الخميس ديسمبر 12, 2024

(فصلٌ) في أحـكام الـخِيار.

  والـخِيارُ ثلاثة أنواع خِيارُ الـمجلس وخِيارُ الشـرطِ وخِيارُ الردِّ بالعَيب. فالأولُ أي خِيارُ الـمجلِسِ ويَثبُتُ في أنواع البيع كالسَّلَمِ والرِّبَوِيَّاتِ هو الذي اراده الـمصنفُ بقوله (والـمتبايعانِ بالـخِيارِ) بيـن إمضاءِ البيعِ وفسخِهِ (ما لـم يَتَفَـرَّقا) أي مُدَّةَ عدمِ تفـرُّقِهِما عُرفًا فينقطعُ خِيارُ الـمجلس إما بتفـرُّقِ الـمتبايعَيـنِ ببدنِـهما عن مـجلسِ العقدِ أو بأن يـختارَ الـمتبايعان لزومَ العقدِ فلو اختارَهُ أحدُهـما دون الآخر سقطَ حقُّه مِنَ الـخِيارِ وَبَقِـيَ الـحقُّ للآخَرِ وإن تأخَّرَ عنِ الإجازَةِ هذا هو الذي ذكروه ونصُّوا عليه وخالفَهُ في شـرح الغـزِّيِّ واشتـرطَ الفوريةَ في الفسخ عند اختيارِ الآخَر الإمضاءَ فقال (لو اختارَ أحدُهـما لزومَ العقد ولـم يـختَـر الآخَرُ فورًا سقط حقُّه منَ الـخِيار وبَقِـيَ الـحقُّ للآخر) وليس الأمرُ كذلك كما قد عرفتَ اهـ فلـو كالَ مكثُهُما في مكانٍ واحدٍ ولـم يتخايرا أو قاما وتـماشَيا منازلَ دامَ خِيارُهُـما.

  والنوع الثانـي أي خيارُ الشـرط هو ما ذكره الـمصنف بقوله (ولَـهُما) أي الـمتبايعيـن وكذا لأحدهـما إذا وافقه الآخر (أن يَشتـرِطا) في العقدِ (الـخيارَ) لَـهُما أو لأحدِهـما أو لأجنبِـيٍّ جاز شـرطُ الـخيار للأجنبِـيِّ في الأظهر لأنَّ الـجاجةَ قد تدعو إلى ذلك لكونه أَعرَفَ بالـمبيعِ في أنواع البيع لا في الرِّبَويِّ والسَّلَم (إلى ثلاثةِ أيامٍ) تُـحسَبُ مِنَ الشَّـرطِ لا مِنَ التفرُّقِ فلو زاد الـخيارُ على الثلاثةِ بطلَ العقدُ. ولو كان الـمَبيعُ مِـمَّا يَفْسُدُ في الـمدةِ الـمُشْتَـرَطَةِ كبِطِّيـخٍ يفسد في يوميـن وشُـرِط الـخيار ليوميـنِ بطل العقد.

  وقد ذكر الـمصنفُ النوعَ الثالثَ وهو خيارُ الرَّدِّ بالعيبِ بقوله (وإذا وُجِدَ بالـمَبِيع عيبٌ) موجودٌ قبل القبضِ تَنْقُصُ به العيـن نقصًا يفوتُ به غرضٌ صحيحٌ كقطعِ أصبعٍ أصليةٍ أو أذنِ الشاةِ أو تنقُصُ القيمةُ وكان الغالبُ في جنسِ ذلك الـمَبيعِ عدمُ ذلك العيبِ كزِنَـى رقيقٍ وسرقتِهِ وإباقِهِ (فَلِلْمُشْتَـرِي ردُّه) اي الـمبيع فورَ عِلْمِهِ بالعيب فإن أخَّرَ بلا عذرٍ وكان الـمبيعُ مُعَيَّنًا سقطَ حقُّهُ.

  (ولا يـجوزُ بيعُ الثمـرةِ) الـمنفردةِ عن الشجرةِ (مطلقًا) أي بلا شرطِ القطعِ (إلا بعدَ بُدُوِّ) أي ظهورِ (صلاحِها) وذلك يـختلفُ باختلافِ الثمارِ ففيما لا يتلوَّنُ بانتهاءِ حالِـها إلى ما يُقْصَدُ منها غالبًا كـحلاوةِ قَصَبٍ وحُـموضةِ رُمانٍ ولِيـن تيـنٍ وفيما يتلوَّنُ بأن يأخذ في حـمرةٍ أو سوادٍ أو صُفـرةٍ كالعُنَّاب والإجَّاصِ والبَلَح فقَبْلَ بُدُوِّ صلاحِ الثمـرةِ لا يصحُّ بَيعُها لا مِن صاحبِ الشجرةِ قوله (لا من صاحب الشجرة) يُتَصَوَّرُ بيعُ الثمرة من صاحب الشجرةِ كأن باعَهُ الشجرةَ دون الثمار أولًا ثم باعه الثمار ولا مِن غيـرِهِ إلا بشرط القطعِ سواءٌ جرت العادةُ بقطع الثمرة أم لا نعم إن باعها لصاحب الشجرةِ وشـرطَ عليه القطعَ صحَّ العقدُ ولا يَلزَمُ الـمشتـرِيَ القطعُ حينئذٍ. ولو قُطِعَت شجرةٌ عليها ثـمرةٌ جازَ بيعُ الثمـرةِ بلا شرطِ قطعِها.

  ومثلُ الثمرِ الزرعُ فلا يـجوز بيعُ الزرع الأخضرِ في الأرض أي الذي لـم يبلغِ الـحالَ التي يُقصد فيها للأكل إلا بشـرطِ قطعِهِ أو قلعِهِ فإن بِيعَ الزرعُ مع الأرض أو منفردًا عنها بعد اشتدادِ الـحبِّ جاز بلا شرط. ومَن باع ثـمرًا أو زرعًا بَدَا صلاحُهُ قوله (بدا صلاحه) هو الـمناسبُ وأما في شرح الغَزِّيِّ فالمسئلةُ مُصَوَّرةٌ فـيما لـم يَبْدُ صلاحُهُ وليس كذلك فإنَّ قَطعَ الثمرِ مشروطٌ فيه على الفورِ فكيف يلزمُ البائعَ سقايةُ الشجر لِتَنميتِهِ ولـم يقطعْهُ لزمه سقْيُهُ قدرَ ما تنمو به الثمرةُ وتسلمُ عنِ التلف ولا فرق بيـن ما إذا خلَّى البائعُ بيـن الـمشتـرِي والـمبيعِ أم لـم يُـخَلِّ.

  ثـم ختَمَ الـمصنفُ الفصلَ بـمسئلةٍ كان حَقُّهُ أن يذكرَها في باب الرِّبا وهي قوله (ولا) يـجوز (بيعُ ما فيه الرِّبا بـجنسِهِ) حالَ كونِ كلِّ منهما أو أحدِهـما (رَطْبًا) بسكونِ الطاء الـمهملة لعدمِ تـحققِ التساوِي في الطرفيـن غذا جَفَّ وأشار بذلك غلى نه تُعتبـرُ الـمماثلة في طَرَفَي الـمعقود عليه عند اتـحاد جنسِهما الرِّبَوِيِّ حالَ الكمالِ فلا يصِحُّ بيعُ عنبٍ بعنبٍ ولا رُطَبٍ برُطَبٍ إذ ليس كل منهما أكملَ أحوالِ ثـمر شجرِ النخلِ وشجرِ العنب. واستَثنـَى الـمصنفُ من ذلك ما ذكره بقوله (إلا اللبـنَ) فإنه يـجوزُ بيعُ بعضه ببعضٍ قبل تَـجْبينِه مع كونه رَطْبًا بالشـروطِ الـمعتبـرةِ في الباب ومثلُهُ خَلُّ العنبِ فيجوزُ بيعُهُ بـخلِّ العنبِ لأنَّ خلَّ العنبِ عصيـرٌ لا يُـخالطُهُ ماءٌ. واللبـن يشملُ الحليبَ والرائبَ والـمخيضَ والـحامضَ والـمعيارُ فيه الكيلُ فيصحُّ بيع الرائبِ بالحليب كَيلًا وإن تفاوتا وزنًا. ويُسْتَثْنَـى كذلك من إطلاقِ الـمصنفِ صورٌ أخرى مذكورةٌ في الكتب الـمُطَوَّاة منها بيعُ العرايا وهو بيعُ الرُّطَبِ على النخلِ بالتَّمْرِ والعنبِ على الشجرِ بالزبيبِ فيما دونَ خـمسةِ أوسقٍ فيصحُّ بشرط عِلْمِ الـمماثلةِ بالـخَرْصِ وشرطِ التقابضِ والـحلولِ.