الأربعاء ديسمبر 11, 2024

(فصلٌ) في أحكام القَذْفِ. وهو لغةً الرَّمْيُ. وشرًا الرَّمْيُ بالزِّنَى على جهةِ التَّعْيِير أي إلحاقِ العارِ بالْمقذوفِ فخرج بقولنا على جهة التَّعيييرِ الشهادةُ بالزِّنَى إذا لم ينقصِ الشهودُ عن أربعةٍ فإن نقصُوا عن ذلك كانت شهادتهم قذفًا لأنَّ ذلك في حكم التَّعيير حيث لم يحصُلِ الْمقصودُ من شهادتهم.

  وهو كبيرةٌ مِنَ الكبائر كما هو مُبَيَّنٌ في سورةِ النورِ في قولِهِ تعالى (إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْغَٰفِلَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ لُعِنُواْ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْءَاخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) وفي حديث الشيخين في السبع الْموبقات وعدَّ منها قذفَ الْمُحْصَناتِ. وفيه الحدُّ بالإجماعِ لقولهِ تعالى في سورةِ النُّورِ (وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَٱجْلِدُوهُمْ ثَمَٰنِينَ) الآيةَ.

  (وإذا قَذَفَ) بذالٍ معجمةٍ (غيرَه) رجلًا كان أو امرأةً أو خُنثَى (بالزِّنَى) صريحًا كانَ كقوله زَنَيتَ أو زنيتِ أو يا زانٍ أو يا زانيةُ أو يا قَحْبةُ أو كانَ كنايةً كقولِهِ يا فاجرُ أو يا فاسقُ مريدًا بذلك الزِّنَى (فعليه حدُّ القذف) إن لم يكن القاذف أصلًا للمقذوف كما سيأتي وأما التَّعْريضُ فلا حدَّ فيه كقوله لآخر في معرِضِ خُصُومتِهِ أو غيرِها يا ابنَ الحلال أو ليسَتْ أُمِّي بزانيةٍ أو ما أنا بزانٍ فليس لِمثل هذه الألفاظ حكم القَذْف وإن نواه لأنَّ اللفظَ لا يحتمل القذفَ أصلًا وإنما يُفهم القذف بقرائنِ الأحوال فلذلك يُسَمَّى بالتعريض.

  وإنما يجبُ الحدُّ (بثمانيةِ شرائطَ ثلاثةٌ) وفي بعض النسخِ ثلاثٌ (منها في القاذف وهو أن يكون بالغًا عاقلًا) ويلتحِقُ به السَّكرانُ الْمُتعدِّي فالصبيُّ والمجنونُ لا يُحَدَّان بقَذفِهما شخصًا (وأن لا يكون والدًا للمقذوف) فلو قذف الأبُ وإن علا أو الأمُّ وإن علَت الولدَ وإن سفلَ فلا حدَّ على القاذفِ لكنه يُعَزَّر ويُزادُ على ما ذكرَهُ أن يكون مختارًا فلا حدَّ على مُكْرَهٍ بفتح الراء في القذف وأن يكون ملتزمًا للأحكام فلا حدَّ على حربِيٍّ وأن لا يكون مأذونًا له في القَذْف فلو أذنَ له الْمقذوفُ في قدفِهِ ففعلَ فلا حدَّ عليه (وخمسةٌ) منَ الشروطِ (في الْمقذوف وهو أن يكون مسلمًا بالغًا حرًّا عفيفًا) عَنِ الزِّنَى وشبهَتِهِ كَوَطْءِ زوجتِهِ في دُبُرِها ووَطْءِ الْمملوكةِ الْمُشْتَرَكَةِ فلا حدَّ بقذفِ الشخص كافرًا أو صغيرًا أو مجنونًا أو رقيقًا أو زانيًا. وليس مِن شبهةِ الزِّنَى النكاحُ بلا ولِيٍّ ولا وَطْئُ الزوجةِ في الحيضِ. ولا تبطُلُ العِفةُ بوطءِ مُكْرَهٍ ولا بزنَى صبِيٍّ أو مجنونٍ ولا بمقدِّماتِ الزِّنا كقبلةٍ ونحوها.

  (ويُحَدُّ الحرُّ) القاذفُ (ثمانين) جلدةً (و)يُحَد (العبدُ أربعين) جلدةً.

 

 (ويَسقُطُ) عن القاذِفِ (حدُّ القذفِ بثلاثةِ أشياءَ) أحدُها (إقامةُ البَيِّنَةِ) على زِنَا الْمقذوفِ سواءٌ كان أجنبيًّا (أو) زوجةً وهيَ أربعةُ شهودٍ كما سيأتي وفي معناها الإقرارُ بالزِّنَى. وثانيها (عَفْوُ الْمقذوف) عن القاذف أي عفوُه عن جميع الحدِّ فلو عفَا عن بعضِهِ لم يَسقُطْ منه شَىْءٌ (أو) عفوُ جميعِ الورَثَةِ. والثالثُ (اللِّعانُ في حقِّ الزوجةِ) بأن يلاعِنَ الزوجُ زوجتَهُ كما تقدم في بابِه. ويُزادُ على ذلك رابعٌ وهو إقرارُ الْمقذوفِ بالزنا وخامسٌ وهو إرثُ الفاذفِ له وسادسٌ وهو امتناعُ الْمقذوف منَ اليمين فإنَّ للقاذف تحليفَ الْمقذوف على عدم زناه فإن حلفَ حُدَّ القاذفُ وإلا سقط عنه الحدُّ.