(فصلٌ) في أحكام الْمُخَابَرَةِ والْمُزَارَعَةِ.
قِيلَ هما بمعنًى لغةً وقيلَ لا. والمخابرةُ هي عملُ العاملِ في أرض المالك ببعضِ ما يخرج منها والبَذْرُ من العامل فهي استئجارٌ للأرضِ ببعضِ ما يخرج منها وأما المزارعةُ فهي عملُ العامل في أرض المالك ببعض ما يخرج منها والبذرُ من المالِكِ فهي اسئجارٌ للزَّرَّاعِ ببعضِ ما تُخرِجُهُ الأرضُ وكلاهما عقدٌ فاسدٌ إلا أنَّ المزارعةَ تجوزُ إذا كانت تابعةً للمساقاةِ كما سيأتي.
والأصل في منعِهما حديثُ الصحيحينِ عن جابرٍ أنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم نهَى عنِ المخابرة اهـ وما رواهُ الشافعِيُّ رضي الله عنه عن ابنِ عمرَ رضي الله عنهما قال كنا نخابر أربعين سنة ولا نرى بذلك بأسًا حتى ورد علينا رافع بن خَديجٍ فأخبرَنا أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم نهَى عن المخابرة فتركناها لقول رافع اهـ وأخرجه مسلمٌ بمعناه اهـ وحديثُ مسلمٍ أنه عليه الصلاةُ والسلامُ نهَى عن المزارعةِ.
(و)بيانُ ذلك أنه (إذا دفعَ) شخصٌ (إلى رجلٍ أرضًا ليزرَعها وشَرَطَ له جُزءًا معلومًا مِن رَيْعِها) أي غلَّتِها (لم يَجُزْ) ذلك ولا فرق فيه بين ما كان البذرُ فيه من المالك أو العامل. نعم إن بَنَى على العقد الفاسدِ وأتمَّ الزرع وحصدَ كان الزرعُ في المخابرةِ للعامل لأنه يتبعُ البذرَ وهو مِلْكٌ له وعليه للمالكِ أجرةُ مثلِ الأرضِ وفي المزارعةِ يكونُ الزرعُ للمالك وعليه للعاملِ أجرةُ مثلِ عملِهِ. وتصحُّ المزارعةُ لا المخابرةُ تَبَعًا للمُسَاقاةِ فلو دفعَ لشخصٍ أرضًا فيها نخلٌ وإن قلَّ فساقاه عليه وزارَعُ على الأرضِ جازت هذه المزارعةُ تبعًا للمساقاةِ بشرطِ تَقَدُّمِ لفظِ الْمُساقاةِ في العقدِ واتِّحادِ العاملِ وعدمِ الفصلِ بين العقدين وعُسْرِ إفرادِ النخلِ أو العنبِ بالسَّقْيِ.
(وإن أَكْرَاهَا) أي ءَاجَرَ الرجُلَ الأرضَ (بذهبٍ أو فضةٍ أو شَرَطَ له طعامًا معلومًا في ذمتِه) أجرةً (جازَ) ذلك العقدُ وكان إجارةً للأرضِ كما هو ظاهرٌ.