الخميس ديسمبر 12, 2024

   (فصلٌ) في أحكامِ الرَّهْنِ وهو لغةً الثبوتُ وشرعًا جعلُ عيـنٍ ماليةٍ وثيقةً بدَينٍ أي مُوثقًا بديـنٍ فلا يـجوز للراهنِ التصرُّفُ فيه بـما يُزيلُ ملكَهُ عنه أو يُنقِصُ قيمتَهُ يُسْتَوفَـى منها أي يُستوفَـى الدَّينُ من ثـمنِ الْمرهونِ بعد بيعِه والذي يبيعُه عند تعذُّرِ الوفاءِ مالكُهُ أي الراهنُ فإذا امتنعَ باعَه الـحاكمُ إمَّا بنفسِهِ أو بأميـنٍ يُوكِّلُهُ عنِ الراهنِ في بيعِهِ عند تَعَذُّرِ الوفاءِ. والأصلُ فيه قبل الإجـماع قوله تعالى في سورة البقرة (فَرِهَٰنٌ مَّقْبُوضَةٌ).

  وأركانُ الرَّهـنِ خـمسةٌ راهنٌ ومرتـهنٌ ومرهونٌ ومرهونٌ به وصيغةٌ فإنَّهُ كالبيع لا يصح إلا بإيـجابٍ وقبولٍ. وشَرْطُ كُلٍّ من الراهـن والـمرتـهِن أن يكونَ مُطْلَقَ التصرفِ. (و) أما الـمرهونُ فضبطوه بقولـهم (كلُّ ما جاز بيعُهُ) يعنـي مِنَ الأعيانِ ولو بعضَ العيـنِ مشاعًا (جاز رهنُهُ) وما لـم يـجز بيعُه منها لـم يـجُزْ رهنُهُ. وأما الـمرهونُ به فلا بُدَّ أن يكونَ دَينًا ولذا نصَّ عليه الـمصنفُ رحـمه الله بقوله (في الديون) أي اللازمةِ أو الآيلةِ إلى اللـزومِ فالأولُ كالأُجرةِ بعد استيفاءِ الـمنفعةِ والثاني كالثمن في مدة الـخِيار فيصحُّ الرهنُ على كلٍّ منهما فَيُعْلَمُ بـهذا أنه لا فرق بيـن ما (استقرَّ ثبوتُـها) أي الديون (في الذِّمَّة) بأن أَمِـنَ مِن سقوط الدَّين أم لا وإن أوهَـمَت عبارةُ الـمصنف خلافَهُ وجرَى الغزيُّ رحـمه الله خلفَ هذا الوهم فقال (واحـتـرز باستقر عن الديون قبل استقرارها كدين السلم وعن الثـمن مدةَ الخِـيار) والصحيحُ ما أثْبَتْناهُ إلا أن يُـحمل كلامُ الـمصنفُ على أنه أرادَ باستقرَّ ما لزم أو ءَالَ غلى اللُّزوم كـما نَبَّهُوا عليه. وخرج بالديونِ الأعيانُ فلا يصح الرهن عليها كعيـنٍ معصوبةٍ ومستعارةٍ ونـحوِهـما منَ الأعيانِ الـمضمونةِ.

  (وللراهنِ) الانتفاعُ بالرَّهنِ بغيـرِ بيعٍ ولا هبةٍ ولا ما يَنقُصُ قيمتَهُ (الرجوعُ فيه) أي الرهنِ بأن يفسخَ عقدَه (ما لـم يَقْبِضْهُ) الـمرتـهِنُ فإن قبضَ العيـنَ الـمرهونةَ مِـمَّن يَصِحُّ إقباضُه لـزم الرهنُ وامتنع على الراهنِ الرجوعُ فيه وإذا لـزمَ فإن اتفقا على أن يكون في يد أحدِهِـما أو عدلٍ غيـرِهِـما جاز وإلا وضعَهُ الـحاكمُ عندَ عدلٍ. نعم إن شرطَ الرهن في البيع فلـم يرهَنْ خُيِّـرَ الـمرتـهنُ بيـن فسخِ عقدِ البيع وإمضائِه بلا رهنٍ. ويفسَخُ الـمرتهِنُ الرَّهْنَ متـى شاءَ ولو بدونِ رِضَـى الراهنِ لأنه غيرُ لازمٍ مِن جِهتِهِ.

  والرَّهْنُ وَضْعُهُ على الأمانةِ (و)حينئذٍ (لا يضمَنُهُ الـمرتهِنُ) إذا تلفَ (إلا بالتعدِّي) فيه ولا يسقُطُ بتلفِهِ شىءٌ مِنَ الدَّيـن وإن فَرَّطَ في حـفظه. ولـو ادَّعَى الْمُرْتَـهِنُ ردَّ الـمرهونِ على الراهنِ لـم يُقبل إلا ببينةٍ جريًا على قاعدة أنَّ كلَّ أميـنٍ ادَّعَـى الردَّ على من ائتمنَهُ صُدِّقَ بيمينه إلا الـمرتـهِن الـمستأجِر والـملتقِطِ.

  (إذا قَبَضَ) أي الـمرتـهن وفي نسخة وإذا قَضَـى أي الراهِـنُ (بعضَ الـحقِّ) الذي له أو الذي عليه على حسب النسخة (لـم يـخرُج) أي لـم ينفكَّ (شىءٌ مِنَ الرَّهْـنِ حتى بقبض) وفي نسخة يَقْضِيَ (جـميعَهُ) أي جـميعَ الـحقِّ الذي على الراهِـنِ.