الأحد ديسمبر 22, 2024

(فصلٌ) في أحكامِ أمهاتِ الأولادِ. والأُمَّهاتُ جَمْعُ أُمٍّ ويُقالُ في جمعِها أيضًا أُمَّاتٌ.

  والأصلُ فيه أخبارٌ كخبر ابنِ ماجَهْ والدارقُطنِيِّ والحاكمِ وصحَّحَهُ أيُّما أمَةٍ ولدَت مِن سيِّدِها فَهِبَ حرَّةٌ عن دُبُرٍ منه اهـ وخبرِ الْمستدرَكِ أنه صلَّى الله عليه وسلَّم قال في مارِيَةَ هيَ مارِيَةُ القُبْطيَّة أمُّ ولدِ النبيِّ عليه الصلاة والسلام أهداها الْمُقَوْقِسث للنبيِّ عليه الصلاة والسلام سنةَ سبعٍ مِنَ الهجرةِ وكانت بيضاءَ جميلةً وتُوُفِّيَتْ رضي الله عنها بعد النبيِّ عليه الصلاة والسلام بخمس سنين أمِّ إبراهيم لما ولدَتْ أعتقَها ولدُها اهـ

  (وإذا أصابَ) إنما عبَّر رحمه اللهُ بإذا دون إن لأنَّ إذا تُستعملُ للمَتَيَقَّنِ والْمَظنونِ الغالبِ وجودُهُ كما هنا بخلافِ إنْ فإنَّها للمَشْكوكِ والْمَوهومِ والنَّادرِ أي وَطِئَ (السيدُ) البالغُ مسلمًا كان أو كافرًا سواءٌ كان مُكْرَهًا أم مختارًا أم جاهلًا أم عالمًا (أمَتَه) ولو كانت حائضًا أو كان الوطْءُ مُحَرَّمًا كأن كانت مَحْرَمًا له أو مزوَّجةً أو لم يُصِبْها ولكن استدخلَتْ ذكَرَهُ أو ماءَهُ الْمحترَمَ وهو الذي خرجَ منه بوجهٍ غيرِ محرَّمٍ في حالِ حياتِهِ أمَّا لو خرجَ مَنِيُّهُ الذي استدخلَتْهُ على وجهٍ مُحَرَّمٍ كأنْ خرجَ بِزِنًى أو استمناءٍ أو لِواطٍ فلا يثبتُ به الاستيلادُ. ولو انفصلَ الْماءُ في حياتِهِ واستدخلَتْهُ بعدَ مَوْتِهِ لم يثبُتْ به الاستيلادُ أيضًا ولكن يثبتُ به النَّسَبُ والإرثُ (فوضعَتْ) حيًّا أو ميتًا أو ما يجبُ فيه غُرَّةٌ وهو (ما تَبَيَّنَ فيه) لأهل الخبرةِ أي لرجُلَيْنِ أو رجلٍ وامرأتينِ أو أربعِ نساءٍ منهم (شَىْءٌ) اي جزءٌ (مِن) صورةِ (أصلِ ءادمِيٍّ) ولو خفيَّةَ بخلافِ ما لو قالَ أهلُ الخُبرة إنَّها لو بَقِيَتْ لَتَصَوَّرَتْ لأنَّ الْمَدارَ هنا على ما يُسَمَّى ولدًا ولم يُوجَدْ وإن انقضَتْ به العِدَّةُ لا تظهرُ لغيرِ خبيرٍ ثبتَ كونُها مستولَدَةً لسيدها أي أمَّ ولدٍ لَهُ و(حرم عليه) عندئذٍ (بيعُها) ولو بشرطِ العتْقِ أو لِمَنْ تَعْتِقُ عليه ولا يصِحُّ إلا مِن نفسِهَا فلا يحرم ولا يبطلُ لأنه عقدُ عَتاقة وكذا لو باعَها جُزءًا مِنها صَحَّ وسَرَى إلى باقيها.

  (و)حَرُمَ على سيدِها بالاستيلادِ أيضًا (رهنُها وهبتُها) والوصيَّةُ بها ولا يَصِحُّ شَىْءٌ منها (وجازَ له التصرفُ فيها بالاستخدامِ) أي طَلَبِ الخدمةِ بجميعِ أنواعِها (والوَطْءِ والإجارةِ) والإعارةِ لبقاء ملكِهِ. وله أيضًا أرضُ جنايةٍ عليها وعلى أولادها التابعين لَهَا وسيأتي بيانُهم إن شاء اللهُ وقيمتُها إذا قُتِلَتْ وقيمتُهُم غذا قُتِلوا وتزويجُها بغيرِ إذنِها إلا إذا كان السيدُ كافرًا وهيَ مسلمةٌ فلا يزوِّجُها بل يُزَوِّجُها الحاكمُ لأنَّهُ لا ولايةَ لكافِرٍ على مسلمةٍ.

  (وإذا مات السيدُ) ولو بقتلها له استعجالًا لعتْقِها ولا يخفَى أنَّ هذا الحكمَ مُستَثْنًى مِن قاعدةِ مَنِ استعجلَ بشَىْءٍ قبل أوانِه عُوقِبَ بحرمانِه (عَتَقَتْ من رأسِ ماله قبلَ) دفعِ (الدُّيون) التي على السيدِ (والوصايا) التي أوصَى بها فإنْ قُتِلَتْ بسببِ قَتْلِهِ فالأمرُ ظاهرٌ وإن وجبَتْ عليها الدِّيَةُ كانت في ذِمَّتِها (وولدُها) الحادثُ بعدَ الاستيلادِ (مِن غيرِهِ) أي غيرِ السيدِ بأن ولدَتْ بعد استيلادها أي بعدما صارت مستولَدَةً أي أمَّ ولد ولدًا مِن زوجٍ أو مِن زِنًى (بمنزلتِها) فهو للسيد بعتِقُ بموته كذلك وكذا حكمُ أولادِ بناتِها فَهُم كأولادِها يَعْتِقونَ بِمَوتِ السَّيِّدِ بخلافِ أولادِ ابنائها أي الذكورِ فلا يَتْبَعُونَ أُمَّهاتِهِم رِقًّا وحُرِّيَةً. وأمَّا ولدُها الحادثُ قبلَ الاستيلادِ فلا يتبعُ أُمَّهُ في العتْقِ بموتِ السَّيِّدِ ولا يمتنعُ على سيده التصرفُ فيه لِحُدوثه قبل استحقاق الأم الحريةَ.

  (ومَن أصاب) أي وَطِئَ (أمَةَ غيرِه بنكاحٍ) أو زِنًى وأحبَلَها فولَدَ (فالولدُ منها مَمْلوكٌ لسيدِهَا) أما لو غُرَّ شخصُ بحريَّةِ أمةٍ فتزوَّجَها وأولدَها فالولدُ حُرٌّ لِظَنِّ الواطِئِ حريتَها وعليه قيمتُهُ وقتَ الولادةِ على تقديرِ رِقِّيَّتِه للسيدِ إنْ لم يكن هو الذي غرَّهُ ويرجعُ بها على مَن غرَّه. ومثلُهُ ما لو نَكَحَ أمةً بشرطِ أنَّ أولادَها الحادِثِينَ منه أحرارًا فإنَّ الشَّرْطَ صحيحٌ هنا وولدُهُ منها حُرٌّ. (وإن أصابَها) أي أمةَ غيرِهِ (بشُبهةٍ) منسوبةٍ لَهُ طزنِّهِ أنها أمتُهُ أو زوجتُهُ الحرَّةُ (فولدُه منها حرٌّ) نَسيبٌ عَمَلًا بِظَنِّهِ (وعليه قيمتُهُ) وقتَ ولادتِهِ (للسيِّدِ) لِتَفويتِ رِقِّهِ عليهِ بظنِّهِ. ولا تَصيرُ الأمةُ التي وطِئها بنكاحٍ أو بشبهةٍ أمَّ ولدٍ قبلَ ملْكِها.

  (وإن ملكَ) الواطئُ بالنكاحِ (الأمةَ الْمَوطوءةَ) قوله (الْمَوطوءةَ) مناسبٌ وفي بعض النسخ من قوله وإن ملك الأمة الْمطلقة مشكل لأنه يوهم قصر الحكم عليها وليس مرادًا فالنسخة التي شرحتُ عليها أولى من التي شرح عليها ابن قاسم رحمه الله أي التي وطئَها سواءٌ الْمُطَلَّقَةَ والتي في نطاحِهِ (بعد ذلك) أي بعد وطْئِها بالنكاح (لم تَصِرْ أمَّ ولدٍ له بالوطْءِ في النكاح) السابق وإن ولدَتْ له بهِ لأنَّها عَلِقَتْ به في ملكِ غيرِهِ فلم ينعقدِ الولدُ حُرًّا والاستيلادُ إنَّما يَثْبُتُ تَبَعًا لحُرِّيَّةِ الولدِ. (و)إذا وطِئَها بالشُّبهةِ ثم ملكَها بعد ذلك (صارتْ أمَّ ولدٍ له بالوَطْءِ بالشُّبهةِ على أحد القولين) والثاني لا تصيرُ أمَّ ولد لأنها عَلِقَتْ به في غير ملكِهِ وهو الراجحُ واللهُ تعالى أعلمُ بالصوابِ.

  وخَتَمَ الْمصنفُ رحمه الله تعالى كتابَه بالعتْق رجاءً لعتْقِ الله تعالى له منَ النار وليكونَ سببًا في دخولِ الجنةِ دارِ الأبرارِ فاللهَ تعالى أسألُ أنْ يَمَنَّ عليه وعلينا بذلك.

   وبهذا انتهى رُبعُ الدعاوَى والجناياتِ وبهِ خُتِمَ شرحُ الكتابِ بلا إطنابٍ في السادسِ من صفرٍ سنةَ اثنتَينِ واربعينَ وأربعمِائةٍ وألفٍ من الهجرةِ الْمباركة فالحمد لِرَبِّنَا الْمُنْعِمِ الوَهَّابِ ونسألُهُ وهو الكريمُ الْمَنَّانُ القبُولَ والْمغفرةَ والعَفْوَ عنِ الزَّلَلِ والْموتَ على كمالِ الإيمانِ بجاهِ نَبِيِّهِ سيدِ الْمرسلين وحبيبِ ربِّ العالمين محمَّدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ الْمُطَّلِبِ بنِ هاشمٍ السيدِ الكاملِ الفاتحِ الخاتِم وصلَّى اللهُ على سيدِنا محمَّدٍ أشرفِ الأنامِ وعلى ءَالِهِ وصَحْبِهِ ومَنِ اتَّبَعَهم بإحسانٍ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا دائمًا أبدًا إلى يومِ الدينِ والحمد لله ربِّ العالمينَ.

    (واللهُ) سبحانَهُ وتعالى (أعلمُ)