الخميس نوفمبر 21, 2024

فصل في التحذير من كتاب معراج التشوف

 

ومن الكتب التي يجب التحذير منها كتاب “معراج التشوف” المنسوب لابن عجيبة فإن فيه أن من أسماء الله التي تطلقها الصوفية على الله الخمرة وفيه كلام معناه اتحاد الله بالخلق نقل فيه هذا البيت:

 

وما الكون في التمثال إلا كثلجة *** وأنت لها الماء الذي فيه نابع

وما الثلج في تحقيقنا غير مائه *** وغيران في حكم دعته الشرائع

 

وهذان البيتان من كتاب “القصيدة العينية” لعبد الكريم الجيلي مؤلفة من ثمانمائة بيت على حرف العين.

 

وكذلك ينبغي أن يحذر من كتاب “الفتاوى الحديثية” المنسوبة لابن حجر الهيتمي فإن فيه القول بأن غبار نعل فرس معاوية في الغزو كان أفضل من عمر بن عبد العزيز منسوبًا إلى عبد الله بن المبارك رضي الله عنه وهذا الكلام مخالف للقرءان والحديث لأن عمر بن عبد العزيز عالم مجتهد تقي زاهد فكيف يفضل عليه غبار نعل فرس معاوية والله تعالى يقول: {إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم} [سورة الحجرات/13] والرسول عليه السلام قال: “إن أولى الناس بي المتقون مَنْ كانوا وحيث كانوا” [1] أي أن التقي أفضل من غير التقي إن كان من الصحابة أو من غير الصحابة من غير فرق بالنسب فكيف يقال هذا الكلام الذي هو ضد القرءان والحديث. وقد قدمنا ذكر ذلك.

 

وليحذر أيضًا ما في كتاب “البحر الرائق” نقلاً عن “التجنيس” من جواز كتابة الفاتحة بالبول والدم إن علم فيه شفاء، فإنه لا يحتاج إلى كتابة شئ من القرءان بالبول وأي حاجة إلى ذلك؟ ولو احتيج إليه فكيف يجوّز هذا ثم كيف يدعي مُدّع أن كتابة الفاتحة بالبول فيها شفاء. وكذلك لا حاجة للاستشفاء بكتابة شئ من القرءان بالدم. وكيف لا يحصل الشفاء بالكتابة بالمداد أو بالزعفران المخلوط بالماء وغير ذلك من أشياء كثيرة من الطاهرات.

 

وقد ذكر ابن عابدين نفسه في ثبت شيخه العقاد أنه لا يجوز كتابة شئ من القرءان بالدم [2]، وذكر أيضًا في كتاب “الجنائز” [3] المنع من كتابة يس والكهف على الكفن لأن فيه تعريضًا للنجاسة وهو ما يسيل من الميت من القيح والصديد. وكتابة الفاتحة بالبول شبيهة بما قالوا من أن إلقاء المصحف في القاذورة ردة.

 

ومما يجب التحذير منه حديث باطل موضوع في نسخة سقيمة من كتاب الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان وهو أن ءادم ونوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى عندما يذهب إليهم الناس يوم القيامة للشفاعة يقول كل واحد إني أخاف أن يطرحني الله في النار، وهذا تكذيب للقرءان والسنة والإجماع لأن الأنبياء وكل الصالحين لا يحصل لهم خوف من النار ولا من غيره من أي أنواع النكد لا في القبر ولا في الآخرة، دل على ذلك قوله تعالى: {ألا إنّ أولياء الله لا خوفٌ عليهم ولا هُم يَحزنون} [سورة يونس/63] وقوله تعالى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافو ولا تحزنوا وأبشروا بالجنةِ التي كنتم توعدون} [سورة فصلت/30]، وحديث: “ما من نفس تموت لها عند الله خير تحب أن تعود إلى الدنيا ولو أن لها الدنيا وما فيها” [4]، كما أن هذه اللفظة زيادة غير موجودة في طرق الحديث المعروفة.

ومن كتب هذه العبارة وهو يفهم المعنى عند كتابته وسكت عليه كفر لأن من المعلوم عند كل مسلم الصغير والكبير أن الأنبياء لا خوف عليهم في الآخرة ولا في القبر ولا يصيبهم نكد مطلقًا، فليتق الله من يبيع هذه النسخة المطبوعة وليغير بالضرب عليه.

 

تنبيه: ما ذُكر من وجوب تغيير المنكر باليد فإن لم يستطع الشخص ذلك فباللسان مشروط بكون إنكار هذا المنكر لا يؤدي إلى منكر أعظم وإلا حرم الإنكار. وقد نص الفقهاء أن المسلمين إن عجزوا عن مقاتلة الكفار وعلموا أنهم إن فعلوا يصطلمهم الكفار أي يبيدونهم حرم عليهم القتال عندئذ عملاً بقوله تعالى: {ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة} [سورة البقرة/195] وعملاً بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه” قيل وكيف يذل نفسه يا رسول الله قال: “يتعرض لما لا يطيق من البلاء” رواه الترمذي والبيهقي بل نص الإمام المجتهد أبو بكر بن المنذر على أنه يجوز مصانعة الكفا عندئذ بمال يدفع إليهم إن احتيج إلى ذلك لدفع أذاهم عن المسلمين فإن الجهاد إنما شرع لإعلاء كلمة الله لا لإذلال المسلمين وإبادتهم فالقتال في هذه الحال مؤد إلى عكس المقصود من الجهاد فيمتنع.

ولسنا نقول ذلك لظننا أن الإنكار باللسان غير مستطاع في أيامنا بل هو مستطاع ولم نكتب رسالتنا هذه إلا قيامًا بواجب إنكار المنكر وتنبيهًا على أهميته وإنما أردنا بيان حكم الشرع فقد يجد الشخص نفيه في حال لو أنكر فيها المنكر بيده أو لسانه لأدى ذلك إلى زيادة المنكر لا إلى تغييره وإزالته. والله أعلم.

تمت الرسالة والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد سيد المرسلين وءاله الطاهرين.

[1] أخرجه أحمد في مسنده [5/235].

[2] عقود اللآلي في الأسانيد العوالي [ص/187].

[3] رد المختار على الدر المختار [2/246].

[4] رواه مسلم في صحيحه: كتاب الإمارة: باب فضل الشهادة في سبيل الله تعالى.