(فصلٌ) في الضَّمانِ وهو مصدرُ ضمِنْتُ الشىءَ ضمانًا إذا كَفَلْتُهُ وشرعًا التزامُ ما في ذِمَّة الغير من المال. والأصلُ في ضمانِ المال قبلَ الإجماعِ ءاياتٌ وأخبارٌ كقوله تعالى في سورةِ يوسُفَ إخبارًا عن القائلِ (وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ) أي ضامِنٌ وخبرِ الترمذِيِّ وابنِ حبانَ الزَّعيمُ غارمٌ اهـ
وأركانه خمسةٌ ضامنٌ ومضمونٌ له وهو صاحبُ الحقِّ ومضمونٌ عنه وهو مَن عليه الحقُّ ومضمونٌ وهو دينٌ مستحقٌ وصيغةٌ بلفظٍ يُشْعِر بالالتزام كضمنتُ دينَك الذي على فلانٍ.
وشرطُ الضامنِ أهليةُ تصرفِهِ فلا يصحُّ ضمانُ الصبيِّ والمجنونِ والْمُكرَهِ والمحجور عليه. وأما المضمونُ فشرطُه ما ذكرَه المصنف بقوله (ويصحُّ ضمانُ الديونِ المستقرةِ في الذِّمَّة) أي اللازمةِ أو الآيِلَةِ إلى اللزومِ كما تقدَّم في الرهن والْحَوالة فلا يصِحُّ ضمانُ نجومِ الكتابةِ لأنَّ للمكانَبِ إسقاطُها بالفسخِ فلا معنى للتوثُّقِ عليه. وإنما يصِحُّ ضمانُ الديونِ (إذا عُلِمَ قدرُها) وجنسُها وصفتُها فخرجت الديونُ المجهولةُ قدرًا أو جنسًا أو صفةً فلا يَصِحُّ ضمانُها كما سيأتي.
(لصاحبِ الحقِّ) أي الدَّينِ (مطالبةُ مَنْ شاءَ مِنَ والمضمون عنه) وهو مَنْ عليه الدين (إذا كان الضمانُ على ما بَيَّنَّا) أي إذا اكتملت أركانُ الضمانِ وشروطُهُ وهو ظاهرٌ معلومٌ فلذا سقطَ في أكثر نسخ المتن. (وإذا غَرِمَ الضامنُ رجعَ على المضمونِ عنه إذا كان الضمانُ ةالقضاءُ) أي كلٌّ منهما (بإذنِهِ) أي بإذنِ المضمونِ عنه وظاهرُهُ أنَّهُ إذا لم يأذَن في القضاءِ وقد أّذِنَ في الضمان لا يرجعُ والأصحُّ خلافُهُ وأنَّ له الرجوعَ إذِ القضاءُ مِن فوائدِ الضمان فإذا أَذِنَ له فيه فكأنَّهُ أذِنَ في القضاءِ أما إذا أذِنَ في الأداءِ فقط دونَ الضمانِ أي ضمنَهُ بغيرِ إذنِهِ لكن قضَى عنه بإذنِهِ فلا يرجعُ قوله (فلا يرجع) أي لأنَّ الدينَ لزم الضامنَ بغير إذنِ المضمونِ عنه وأمرُهُ بالقضاء انصرف إلى ما وجب عليه بالضمان إلا إذا أدَّى عنه الدَّينَ بشرطِ الرجوعِ فإنه يرجعُ اتفاقًا قوله (فلا يرجع) أي لأنَّ الدينَ لزم الضامنَ بغير إذنِ المضمونِ عنه وأمرُهُ بالقضاء انصرف إلى ما وجب عليه بالضمان. وأمَّا مَنْ أَدَّى دَينَ غيرِه بالإذنِ بغير ضمانٍ رجعَ اتفاقًا إن شرطَ الرُّجوعَ وكذا إن لم يشرِط في الأصحِّ بخلافِ ما لو أداه بلا إذنٍ فلا يرجعُ عليه اتفاقًا لأنه متبرعٌ.
(ولا يصحُّ ضمانُ المجهولِ) قدرًا أو قيمةً أو صفةً كبعْ فلانًا كذا وعَلَيَّ ضمانُ الثَّمَنِ فإنه فاسدٌ للجهلِ بمقدارِ الثَّمنِ ولعدم لزومه كذلك. (و)لا يصحُّ أيضًا ضمانُ (ما لم يجب) كضمان مِائَةٍ تجبُ على زيدٍ في المستقبل وكضمانِ نفقةِ الزوجةِ المستقبلةِ (إلا دَرَكَ) بفتح الراء وتسكينُها لغةٌ أي تَبِعَةَ (المبيعِ) أي ضمانَ دركِ المبيعِ بأن يضمن للمشترِي الثَّمَنَ إن خرج الْمَبيع مُسْتَحَقًّا أو يضمنَ للبائع الْمَبيعَ إن خرج الثمنُ مُسْتَحَقًّا كأن يقول للمشترِي ضمِنت لك عُهْدَةَ الثمنِ أو دَرَكَهُ أو نحوَ ذلك وللبائعِ ضمِنْتُ لك عُهْدَةَ المبيعِ أو دَرَكَه.