الخميس ديسمبر 12, 2024

(فصلٌ) في أحكام الوديعةِ وهي فعيلةٌ من وَدَعَ بمعنَى تركَ واستقرَّ وسكَنَ.

  وتُطلق لغةً على الشَّىءِ الْمُودَعِ عند غير صاحبِه للحِفْظ وشرعًا على العقدِ المقتضِي للاستحفاظ أي لطَلَبِ الحِفظ أي فهيَ توكيلٌ بحفظِ مملوكٍ أو مُخْتَصٍّ.

  والأصلُ فيها قبل الإجماع ءَايةُ النِّساءِ (إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ ٱلْأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهْلِهَا) وخبرُ أبي داودَ والترمذيِّ أدِّ الأمانةَ إلى مَنِ ائْتَمَنَك ولا تَخُنْ مَنْ خَانَك اهـ

  وأركانُها أربعةٌ عينٌ وديعةٌ أي مُودَعَةٌ ومودِعٌ بكسرِ الدال على وزنِ الفاعلِ ووديعٌ بمعنَى مُودَعٍ بفتحِ الدالِ على وزنِ المفعولِ وصيغةٌ كاستحفظْتُكَهَا واحفظْهَا ويُشترطُ القبولُ ولو بالقبضِ فلا يُشترطُ فيه لفظٌ.

  (والوديعةُ أمانةٌ) في يدِ الوديع (ويُستحبُّ قَبُولُها لِمَنْ قامَ بالأمانةِ فيها) بأن قَدَرَ على حفظِها ووثِقَ بأمانةِ نفسِهِ فيها إن كان ثَمَّ غيرُهُ وإلا بأن لم يكن هناكَ أمينٌ غيرُه وخُشِيَ ضياعُها وجبَ قبُولُها قوله (وجب قبولها) قال الشهابُ الرمليُّ في حاشيته على أسنى المطالب ومُقتضاهُ أن يكونَ حفظُها عندئذٍ فرضَ كفايةٍ اهـ كما أطلقَه جمعٌ وله أجرة الحِفظِ وأجرةُ الحِرْزِ عندئذٍ على ذلك. ومَن عجزَ عن حفظها حرُم عليه قبولُها ولو كان أمينًا لأنه يُعرِّضُها للتلفِ وأما مَن قدرَ على حفظها لكنه لم يثِقْ بأمانةِ نفسِهِ فيُكْرَهُ له قبولُها قوله (فيُكرَهُ له قبولُها) كما في المنهاج أي ولا يحرُمُ لأنه لا يلزمُ مِن مجرَّدِ الخشيةِ وقوعُ الخيانةِ ولا غلبةُ الظنِّ بوقوعِها ومِن ثَمَّ لو غلبَ على ظنِّهِ وقوعها منه حرم عليه قبولُها. ويحرُمُ على غيرِ المالكِ كَوَلِيِّهِ إيداعُ مَن لم يثِقُ بأمانتِهِ وإن ظنَّ أنه لا يخونُ ويحرُمُ على الوديعِ قبولُها منه عندئذٍ.

  (ولا يضمنُ) الوديعُ الوديعةَ (إلا بالتَّعَدِّي) والتفريطِ فيها وصورُ التَّعَدِّي كثيرةٌ منها أن يودِعَ الوديعة عند غيرِهِ بلا إذن من المالك ولا عذرٍ من الوديع. ومنها أن ينقلَها مِن حرزِ مثلِها إلى ما دونَهُ لا مجرَّدُ نقلِها إلى حرزِ مثلٍ هو دونَ حرزِها الأولِ قوله (إلى حرز مثلٍ هو دونَ حرزِها الأول) كما ذكرهُ الشيخُ ركرياءُ في تُحفةِ الطلابِ خلافَ ما ذكره في شرح الروضِ والبهجة وغيرهما واعتمدَهُ أي المذكورَ في البهجةِ ابنُ الرِّفْعةِ والأذْرَعِيُّ والرَّملِيُّ وغيرُهم أي إلَّا إن نهاهُ الْمُودِعُ عنِ النقلِ فيضمنُ بالتلفِ عندئذٍ.

  (وقوقُ الْمُودَع) بفتح الدال أي الوديعِ (مقبولٌ في ردِّها على المودِع) بكسرِ الدال بيمينِهِ عند المخاصمة. (وعليه) أي يجب على الوديع (أن يحفظَها) أي الوديعة (في حِرْزِ مثلِها) فإن لم يفعل فتلفت ضَمِنَ. (وإذا طُولِبَ) الوديعُ (بها) أي بالوديعةِ (فلم يُخْرِجْها) أي لم يُخَلِّ بينها وبينَ طالبِها (مع القدرةِ عليها) أي على التخليةِ (حتَّى تَلِفَتْ ضَمِنَ) بَدَلَها من مثلٍ أو قيمةٍ فإن أخَّرَ إخراجَها لعذرٍ كأن كان مشغولًا بصلاةٍ لم يَضمن لعدمِ تقصيرِهِ.

  والوديعةُ عقدٌ جائزٌ من الطرفينِ فتنفسخُ بما تنفسخُ به الوكالةُ.