فصل في التحذير من حسن قاطرجي اللبناني
حسن قاطرجي لا يؤول ءايات الصفات والأحاديث المتشابهات تأويلاً تفصيليًا موافقةً للوهابية لكن يقول كما يقولون ما صورته تأويل إجمالي لا على معناه الذي كان يريده الأئمة مالك وسفيان الثوري وغيرهما من قولهم نؤمن بذلك بلا كيف فإنه يقول هذا اللفظ كما يقول الوهابية لكن اعتقادًا يثبتون الكيف بل يسمون من يؤوّل التأويل التفصيلي كالذي يؤول الاستواء على العرش بالقهر تعطيلاً وإلحادًا. وكثيرًا ما يقولون: “التأويل تعطيل”، معناه أنه كفر بزعمهم أي نفي لما أثبت الله ورسوله على زعمهم.
نقول: قد أوَّل بعض السلف ممّن هو قبل مالك تأويلاً تفصيليًا فقد أوّل عبد الله بن عباس {يومَ يُكشَفُ عن ساقٍ} بأن الساق الشدة الشديدة وقال الحافظ ابن حجر إن قول عبد الله بن عباس هذا له إسنادان جيدان أي صحيحان، فما أشد عمى الوهابية فقد انتهى بهم اتباع هواهم إلى تكفير الصحابي الذي أوَّل هذا التأويل وهو عبد الله بن عباس ترجمان القرءان فإن هذا على مقتضى كلامهم كفرٌ وحاشا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن يقول كفرًا. وكذلك من التابعين من أوَّل تأويلاً تفصيليًّا، فبانَ أن الوهابية يكفرون السلف والخلف ولا يغترَّ بقولهم بلا كيف.
والعجب منهم يقولون التأويل تعطيل ويؤولون الآيات والأحاديث التي ظواهرها توهم أن الله في جهة الأرض كآية {فأيْنما تُوَلُّوا فثَمَّ وجهُ الله} [سورة البقرة/115] وءاية: {وقالَ إني ذاهِبٌ إلى ربي سَيَهْدينِ}
[سورة الصافات/99] فإن هذه الآية تخبر عن إبراهيم حين أراد التوجه من بلده إلى فلسطين. وإذا قيل لهم: كيف تأولون هذه ولا تأولون النصوص التي ظواهرها أن الله مستقر على العرش أو في السماء؟ قالوا: لأن جهة فوق كمال وجهة تحت نقص ولم يدروا أن كمال الله ليس بالجهة كما ظنوا.
وينقض قولَهم هذا حديث: “أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد”، لأنه على قول الوهابية يكون العبد أقرب إلى ربه وهو قائم لأن القائم أقربُ إلى العرش بالمسافة من الساجد، والمسافة بين رأس القائم إلى العرش أقصر من المسافة التي بين العرش وبين الساجد فسبحان الذي طمس بصائرهم فعلى موجب كلامهم القائم أقربُ إلى الله وهذا الحديث الصحيح أخرجه مسلم وغيره [1]، ولا جواب لهم عنه.
وقد وصل بعض الوهابية إلى عقيدة لم تنقل عن أحد من طوائف البشر وهي اعتقاده أن الله تعالى محيط بالعالم إحاطة حِسّية جعلوا الله تعالى كالكرة التي تحيط بما في جوفها وممن قال بهذا الألباني وبعض تلاميذه، فقد ذكر الألباني ذلك في تأليفه الذي سماه “صحيح الترغيب والترهيب” [2] وقد شافهني بعض تلاميذه بدمشق الشام من نحو أربعين سنة بذلك فإنه فسّر قول الله تعالى {وكانَ اللهُ بكلِّ شئٍ مُحيطًا} [سورة النساء/126] على الظاهر وهذا شأن من فسّر ظواهر النصوص القرءانية والحديثية المتشابهة على الظاهر.
[1] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الصلاة: باب ما يقال في الركوع والسجود، وأبو داود في سننه: كتاب الصلاة: باب في الدعاء في الركوع والسجود، والنسائي في سننه: كتاب التطبيق: باب أقرب ما يكون العبد من الله عز وجل.
[2] انظر كتابه المسمى “صحيح الترغيب والترهيب” [ص/116].
ثم إن حسن قاطرجي يعلم أن الوهابية يكفرون من ليس منهم بما فيهم من الأشاعرة والماتريدية ولا ينكر عليهم هذا بل يداهنهم. وهل يخفى عليه تكفيرهم لكلّ من ليس منهم بل يعلم أن الوهابية يقولون الأشاعرة معطلة أي ينفون وجود الله ويقولون التأويل تعطيل. وقد ثبت التأويل التفصيلي عن السلف والخلف كما قدمنا فقد ثبت عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أنه أوّل ءاية: {يومَ يُكشفُ عن ساقٍ} [سورة القلم/42] بأن معنى الساق الشّدة الشديدة، ويعلم حسن قاطرجي أن الوهابية يفسّرون الساق بالعضو المعروف ولا يقبلون تأويله بما تأوّل به عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وعبد الله بن عباس هو ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم الذي دعا له الرسول بفهم القرءان والحكمة قال علبه السلام: “اللهم علّمه الحكمة وتأويل الكتاب” [1] رواه البخاري والإمام أحمد ولفظ البخاري: “اللهم علمه الكتاب” اهـ.
وقد رأيت له عبارة ينتقدنا فيها على التأويل التفصيلي، ونحن وافقنا في ذلك السلف والخلف، ما ابتدعنا بدعةً ونرى التأويلين حقًّا التأويلَ التفصيلي والتأويلَ الإجمالي. التأويلُ التفصيلي كتأويل ابن عباس لتلك الآية وتأويل الإمام أحمد {وجاءَ ربُّكَ} [سورة الفجر/22] بمجيء القدرة تنزيهًا لله تعالى عن الحركة والانتقال من جهة إلى جهة. والتأويل الإجمالي هو قول بعض السلف كمالك بلا كيف، وكلا التأويلين تنزيه ليس تجسيمًا كما تدّعي الوهابية أن قول بلا كيف لا ينافي التجسيم لكن يريدون إيهام الناس بأنهم مع السلف وهيهات هيهات.
ومن ضلالات حسن قاطرجي قوله بوجوب تغطية المرأة لوجهها
[1] أخرجه ابن ماجه في سننه: المقدمة: فضل ابن عباس رضي الله عنهما.
إذا خرجت من بيتها ووجوب لبس الجلباب على النساء فإنه بقوله هذا أوجب ما لم يجب بإجماع العلماء وهذا نصه في مجلته المسماة “منبر الداعيات” العدد الرابع ص/25 أيلول 1995ر: “اتفق أهل العلم على أن المرأة يجب عليها إذا خرجت من منزلها أن تلبس الجلباب فوق ثيابها”.
فهو بقوله هذا يناقض الإجماع الذي نقله جمع وهو أنه يجوز للمرأة الحرّة كشف وجهها بالإجماع وعلى الرجال غضّ البصر، نقل ذلك جمع منهم القاضي عياض من المالكية وغيره، وعدد من الشافعية كما ذكر ابن حجر الهيتمي ذلك في حاشيته على شرح الإيضاح فقال ما نصه [1]: وإلا فهو ذهول عما قالوه في باب النكاح من أنه يجوز لها كشف وجهها إجماعًا وعلى الرجال غض البصر” اهـ.
والشاهد في قوله: “قالوه” لأنه لفظُ جمعٍ فبهذا تبين أن الإجماع انعقد على أنه لا يجب على المرأة تغطية وجهها.
ولم يقل أحد من الأئمة بأن لبس الجلباب واجب على النساء لا للصلاة ولا للخروج بل ذكروا أنه مستحب. وهذا مما يدل على اعتماده على جسارة نفسه فإن كان عنده علم بأن أهل العلم اتفقوا على ذلك فليذكر أين هذا الاتفاق الذي ادعاه فهل يصح إجماع ضد إجماع سابق.
ويكفي في نقض قوله ما رواه أبو داود في سننه بإسناد صحيح [2] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار قال: “إذا كان الدرع سابغًا يغطي ظهور قدميها” والخمار بإجماع أهل
[1] انظر الكتاب [ص/131].
[2] أخرجه أبو داود في سننه: كتاب الصلاة: باب في كم تصلي المرأة.
اللغة ما تغطي به المرأة رأسها والدرع قميص المرأة، فمعنى الحديث أنه يصح للمرأة أن تصلي في درع وخمار بشرط أن يكون هذا الدرع يغطي ظهور قدميها ومن هنا يُعلم أن الجلباب ليس فرضًا على النساء لأن الجلباب هو الثوب الذي تلبسه المرأة فوق ثيابها فوق الخمار وفوق الدرع من رأسها إلى رجليها، وهذا هو القول الصحيح في معنى الجلباب قال ذلك السيوطي والنووي والقرطبي وغيرهم، وهو الذي يسمى عند العرب المُلاءة ويعرف عند أهل فارس بالشادور.
ولعل حسن قاطرجي أفتى بهذه الفتوى ليُرضي الوهابية لأن الوهابية حرام عندهم كشف المرأة وجهها ولو في البيت إذا كان زوج المرأة وإخوته في البيت.