فصل في التحذير من فتحي يكن
قال الله تبارك وتعالى: {كُنتم خير أمةٍ أخرِجَت للناسِ تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} [سورة ءال عمران/110].
قيامًا بهذا الواجب وإظهارًا للحق وتمييزًا له عن الباطل حصل لقاء بتاريخ 14 أيلول 2004 بيننا وبين الدكتور فتحي يكن قمت فيه بشرح بعض أسس العقيدة الإسلامية الصحيحة وذكرت بهذه المناسبة السلطان صلاح الدين الأيوبي والسلطان محمدًا الفاتح أنه كان أحدهما أشعريًا والآخر ماتريديًا وأنّ أهل السنة اليوم هم الأشعرية والماتريدية. وبينتُ خطر الفكر المتطرف الذي يكفّر البشرية جمعاء ويستحل دماءها وأموالها المتمثل بما قاله الكاتب المصري المعروف سيد قطب والذي كفّر كلّ إنسان لا ينتمي إلى جماعته بما يشمل رعاة الغنم ومؤذني المساجد.
وقد استمر اللقاء نحو ساعة لم يتكلم فيها الدكتور فتحي بكلمة واحدة تعارض ما قلته. وقد أصدر بعد اللقاء بيانًا عبر مكتبه الإعلامي زعم أنه لم يكن بين المجتمعين في هذا اللقاء أي خلاف متعلقٍ بالأسس والأصول وإن كان قد أهمل تمامًا الإشارة إلى ما جرى ذكره من شذوذ سيد قطب وخطر فكره.
لكن بعد أسبوع من ذلك صرّح في المجلة التابعة لحزبه المسماة “الأمانة” قائلاً إن فكر الشيخ عبد الله الهرري وجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (مخالف لما أجمع عليه السلف الصالح وعدول
هذه الأمة وفقهاؤها) مدافعًا عن سيد قطب وناعتًا له بالشهيد ومنتقدًا الحَملةَ عليه وعلى الشيخ فيصل مولوي الذي صرّح في مجلة “الشهاب” بأن (المجتمعات اليوم مجتمعات جاهلية مشرِكة). تجاه ذلك نقول لفتحي يكن:
أنت تدافع عن سيد قطب الذي يقول: “لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين إلى البشرية بلا إله إلا الله فقد ارتدت البشرية إلى عبادة العباد وإلى جور الأديان ونكصت عن لا إله إلا الله” إلى أن قال: “ارتدت البشرية بجملتها حتى أولئك الذين يرددون على المآذن كلمات لا إله إلا الله بلا مدلول أو واقع ارتدوا إلى عبادة العباد”.
وأنت تدافع عن سيد قطب عدوّ الفقه الإسلامي الذي قال في كتابه الظلال أيضًا (المجلد الرابع الجزء الثالث عشر/ص2012) عن الاشتغال بالفقه الإسلامي في هذه الأيام بأنه مضيعة للعمر وللأجر أيضًا.
وأنت تدافع عن سيد قطب الذي يسمي الله في أكثر من كتاب عقلاً وقوة وريشة وهي تسميات تبرّأ منها علماء الإسلام وقالوا بأنها من الإلحاد في أسماء الله.
وأنت تدافع عن سيد قطب الذي يكذب صريح قول الله تعالى: {وخلقَ منها زوجها} [سورة النساء/1] ويقول: “إن حواء خُلِقت خلقًا مستقلاً ولم تُخلق من جزء من أجزاء ءادم”. وقد أجمع المسلمون وسائر أهل الأديان على أن حواء خلقت من ضلع ءادم.
وأنت تدافع عن سيد قطب الذي يقول في “ظلاله” [6/841]: “ومن اتبع غيره –أي غير حكم الشرع- ولو في حكم واحد فقد رفض الإيمان واعتدى على ألوهية الله وخرج من دين الله مهما أعلن أنه يحترم العقيدة وأنه مسلم”.
وأنت تدافع عن سيد قطب الذي يقول بأن الله حالٌّ منبث بذاته في كل مكان فيقول في تفسير سورة الحديد من “ظلاله” عن الآية {وهو معكم أينَ ما كُنتم}: “وهي كلمة على الحقيقة لا على الكناية والمجاز والله تعالى مع كل شئ ومع كل أحد في كل وقت وفي كل مكان”.
وأنت تدافع عن سيد قطب الذي صار كتابه المسمى “معالم في الطريق” دستورًا لكلّ جماعات تقتيل الأبرياء وتفجير ممتلكاتهم وخطفهم وتذبيحهم.
هذا هو سيد قطب الذي تدافع عنه.
فإما أنك تجهل أفكاره وأقواله فها نحن قد أعلمناك بها ويسهل عليك أن تتأكد مما ذكرناه عن الرجل ونقلناه عنه، فافعل ذلك ثم حذّر الناس من هذه المخالفات للشرع والتكذيب له كما نحن نحذر لأنّ الساكت عن الحق شيطان أخرس.
وإما أنك تعلم أفكاره وأقواله ومع ذلك تدافع عنه فأنت بذلك بميزان الشرع شريك له في الذنب والوِزر داعٍ لما يدعو إليه.
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة *** وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
أما فيصل مولوي الذي تدافع عنه أليس هو الزاعم بأن الكفر مباح لا إثم فيه كما نقلت ذلك عنه مجلة حزبه المسماة “الأمان” في عددها الانتخابي الصادر عام 200 ذي الرقم 420 ونص كلامه: “لأن الله عز وجل عندما أباح لمن يكفر به أن يكفر…” الخ.
فهل هذا الكلام دسّ عليه كذبٌ من جماعته أن أيش!.
أليس هو الذي قال لشاب في السادسة والثلاثين من العمر لا
يحلو له عند الغضب إلا أن يكفر ويشتم الخالق: “أنت مسلم يا أخي إن شاء الله” فنفى عنه الكفر مع تصريحه بشتمه لله تعالى ولم ينصحه حتى أن يرجع إلى الإسلام بالنطق بالشهادتين. ذكر ذلك في مجلة “الشهاب” في العدد الخامس عشر.
أليس هو القائل في العدد التاسع من مجلة “الشهاب” بأنه “لا يجوز التكلم مع البنات من أجل الدعوة إلى الإسلام ولو كان الكلام في حدود الحشمة والأدب” ألم يعلم “الشي” فيصل بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يدرس النساء وبأن من لا يُحصى بعده من الصحابة والتابعين وأتباعهم كانوا يدرسون النساء مع وجود فقيهات بين النساء في أزمانهم.
أليس “الشيخ” فيصل هو الذي قال “إن الحرام لا يتجاوز ذمتين” وجعلها قاعدة فقهية بزعمه، كما في العدد الثاني من مجلة “الشهاب”. ومعنى كلامه أن الرجل إذا سرق مالاً فأعطاه لآخر ثم أخذه منه ثالث جاز له ذلك مع علمه بأنه من حرام. ولعل هذا ما يفسر ما ذكره النائب المصري أحمد طه وغيره من المتاجرة بالمخدرات وتهريب السلاح للمجرمين التي يقوم بها ما يسمى “بنك التقوى” المتمركز في جزر الباهاماس والذي “للشيخ” فيصل مولوي و”الشيخ” يوسف القرضاوي اسمان بين المؤسسين له.
أليس “الشيخ” فيصل هو الذي يحرم في العدد الحادي والعشرين من مجلة “الشهاب” اقتناء التلفزيون! ونحن نتساءل كم جهازًا للتلفزيون يوجد في بيته وبيوت أتباعه!!!
أليس فيصل مولوي هو الذي قال في العدد التاسع من مجلة “الشهاب”: “يجب عليك أن تعلم أن الإقامة في بلاد الكفر لا تجوز”.!! ونحن نتساءل كم مركزًا لجماعته وتابعيه وحزبه في تلك البلاد؟ وكم من أعضائه يقيمون هناك؟ أليس ما يسميه “مركز الإفتاء
الأوروبي” الذي هو عضو فيه مقره “دبلن”؟ أم أن “دبلن” عنده تعتبر من بلاد الإسلام.
أيها الدكتور فتحي يكن هذه أمثلة عن فتاوى سيد قطب وفيصل مولوي التي نحذر منها ونخالفهما لأجلها. ونحن نقول إن أقوالهما هذه مخالفة لدين الله، أما أنت فتدافع عنهما.
فإن زعمت أن أقوالهما هذه صحيحة فبيّن لنا بالحجة والدليل من القرءان والسنة وأقوال الأئمة المجتهدين. بل نحن نتحداك أن تفعل ذلك.
فإن لم يكن عندك دليل فاسكت عن التعرض لنا وإن لم تكن تريد أن تساعدنا في بيان الحق.
وإنا لنعجب من قولك إن ما نعمله ونقوله [مخالف لما أجمع عليه السلف الصالح وعدول هذه الأمة وفقهاؤها].
فهل ذلك من أجل العقيدة التي نتبعها وهي عقيدة الصحابة والتابعين العقيدة الأشعرية والماتريدية!
فماذا تقول إذًا في السلطان صلاح الدين الذي نحن على عقيدته الأشعرية؟
وماذا تقول في السلطان محمد الفاتح الذي هو عقيدته ماتريدية؟
ماذا تقول في مشايخ بيروت وطرابلس ومفاتيها كالشيخ أبي المحاسن القاوقجي، والشيخ وهيب البارودي، والمفتي الشيخ عبد الباسط الفاخوري، والشيخ عبد الرحمن الحوت، والمفتي الشيخ مصطفى نجا، الأشاعرة الماتريدية، ومنذ ألف سنة أين أهل السنة غير الماتريدية والأشعرية.
أم أنك تدافع عن قطب ومولوي لأنك لا زلت على عقيدتهما من تكفير البشرية كما ذُكر في كتابك “كيف ندعو إلى الإسلام” [ص/
112] حيث قلت: “والسوم يشهد العالم أجمع ردة عن الإيمان بالله وكفرًا جماعيًا وعالميًا لم يعرف لهما مثيل من قبل” فكفّرت والعياذ بالله مليارًا ونصفًا من المسلمين يا فتحي، ذكرت أننا نكفر فلانًا وفلانًا أشخاصًا أقل من عشرة وأنت كفّرت كل الأمة.
روى البخاري عن معاوية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا يزال أمر هذه الأمة مستقيمًا حتى يأتي أمر الله” أي أن المسلمين لا ينقطعون إلى يوم القيامة. وفي الحديث الثابت الآخر: “لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى تقوم الساعة”. أنت ومن وافقك نفيتم معنى هذين الحديثين حتى قلت ما قلت من تلك الكلمة التي مر ذكرها، أين كلامك وأين حديث رسول الله.
وقال سيد قطب في كتابه المسمى “العدالة الاجتماعية في الإسلام” [طبع دار الكتاب العربي – مصر ص 174] ما نصه: “فلا يأخذ أحد الإسلامَ بمعاوية أو بني أمية فهو منه ومنهم بريء” اهـ. وكلامه هذا فيه تكفير معاوية وتكفير بني أمية ومنهم سيدنا عثمان وسيدنا عمر بن عبد العزيز فماذا تقول فيه وهو يكفرهم بغير حق. وهل تقول فيه ما تقول فينا أم أنك تكيل بمكيالين. نحن كفّرنا من كفّرناه بدليل شرعي، ما كفرناهم جزافًا ومن أراد البيان فليأت إلينا وأما أنت أعدّ جوابًا عن زعيمك الذي تدافع عنه سيد قطب في تكفيره لمعاوية وبني أمية.
وتكفير من تكلم بكلمة الردة هو من دين الله ولم يزل السلف والخلف على ذلك.
هذا الإمام الأوزاعي المجتهد السلفي كفّر أبا مروان غيلان الدمشقي وقال للخليفة هشام بعد أن ناظره بعلم الخليفة وقطعه: “كافر ورب الكعبة يا أمير المؤمنين”، فماذا تقول؟ هل تقول إن
كلامك هذا حق أم باطل؟ وهل كلامك اليوم هو عين كلامك السابق؟ أم أنك تلقي الكلام كل مدة على عواهنه من غير أن تعرف ما يصيب منه مما يخطئ!!
يصيب ولا يدري ويخطئ وما درى *** وكيف يكون الجهل إلا كذلك
نحن نطالبك أن تذكر ما هذا الذي تدعي أننا نخالف فيه إجماع الأمة وأن تثبت مخالفتنا المزعومة بالدليل. فإن لم يكن عندك دليل فاتق الله واعلم أنك صائر إلى القبر حيث تلقى ما قدّمت.
إلى دَيّان يوم الدين نمضي *** وعند الله تجتمع الخصوم.
وقد ادعيت أنك في الماضي دعوتَ إلى عقد مناظرات علمية معنا، إن صدقًا وإن كذبًا، فها ميدان المناظرة مفتوح أيّ يوم تريد حتى نثبت الحجة في تكفير من ذكرت أننا كفرناهم والذين شرب أكثرهم من عَكِر مشرب سيد قطب، وليتميز عند من له فهم من يتبع جمهور الأمة ويتمسك بأقوال الأئمة ومن يخالف السلف والخلف وعدول الأمة وأئمتها.
وسترى الفضيحة مثل فلق الصبح.