الخميس ديسمبر 12, 2024

(فصلٌ) في أحكام الإجارة بكسر الهمزة في المشهور وحُكِيَ ضمُّها.

  وهيَ لغةً اسمٌ للأجرةِ وشرعًا عقدٌ على منفعةٍ معلومةٍ مقصودةٍ قابلةٍ للبذلِ والإباحةِ بعوضٍ معلومٍ. فخرج بمعلومةٍ المجهولةُ كما في القراضِ والجعالةِ على عملٍ مجهولٍ. وبمقصودةٍ استئجارُ تفاحةٍ لشمها. وبقابلةٍ للبذلِ منفعةُ البُضع فالعقدُ عليها لا يُسَمَّى إجارةً بل نكاحًا على أنَّ النكاحَ في الحقيقة ليس عقدًا على منفعةِ البضعِ بل على الانتفاعِ به. وبقَبُولِهَا الإباحةَ إجارةُ الجوارِي للوطءِ فإنها لا تجوزُ. وبعوضٍ الإعارةُ. وبمعلومٍ المجهولُ كعِوَضِ المساقاةِ. ويجوزُ أن يكونَ العِوَضُ منفعةً ولو مِن جنسِها إذ لا ربا في المنافعِ فيجوزُ إيجارُ دارٍ بمنفعةِ دارٍ أو عبدٍ أو دارَيْنِ كما يجوزُ إيجارُ الحُلِيِّ بالذهبِ ولا يُشترطُ فيه التقابضُ.

  والأصلُ فيها قبل الإجماع ءاياتٌ كقوله تعالى في سورةِ الطلاقِ (فإن أَرْضَعْنَ لَكُم فَأتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) وأخبارٌ كخبر البخاريِّ أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم والصدِّيقَ رضي الله عنه استأجرا رجلًا من بنِي الدِّيلِ يُقال له عبدُ الله بن الأُريقط اهـ.

  وأركانُها أربعةٌ عاقدانِ وصيغةٌ ومنفعةٌ وأجرةٌ. وشرطُ العاقدِ الرُّشْدُ وعدمُ الإكراهِ بغيرِ حقٍّ. والصيغةُ إيجابٌ كآجرتك وقبولٌ كاستأجرتُ. وأوضح المصنف شرط المنفعة بقوله (و)أما المنفعةُ فإنَّ (كلّ ما أمكنَ الانتفاعُ به) عَقِبَ العقدِ (مع بقاءِ عينِهِ)كاستئجارِ دارٍ للسُّكْنَى ودابَّةٍ للركوبِ (صحَّت إجارتُهُ إذا قُدِّرَت منفعتُهُ بأحدِ أمرين بمدةٍ) كاستأجرتُك للخياطة أو البناءِ شهرًا (أو) بمحلِّ (عملٍ) كاستأجرتُكَ لِتَخِطَ لِي هذا الثوبَ قميصًا مثلًا فالأجيرُ هو الخائطُ والخياطةُ والثوبُ محلُّهُ.

  ولا يصِحُّ الإيِجارُ بلا تقديرٍ والمنافعُ تختلفُ فمنها ما لا ينضبطُ كأرضِعِي هذا شهرًا وداوِ هذا يومًا فيجبُ تقديرُهُ بالزَّمَنِ وكذا العَقارُ كآجرتُكَ العَقارُ سنةً فإنَّ منافعَ العقارِ وقدرَ الدواءِ واللبنِ إنما تنضبطُ بالوقتِ ومثلُها التطيِينُ والتجصيصُ بتعيَّنُ تقديرُها بالوقتِ لأنَّ سمكَهُما لا ينضبطُ. ومنها ما ينضبطُ فيصِحُّ التقديرُ فيه بالزَّمَنِ وبمحلِّ العملِ كآجرتك هذه الدابة لتركبها شهرًا وءَاجَرتُك هذه الدابة لتركبَها إلى مكة فأما الجمعُ بين الزمنِ ومحلِّ العملِ كاستأجرتُك لتخيطَ لِي هذا الثوبَ في هذا النهارِ فلا يصحُّ.

  وتجب الأجرةُ في الإجارة أي تثبُتُ بنفسِ العقدِ. (وأطلاقُها) أي الإجارةِ أي عقدِها بلا ذِكرِ حلولِ أجرةٍ أو تأجيلِها (يقتضِي تعجيلَ الأجرةِ) فيملكُها الْمُكْرِي بنفسِ العقدِ ولكلٍّ مِنَ العاقدَينِ في إجارةِ العينِ عندئذٍ إمساكُ عِوَضِهِ إذا خَشِيَ فواتَ مقابِلِهِ إلى قبضِ المقابلِ كما في البيعِ فيستحقُّ المُكرِي استيفاءَ الأجرةِ في نحوِ إجارةِ العَقارِ غذا سَلَّمَ العينَ إلى المستأجِرِ ويستحقُّها الأجيرُ في إجارةٍ لنحوِ خياطةٍ إذا قام بالعملِ (إلا أن يُشترطَ) فيها (التأجيلُ) أو التنجيمُ فتكونُ الأجرة مؤجَّلةً أو مُنَجَّمةً وليس لمؤجِرِ العَقارِ حينئذٍ إمساكُهُ ولا للأجيرِ للخياطةِ المقدَّرةِ بالوقتِ الامتناعُ عنِ العملِ إلى حينِ قبضِ الأجرة.

  ثم الإجارةُ إما إجارةُ عينٍ كاستأجرتُك لِتَخِيطَ لِي هذا الثوبَ مثلًا أو إجارةُ ذِمَّةٍ كألزمتُ ذِمَّتَكَ حَمْلِي إلى مكةَ فإجارةُ العينِ إن كانت الأجرةُ فيها معيَّنَةً كاستأجرتُك بهذه الدراهم لم تَقبل الأجرةُ شرطَ التأجيلِ لأنها في معنَى بيعِ الْمُعَيَّنِ لا يُؤجَّلُ فيه الثمنُ وإن كان لا يَجبُ تسليمُها في المجلسِ كما لا يُشترَطُ تسليمُ الثمنِ في البيعِ وإن كانت الأجرةُ في الذمةِ جازَ تأجيلُها.

  وأما إجارةُ الذِّمةِ كمَن استأجَرَ دابَّةً موصوفةً للركوبِ أو الحملِ أو قال ألزمتُ ذِمَّتَكَ خياطةَ هذا الثوبِ أو بناءَ الحائطِ فقبِلَ فلا يصِحُّ تأجيلُ الأجرةِ فيها ولا تقبلُهُ مطلقًا لأنها كرأسِ مالِ السَّلَمِ فلا بُدَّ مِن تسليمِها في مجلسِ العقدِ.

  ولا يجوزُ ولا يصِحُّ تأجيلُ المنفعةِ في إجارةِ العينِ كآجرتك الدارَ سنةً أَوَّلُهَا غدًا ويجوزُ تأجيلُها في إجارةِ الذِّمةِ كألزمتُ ذمتل حَمْلِي إلى مَكَّةَ قوله (حملي إلى مكة) أي مع مراعاةِ شروطِ العقدِ ومِن ذلك ما ذكره النوويُّ في المنهاجِ أنه إذا استأجَرَ دابةً إجارةَ ذمةٍ يُشترَطُ ذكرُ جنسِها ونوعها وذكورتها وأنوثتها وبيانُ قدرِ السيرِ كلَّ يومٍ اهـ غُرَّةَ شهرِ رجبٍ قوله (غرة شهر رجب) أي أولَه قال في التاج الغُرَّةُ من الشهر ليلةُ استهلالِ القمر اهـ وقال الجوهرِيُّ غرة كلِّ شَىءٍ أولُهُ اهـ

  (ولا تبطُلُ) الإجارةُ سَوَاء كانت وَارِدَة على العين أم على الذِّمَّة (بموتِ أحدِ العاقدينِ) أي الْمُؤْجِرِ والْمُسْتَأجِرِ ولا  بموتِهِما بل تَبْقَى بعد المةتِ إلى انقضاء مُدَّتِها ويقوم وارثُ المستأجر مَقامَهُ في استيفاءِ منفعةِ العينِ الْمُؤْجَرَةِ نعم إن مات الأجيرُ المعيَّنُ انفسخت الإجارةُ لأنه مَوْرِدُ العقدِ من حيث المنفعةُ وقد زالَ لا لأنه عاقدٌ (و)كذا (تبطُلُ) الإجارةُ (بتلفِ) كُلِّ (العينِ المستأجرةِ) إجارةَ عينٍ كما هو ظاهرٌ كانهدامِ الدَّارِ وموتِ الدابة الْمُعَيَّنَةِ لكونها مَوْرِدَ العقدِ فأمَّا الْمُسْتَأجَرُ إجارةَ ذِمَّةٍ كما إذا ماتت الدابة الْمُؤْجَرة في الذِّمَّةِ فلا تنفسخ الإجارة بل يجب على الْمُؤَجِرِ إبدالُهَا. وبطلانُ الإجارة بما ذُكِرَ إنما هو بالنظر للمستقبلِ لا للماضِي فلا تبطلُ الإجارةُ فيه في الأظهرِ بل يَستقرُّ قِسطُهُ مِن الْمُسَمَّى باعتبارِ أجرةِ المثلِ فَتُقَوَّمُ المنفعةُ حالَ العقد في المدةِ الماضية بالنسبةِ إلى أجرةِ المثلِ فغذا قيل كذا يُؤْخَذُ بتلك النسبةِ مِنَ الْمُسَمَّى. وما تقدَّم من عدم الانفساخ في الماضي مقيَّدٌ بما بعد قبضِ العين الْمُؤْجَرة وبعد مُضِيِّ مدةٍ لها أجرةٌ وإلا انفسخ في المستقبل والماضي.

  واعلَمْ أنَّ يدَ الأجير على العين الْمُؤْجَرَةِ يدُ أمانةٍ (و)حينئذٍ (لا ضمانَ على الأجير إلا بعدوانٍ) أو تفريطٍ فيها كأن ضربَ الدابةَ فوقَ العادةِ أو أركبَهَا شخصًا أثقلَ منه.