الخميس ديسمبر 12, 2024

(فصلٌ) في الرِّبا بألفٍ مقصورةٍ لغةً الزيادة وشرعًا مقابلةُ عِوَضٍ بآخَرَ مـجهولِ التماثل في معيار الشرع حالَ العقد أو مع تأخيـرٍ في العِوَضيـن أو أحدِهِـما قبضًا أو استحقاقًا. والأصلُ في تـحريـمِهِ قبلَ الإجـماعِ ءاياتٌ كآيةِ البقرةِ (وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَوٰاْ) وأخبارٌ كـخبر مسلم لعنَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ءَاكِلَ الرِّبا ومُوكلَه وكاتبَه وشاهدَه اهـ والعِوَضِ الـمقصودُ في الـحدِّ هو النقدُ والطَّعم ولا بُدَّ أن يكون الطرَفُ الآخر مُتَّـحِدًا معه في عِلَّة الرِّبا العلةُ هي الأمـرُ الذي يدورُ معه الـحكمُ وجودًا وعدمًا إن وُجِدَت وُجِدَ الـحكمُ وإن عُدِمَت عُدِمَ. وعلةُ الربا أمرانِ النقديةُ والطُّعمُ بأن يكون نقدًا إذا كان الطرفُ الأولُ نقدًا أو طُعْمًا إذا كان الأولُ طُعْمًا.

  (والرِّبا) يكون (في الذهب والفضة و)في (الـمطعومات) وهي ما يُقْسَد غالبًا لِطُعم الآدَمِيَّيـنَ اقتياتًا كالقمح والذُّرَة والرُّزِّ أو تَفَكُّهًا أي تلذُّذًا كالـمِشْمِش والتُّفاح أو تأدُّمًا كالتمر والفُجْل أو تداويًا وما يُلحَقُ به مِن غصلاحٍ لطعامٍ ونـحوهِ كالـمِلح والبُنِّ ولا يَـجرِي الرِّبا في غيـرِ ذلك مِـمَّا لا يُقسَدُ لطُعمِ الآدميِّينَ ولو كان طعامًا للبهائم والـجِنِّ كالتِّبْـنِ والعَظم ونـحوه.

  (ولا يـجوزُ بيعُ الذهبِ بالذهبِ ولا الفضةِ كذلك) أي بالفضة مضـروبَيـن كانا أو غيـرَ مضروبَيـن (إلا متماثلًا) أي مِثلًا بِـمِثْلٍ وَزنًا فلا يَصِحُّ بيعُ شىْءٍ من ذلك متفاضلًا ولا يـجوز بيعُهُ إلا (نقدًا) أي حالًّا بلا تأجيلٍ مقبوضًا أي قبضًا حقيقيًا. قال في أسنَـى الـمطالب فلا يكفي الحوالةُ وإن حصلَ القبضُ بـها في الـمجلسِ اهـ وسيأتي إن شاء اللهُ زيادةُ بيانٍ لذلك في فصلِ السَّلَم. قال ويكفـي قبضُ الوكيلِ في القبضِ عنِ العاقديـنِ أو أحدهـما وهـما في الـمجلسِ وكذا قبضُ الوارثِ بعد موتِ مُوَرِّثِهِ في الـمجلس اهـ يدًا بيدٍ فلو بِيع شَىءٌ من ذلك مُؤَجَّلًا أو بِلَا قبضٍ وقعَ الرِّبا فلم يصحَّ البيعُ.

  (ولا) يصِحُّ (بيعُ ما ابتاعَه) أي اشتـراه الشخص (حتـى يقبضَهُ) سواء باعه للبائع أم لغيـره ويـختلف قبضُه باختلافِ الـمَبيع فإن كان مِـمَّا يُتناولُ باليدِ ككتابٍ وثوبٍ فقبضُهُ بتناولهِ وإن كان لا يُتناولُ بـها لكنه منقولٌ كفرسٍ فقبضُهُ بنقلِه إلى مـحلٍّ لا يـختصُّ بالبائع وإن كان غيـرَ منقولٍ كبيتٍ فقبضُهُ بتخليتِهِ بأن يُـمَكَّنَ الـمشتـرِي منه وتفريغِهِ مِن أمتعةِ غيـرِهِ.

  (ولا) يـجوز (بيعُ اللَّحمِ) ونـحوه كالكبد والطـحال (بالـحيوان) سواءٌ كان مِن جنسِه كبيعِ لـحمِ شاةٍ بشاةٍ أم مِن غيـر جنسِه كبيعِ لـحمِ بقرةٍ بشاةٍ ولا فرقَ بيـن الـحيوانِ الـمأكولِ وغيـرِهِ هنا كما لو باعَ لـحمَ بَقَرٍ بـحمارٍ فإنه لا يصِحُّ.

  (ويـجوزُ بيعُ الذهبِ بالفضةِ متفاضلًا) لكن (نقدًا) أي حالًّا مقبوضًا قبل التفـرق واختيارِ اللُّـزُومِ. (وكذلك الـمطعوماتُ لا يـجوزُ بيعُ الـجنسِ منها إلا بـمثلِه متماثلًا) يقينًا بأن يُعلم يـماثُلهما في الـمعيار الشرعيِّ كالكيل في القمح والذُّرة والشعيـر (نقدًا) أي حالًّا مقبوضًا قبل التفـرُّقِ واختيار اللُّـزوم. ويُرجع في الـمعيار إلى عادة أهل الـحجاز في زمن النبـيِّ عليه الصلاة والسلام فـما كان يكال وقـتـئذٍ فالكَيلُ معيارُه وما كان يُوزَن فالوزنُ معيارُهُ ولا عبـرةَ بالوزن فـيما يُكال ولا بالكيل فـيما يُوزن. وتعتبـرُ الـمماثلة في الـحبوب والثمار بعد الـجفافِ كما سيأتي.

  (ويـجوزُ بيعُ الـجنسِ منها) أي الـمطعوماتِ (بغيـرِهِ متفاضلًا) لكن (نقدًا) أي حالًّا مقبوضًا قبل التفرق، فلو تفـرَّقَ الـمتبايعان قبل قبضِ كُلِّه بطلَ أو بعد قبضِ بعضِه ففيه قولَا تفريقِ الصَّفْقَةِ وأصحُّهُما الصحةُ في الـمقبوض دون غيـره.

والـحاصلُ أنَّ طَرَفَـيِ الـمعقودِ عليه إن اتفقت عِلَّتُهُما نقدًا أو طعمًا واتـحد جنسهما كذهب بذهب وقمح بقمح وإن اختلف النوعُ اشتُـرِطَ ثلاثةُ شروطٍ التماثلُ والـحلولُ والتقابضُ وإن اختلف الـجنس اشتُـرِطَ الـحلولُ والتقابضُ دون الـمماثلة وإن لـم تَتَّحد العلةُ لـم يُشتـرط شىءٌ زائدٌ على شروط البيع.

  (ولا يـجوز بيعُ الغَـرَرِ) وهو لغةً الـخَطَرُ والـمقصودُ هنا التردًّدُ بيـن شيئيـنِ أغلبُهما أخوفُهما أو مـجهولُ العاقِبَةِ فلا يصحُّ البيعُ الذي اشتمل على ذلك كبيعِ الـمجهولِ كعبدٍ مِن عبيده أو ما لا قُدرةَ على تسليمه كطيـرٍ في الهَـواء وسـمكٍ في البحر ونـحو ذلك.