الخميس ديسمبر 12, 2024

(فصلٌ) في أحكام السَّلَمِ وهو والسَّلَفُ لغةً بـمعنًـى واحدٍ وشـرعًا بيعُ شىءٍ موصوفٍ في الذمة بلفطٍ خاصٍ. والأصل في جوازه قبل الإجماع ءايةُ البقرةِ (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰٓ أَجَلٍۢ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ) فسَّرَها عبدُ اللهِ بن عباس رضي الله عنهـما كما في سُنَـنِ البيهقِيِّ بالسَّلَمِ وخبـرُ الصحيحيـن مَنْ أسْلَفَ في شىءٍ فَلْيُسْلِفْ في كيلٍ معلومٍ ووزنٍ معلومٍ إلى أجلٍ معلومٍ اهـ

  (ويصحُّ السَّلَمُ حالًّا ومؤَجَّلًا) مع ذِكر الأجل فإن أطلق انعقد حالًّا في الأصحِّ.

وإنـما يصِحُّ السَّلَم (فيـما) أي في شيءٍ (تكاملَ فيه خـمسُ شرائط) أحدُها (أن يكون) الـمُسْلَمُ فيه (مضبوطًا بالصفة) التي يـختلف بـها الغرضُ في الـمُسْلَمِ فيه بـحيث تَنْتَفِـي بوصفِهِ الـجهالة فيه. ويُشتـرط أن لا يؤدِّيَ وصفُهُ لِعِزَّةِ الوجود كلؤلؤٍ كبارٍ وجاريةٍ وأختِها أو ولدِها إذ يعسُرُ وِجْدانُ كلٍّ منهما بالوصفِ النافي للـجهالةِ.

  (و)الثاني (أن يكون جنسًا لـم يـختلط به غيـرُهُ) مِـمَّا لا ينضبط مقصودُهُ فلا يصحُّ السَّلَم في الـمختلطِ الـمقصودِ الأجزاءِ التي لا تنضبط كهَرِيسةٍ ومعجونٍ فإن لـم يكن الـمختلِطُ مقصودًا كالـجُبْـنِ والأَقِطِ أو انضبطَت أجزاؤُهُ صح السلم فيه كمختلِطِ قمحٍ وشعيـرٍ عُلِمَ قدرُ كلٍّ منهما.

  والشرطُ الثالثُ مذكورٌ في قوله (ولـم تدخلْه النارُ لإحالتِهِ) مِن حالٍ إلى أُخرَى كنارِ الطبخِ والشَّيِّ لتعذُّرِ ضبطِهِ باختلافِ تأثيـرِ النارِ قوةً وضعفًا فإن دخلتْهُ النارُ للتمييـز كالعسل والسَّمْنِ صحَّ السلم فيه.

  (و)الرابع (أن لا يكون) الـمُسْلَمُ فيه (مُعَيَّنًا) بل دَيْنًا فلو كان معينًا كأسلمتُ إليك هذا الثوبَ مثلًا في هذا العبد فليس بسلَمٍ قطعًا ولا ينعقد أيضًا بيعًا في الأظهرِ لاضطراب لفظِهِ إذ لفظُ السلم يقتضـي أنه دَينٌ في الذِّمةِ وهي تنافـي التعييـنَ.

  (و)الـخامسُ أن (لا) يكون الـمسلَمُ فيه (مِن مُعيـن) كأسلمتُ إليكَ هذا الدرهمَ في صاعٍ مِن هذه الصُّبـرة إذ هو كالـمُعَيَّـنِ.

  (ثـم لصحةِ السَّلم فيه) أي في الشَّىءِ الذي ذُكِرَت له الشروطُ الـخمسةُ السابقةُ (ثـمانيةُ شرائطَ) وفي بعض النسخِ (ويصحُّ السلم بثمانية شرائط) الأولُ مذكور في قول الـمصنف (وهو أن يصفَه بعد ذكرِ جنسِه ونوعِه بالصفاتِ التي يـختلفُ بـها الثَّمنُ) اختلافًا ظاهـرًا وينضبِطُ بـها الـمُسْلَمُ فيه فيَذكرُ في السَّلَمِ في رقيقٍ مثلًا نوعَهُ كتُـرْكيٍّ أو هنديٍّ وذكورتَهُ أو انوثتَهُ وسنَّهُ تقريبًا وقدَّهُ طولًا أو قِصَرًا أو ربعةً تقريبًا ولونَه كأبيضَ ويصف بياضه بسمـرةٍ أو شُقْرَةٍ. ويَذكرُ في الإبل والبقر والغنم والخيل والبغال والـحميـر الذُّكورة والأنوثة والسن واللون والنوع. ويذكرُ في الطيـر النوع والصغر والكبـر والسنَّ إن عُرِفَ والذكورة والأنوثة واللونَ إن اختلف الغرضُ بذلك. ويَذكر في الثوب الـجنسَ كقطن أو كتان أو حرير والنوع كقطن مصرِيٍّ والطول والعرض والغلظ والدقة والصفاقة والرقة والنعومة والـخشونة. ويُقاسُ بـهذه الصُّوَرِ غيـرُها. ومُطْلَقُ السَّلَم في ثوبٍ يُـحمل على الـخامِ لا الـمقصورِ.

  (و) الثاني (أن يذكر قدرَهُ بِـما يَنْفِـي الـجهالةَ عنه) أي أن يكون الـمسلم فيه معلومَ القدر كيلًا في مكيل ووزنًا في موزون وعدًا في معدود وذرعًا في مذروع.

  (و) الثالثُ العِلْمُ بالأجلِ أي (إن كان) السَّلَمُ (مؤجَّلًا ذَكَر) العاقدُ حتمًا (وقتَ مَـحِلّهِ) أي الأجلَ كشهرِ كذا فلو أَجَّلَ السَّلَمَ بقدومِ زيدٍ مثلًا لـم يصحَّ.

  (و) الرابع (أن يكون) الـمُسْلَمُ فيه (موجودًا عند الاستحقاق في الغالبِ) اي استحقاقِ تسليم الـمُسْلَمِ فيه فلو أسلمَ فيما لا يُوجَدُ عند الـمَحِلّ غالبًا كرُطَبٍ في الشتان لـم يصحَّ نعم إن كان ببلدٍ ءاخَرَ اعتيدَ نقلُهُ إليه للبيع صحَّ.

  (و) الـخامسُ (أن يذكر موضعَ قبضِهِ) أي مـحلَّ التسليمِ إن كان موضعُ العقدِ لا يصلُحُ له سواءٌ كان السَّلَمُ مؤجَّلًا أو حالًّا على خلافِ ما تُوهـمه عبارةُ فتحِ الوهابِ من أنَّ هذا يُشتـرَطُ في السلم الـمؤجَّل لا الـحالِّ. قال الرملِيُّ في النهاية مَـمزوجًا بالـمتـن الـمذهبُ أنه إذا أسلمَ سَلَمًا حالًا أو مؤجَّلًا وهـما بـموضعٍ لا يصلُحُ للتسليم أو سَلَمًا مؤجَّلًا وهـما بـمحلٍّ يصلحُ له ولكن لـحملِه أي الـمُسْلَمِ فيه مُؤنةٌ اشتُـرِطَ بيانُ مَـحَلِّ بفتح الـحاءِ أي مكانِ التسليمِ للمسلَمِ فيه لتفاوتِ الأغراضِ في ما يُرادُ منَ الأمكنَةِ في ذلك وإلَّا بأن كان صالـحًا للتسليم والسَّلمُ حالٌّ أو مؤجلٌ ولا مؤنة لـحَملِ ذلك إليه فلا يُشتـرطُ ما ذُكِرَ ويتعيَّـنُ مـحلُّ العقد للتسليم للعُرفِ فيه اهـ وكذا إن صلَحَ له والسَّلَمُ مؤجَّلٌ ولِـحَمْلِهِ إليه مؤنةٌ.

  (و) السادسُ (أن يكون الثـمنُ معلومًا) قدرًا وجنسًا وصفةً فيما كان في الذمة أو بالرؤية له في الـمُعَيَّـن.

  (و) السابع (أن يتقابضا) رأسَ الـمال في مـجلس العقدِ (قبل التفرق) فلو تفرَّقا قبل قبضِهِ بطل العقد أو بعد قبضِ بعضِهِ ففيه قَولًا تفريقِ الصَّفْقَةِ والأصحُّ منهما ثبوتُ تفرقِهَا وإعطاءُ كلٍّ حُكْمَهُ. والـمُعْتَبَـرُ القبضُ الـحقيقيُّ فلو أحالَ الـمسلِمُ برأسِ مالِ السلمِ وقبضَهُ الـمحتالُ وهو الـمُسْلَمُ إليه مِنَ الـمُحالِ عليه في الـمجلس لـم يكفِ قال في أسنَـى الـمطالب لأنَّ الـحقَّ يتحوَّلُ بالـحوالةِ إلى ذمةِ الـمحالِ عليه فهو يُؤدِّيه عن جهة نفسِهِ لا عن جهةِ الْمسلِمِ نعم إن قبضَهُ الـمسلمُ منَ الـمحالِ عليه وسلَّمه إليه في الـمجلسِ أو قبضه الـمسلَمُ إليه بإذنِ الـمسلِمِ أي فصارَ وكيلًا عن الـمسلِمِ ثـم قبضه منه التمسلمُ ثـم سلَّمه إليه في الـمجلسِ صحَّ اهـ.

  (و) الثامنُ (أن يكونَ العقدُ) أي عقدُ السَّلَم (ناجـزًا لا يدخله خيارُ الشرطِ) بـخلاف خيارِ الـمجلس فإنه يدخله.