهم بذلك أن كل من يقول الشهادتين لا يكفر مع اعتقاده بعض الاعتقادات الكفرية فإن هذا الإطلاق بعيد من مرادهم في هذه العبارة لأن كثيرًا ممن يقول الشهادتين وينتسب إلى الإسلام ويظن نفسه مسلمًا كفروا كفريات صريحة لا يتردد فيها عالم ولا جاهل كقول البيانية إن الله يفنى يوم القيامة كله إلا وجهه أخطأوا في فهم هذه الآية: {كلُّ شئٍ هالِكٌ إلا وَجْهَهُ} [سورة القصص/88] فظنوا أن الله له وجه مركب على البدن كالبشر وغيرهم من الملائكة والبهائم لأنهم أجسام مركب عليها وجه يكون أعلى البدن فقالوا أي البيانية إن الله يوم القيامة يفنى كله إلا الوجه. وهؤلاء كانوا يقولون الشهادتين ويصومون ويصلون كغيرهم فهل يجوز ترك تكفيرهم لأنهم يقولون بألسنتهم لا إله إلا الله ويستقبلون قبلتنا بل يجب تكفيرهم. وكذلك من كان على مثل هذا ممن يعتقدون في الله أنه جسم مركب وقد اغتر كثير ممن لا قدم له في فهم كلام العلماء فقال بترك تكفير كل من يقول لا إله إلا الله بلا فرق بين فرقة وفرقة وبين فرد وفرد ءاخر منهم.
وقال الإمام عبد القاهر بن طاهر البغدادي التميمي في كتابه “الفرق بين الفرق”: “يجب إكفار كل زعيم من زعماء المعتزلة” اهـ وذلك لأنهم عشرون فرقة وزعماء هذه الفرق يعتقدون الكفر وأما
الأفراد المنتسبون إليهم فمنهم من يعتقد الكفر الذي عندهم ومنهم من لا يوافقهم إنما يعتقد غير مقالاتهم التي هي كفر فيسمي الناس هذا معتزليًّا وهذا معتزليًّا. فإنّ من المعتزلة وغيرهم من أهل الأهواء من ينتسب إليهم ولا يعتقد كل مقالاتهم الكفرية وإنما يعتقد بعض مقالاتهم التي هي دون الكفر كالمعتزلي الذي وافقهم في نفي رؤية الله في الآخرة فإنّ هذا متأول لا يكفر.
وقال أيضًا في كتابه “تفسير الأسماء والصفات”: “فأما أصحابنا فإنهم وإن أجمعوا على تكفير المعتزلة والغلاة من الخوارج والنجارية والجهمية والمشبهة فقد أجازوا لعامة المسلمين معاملتهم في عقود البياعات والإجارات والرهون وسائر المعاوضات دون الأنكحة فأما مناكحتهم وموارثتهم والصلاة عليهم وأكل ذبائحهم فلا يحل شئ من ذلك إلا الموارثة ففيها خلاف بين أصحابنا فمنهم من قال إن مالهم لأقربائهم من المسلمين لأن قطع الميراث بين المسلم والكافر إنما هو في الكافر الذي لا يعد في الملة ولأن خلاف القدري والجهمي والنجاريّ والمجسم لأهل السنة والجماعة أعظم من خلاف النصارى لليهودي والمجوسي، وقد أجمع الشافعي وأبو حنيفة على وقوع التوارث بينهم مع اختلاف أديانهم، وكذلك التوارث بين المسلم وبين الكافر من أهل الأهواء دون الكافر الخارج عن الملة بجحده بالله عزّ وجل أو برسوله أو بكتابه وهم يقولون في القرامطة والباطنية وفي الغلاة القائلين بالتناسخ وبالغلط في الوحي حكمُهم حكم الخارج عن الملة وعن حكم الذمة فلا تحل موارثتهم ويكون ما خلّفوه فيئًا للمسلمين. ومنهم من قال إن حكم أهل الأهواء حكم المرتدين لا يرثون ولا يورثون ولا يرث بعضهم من بعض، وحكي عن محمد ابن الحنفية وجماعة من التابعين أنهم قالوا
بتوريث المسلم من أهل الأهواء ولم يورثوا أهل الأهواء من المسلمين، وكذلك قالوا في المسلم والكافر إن المسلم يرث من الكافر والكافر لايرث من المسلم وإلى هذا القول ذهب شيخ أهل الحديث إسحاق بن راهويه ورواه هو بإسناده عن معاذ بن جبل، وروى غيره مثل ذلك عن مسروق وسعيد بن المسيّب وأنهم قالوا الإسلام يزيد ولا ينقص. وقال قوم من التابعين: لا يرث أهل السنة من أهل الأهواء ولا يرث بعضهم من بعض وكل أهل مذهب يكفر أهل مذهب ءاخر فلا توارث بينهما، وكذلك كل صنف من أهل الكفر يكفر صنفًا ءاخر منهم فهما ملتان لا يتوارثان وبه قال الزهري وربيعة والنخعي والحسن بن صالح بن حي وأحمد بن حنبل، وقال قوم: أموال أهل الأهواء لأهل بدعتهم فلا يرث منهم أهل السنة وكذلك قالوا في مال المرتد إذا مات إنه لأهل الدين الذي ارتد إليه دون المسلمين وبه قال قتادة وبعض أهل الظاهر.
واختلف أهل الحق في الطفل إذا ولد بين أبوين من أهل القدر والتشبيه أو نحوهما من البدع فمات أحد والديه فمنهم من قال: حكمه حكم المسلم منهما في الميراث وفي سائر الأحكام وإلى هذا القول ذهب شريح والحسن والنخعي وعمر بن عبد العزيز والشافعي وأبو حنيفة وقد ذكر عمر بن عبد العزيز هذا في رسالته إلى أهل البصرة لما بلغه ظهور الاعتزال فيها. وقال مالك: الاعتبار في هذا الباب بموت الأب دون الأم، وكذلك حكم الطفل بين الكافرين إذا أسلم أحدهما كان الاعتبار فيه بالأب وكان الطفل في دينه في سائر أحكامه لأن النسب معتبر به دون الأم. وقال ءاخرون باعتبار حكم الطفل بإسلام الأم وتوبتها عن البدعة دون الأب فيكون حكمه تابعًا لحكمها كما يُعتبر حكمه بحكمها في الرّق والحرية.
فإن قيل: إذا كفرتم من ذكرتموه من أهل البدع والضلالات وحرمتم مناكحتهم وذبائحهم فلم أبحتم مبايعتهم في الأموال مع إيجابكم على الإمام قتلهم وتطهير الأرض منهم إن لم يتوبوا فهلا حرمتم مبايعتهم إذ كان فيها تقوية لهم بالأقوات واللباس والآلات على كفرهم وإعانة لهم على المسلمين قيل لهم: إنما يجب قتلهم على الإمام لأن قتلهم إقامة حد عليهم وإقامة الحدود كلها إلى الإمام إلا حد العبد والأمة فإن الفقهاء اختلفوا فيه فجعله أبو حنيفة رحمه الله إلى الإمام وأجاز الشافعي رضي الله عنه للسيد إقامة الحد على مملوكه وما سوى ذلك من الحدود فهو بالاتفاق إلى الإمام ومن يَنْصبه الإمام لذلك مِن عُمّاله وولاته وليس للرعية ذلك كما ليس لها قسمة الفئ والغنيمة بين مستحقيها، وإذا كان كذلك لم يجب على الرعية الامتناع من مبايعتهم ومعاملتهم كما لا يجب عليهم قتلهم لأن قتلهم وإن كان إلى الإمام فإنما له ذلك بعد الاستتابة وليس له أن يقتلهم في مدة الاستتابة بالجوع والعطش بل يلزمه أن يعطيهم من القوت وما يقيهم من الحر والبرد وما يكفيهم إلى أن يقيم الحجة عليهم فإن تابوا وإلا قتلهم بالسيف حينئذ فإذا لم يجز للإمام قتلهم بالجوع والعطش فلأن لا يجوز ذلك للرعية أولى، وعلى أن الناس يجوز لهم مبايعة أهل الحرب وإن لزمهم قتالهم وقتلهم فكذلك القول في أهل الأهواء وعلى أن مع أهل الأهواء خيلاً وبهائم لا ذنب لها وذراريّ ونساء لا يجوز منعها من الطعام والشراب” اهـ.
وقال الحافظ الفقيه الزركشي في “تشنيف المسامع” [1]: “وقد نص الشافعي على قبول شهادة أهل الأهواء وهو محمول على ما إذا لم
[1] تشنيف المسامع [ص/227]، مخطوط لدينا.
يؤدّ إلى التكفير وإلا فلا عبرة به” اهـ.
وقال ما نصه [1]: “لا اعتبار بقول المبتدع الذي نكفره ببدعته لعدم دخوله في مسمى الأمة المشهود لهم بالعصمة وإن لم يعلم هو كفر نفسه” اهـ.
[1] تشنيف المسامع [ص/226]، مخطوط لدينا.