(فصلٌ) في الشركةِ بفتحٍ فكسْرٍ وبكسْرٍ أو فتحٍ فسُكونٍ ثلاثُ لغاتٍ.
وهي لغةً الاختلاطُ وشرعًا ثبوتُ الحقِّ على جهة الشُّيوع في شىءٍ واحدٍ لاثنينِ فأكثرَ. وأركانُها عاقدانِ ومالانِ وصيغةٌ. والأصلُ فيها قبل الإجماعِ أخبارٌ كخبرِ أبي داودَ والحاكمِ وصحَّحَهُ ووافقه الذهبيُّ قال الله تعالى أنا ثالثُ الشريكينِ ما لم يخُنْ أحدُهُما صاحبَهُ اهـ قوله صلَّى الله عليه وسلَّم (أنا ثالثُ الشريكينِ) قال شيخنا أي أعينهما اهـ قال الطيبيُّ كأنه تعالى جعل البركة والفضل والربح بمثابة المال المخلوط فسمّى ذاته تعالى ثالثًا للشريكين اهـ.
(وللشركةِ خمسُ شرائطَ) الأولُ وهو شرطٌ في المالين (أن تكون) الشركةُ في الْمِثْلِيات كما في الشركة (على) أي في (ناضٍّ) أي مضروبٍ (منَ) النقدِ اي (الدراهمِ والدنانيرِ) وإن كانا مغشوشين واستمرَّ رواجُهُما في البلَدِ وكما تَصِحُّ في الحنطة والشعير وكذا في تِبْرٍ وحُلِيٍّ وسبائِكَ لأنها مثليَّةٌ على الراحجِ فأما الْمتقوِّماتُ كالعُروضِ منَ الثياب ونحوها فلا تصح الشركة فيها لأنها أعيانٌ متميزةٌ. ومِنَ الحِيَلِ جمعُ حيلةٍ وهيَ التدبيرُ بلطفٍ للوصولِ إلى الْمقصودِ أو باختصارٍ فالمرادُ بها هنا الطريقة لِمَن أراد الاشتراكَ في العُرُوضِ أن يبيع نصفَ عروضِهِ مشاعًا بنصفِ عروضِ الآخر مشاعًا فيصيرانِ شريكينِ في الجميع ثم يتقابضانِ ويأذنُ كلٌّ منهما للآخَرِ في التصرُّف. (و)الثاني (أن يتَّفِقا) يعني المالين (في الجنسِ والنوعِ) والصفةِ وإن اختلفا قدرًا فلا تصحُّ الشركةُ في الذهبِ والدراهمِ ولا في صِحَاحٍ ومكسرةٍ ولا في حنطةٍ بيضاءَ وحمراءَ. (و)الثالث (أنْ يخلِطا المالَين) قبلَ العقد حِسًّا بحيث لا يتميَّزان عند العاقدَينِ وإنما يُعتَبَرُ هذا الْخَلْطُ عند انفرادِ الْمالَينِ كما هو ظاهرٌ أما لو اشتريا شيئًا معًا على الشُّيُوع أو ورثاه فإنَّ ذلك كافٍ لحصولِ الْمقصودِ منَ الْخَلطِ وهو عدمُ التَّمييز. (و)الرابعُ وهو الصِّيغةُ وتُشتَرَطُ ليصِحَّ نصَرُّفُ كلٍّ منهما والْمرادُ (أن يأذَنَ كلُّ واحدٍ منهما) أي الشريكين صريحًا (لصاحبِه) بعد خلطِ المالين (في التصرفِ) في التجاروِ فإذا وُجِدَ الإذنُ تصرَّفُ كلٌّ منهما بما هو أصلحُ لصاحبِهِ فلا يبيع كلٌّ منهما نَسِيئَةً ولا بغيرِ نقدِ البلدِ ولا بغبنٍ فاحشٍ وهو الذي لا يُحتمل غالبًا كبيع ما يساوي عشرةً بثمانيةٍ أما بيعه بتسعةٍ فمُحْتَمَلٌ يُتسامحُ فيه ولا يُسافِرُ بالمال المشتَرَك إلا بإذنٍ في الجميع فإن فَعَلَ أحدُ الشريكَين ما نُهِيَ عنه لم يصحَّ في نَصِيب شريكه وفي نَصِيبه قولا تفريقِ الصَّفْقَةِ. ولو أذن أحدُهما للآخر في التصرف في جميع المال ولم يأذنِ الآخَرُ تصرَّف المأذونُ في جميعِ المالِ ولم يتصرفِ الآخَرُ وإلا في نصيبِهِ مشاعًا على ما يجوزُ التَّصَرُّفُ في المالِ المشتركِ وإذا قال أحدُهما فسخْتُ الشركة انعزل كلُّ واحد منهما عن التصرُّف في نصيب شريكه لأنَّ ذلك يقتضِي العزلَ منَ الجانبين ولا يَبطلُ الاشتراكُ بينهما فإنِ اتفقا على القسمة قُسِم وإن اتفقا على البيع أو التَّبْقِية كان لهما ذلك وإن دعا أحدهما إلى البيع والآخَرُ غلى القِسمة أُجِيبَ مَن دعا إلى القِسمة (و)الخامسُ (أن يكونَ الرِّبحُ والخسرانُ على قدرِ) قيمةِ كلٍّ منَ (المالَين) لا مكيلِهِ مثلًا فلو خلطا قفيزَ بُرٍّ بمِائَةٍ بقفيزِ بُرٍّ بخمسين فالرِّبح والخُسران بينهما أثلاثًا وليس الشرط أن يُصَرِّحا بذلك بل الشرطُ أن لا يشترطا خلاف ذلك سواءٌ تساوَى الشريكان في العملِ في المالِ الْمشتركِ أو تفاوتا فيه فإن شُرِطَ التساوِي في الربح مع تفاوتِ المالَين أو عكسُهُ لم يصحَّ الشرطُ والعقدُ.
والشركةُ عقدٌ جائزٌ منَ الطرفين (و)حينئذٍ (لكلِّ واحدِ منهما) أي الشريكين (فسخُها متى شاء) ويَنعزلان عن التَّصرف بفسخِهما وبعزلِ كلًّ منهما الآخرَ أي رفعِ الإذنِ له في التصرفِ فإن عُزِلَ أحدُهما دونَ الآخرِ بقيت الولايةُ للآخَرِ دونَ المعزولِ. (ومتى ماتَ أحدُهما) أو جُنَّ أو أُغْمِيَ عليه (بَطَلَت) تلك الشركةُ كغيرها منَ العقود الجائزة.