فصلٌ في أحكام مـحرماتِ الإحرامِ أي ما يـحرمُ بسبب الإحرام.
(ويـحرمُ عليه) أي الـمُحرِمِ (عشرة أشياء) أحدُها (لُبسُ) الرجُلِ (الـمَخِيطَ) كقميصِ وقَبَاءٍ وخُفٍّ ولبس الـمنسوج كدرعٍ أي قميصٍ أو الـمعقودِ أي الـمُلزَقِ بعضِهِ ببعضٍ كلِبْدٍ في جُـزْءٍ من جـميع أجزاءِ بدنِهِ كيدً واحدةٍ ويجوزُ أن يلبسَ ما لا يحفظُ مفسًهُ على البدنِ كإزارٍ ورداءٍ وطيلسانٍ ما لـم يزُرَّهُ أو يـخيطه أو يُشَوِّكْهُ أي يـجعل عليه الشَّوكَ والـمرادُ جـمعُ أطرافِهِ عليه بالشوك بـحيثُ يثبُتُ على بدنه بنفسِهِ قال في الإملاءِ وإنْ زرَّهُ أو خاطَهُ أو شوكه لـم يـجُزْ لأنه يصيـرُ كالـمَخِيط اهـ وله أنْ يعقدَ إزارَهُ لأن فيه مصلحةً له وهو أن يثبتَ عليه ولا يعقدُ الرداءَ عليه لأنه لا حاجة به إليه وله أن يغرز طرفيه في إزارِهِ وإن اتَّزَرَ وشدَّ فوقه تِكَّةً بكسرِ أوَّلِهِ وتشديدِ ثانيه مفتوحًا والـجمعُ تِكَكٌ كسِدرةٍ وسِدَر وهيَ رباطُ السراويل جاز.
(و) ثانيها (تغطيةُ الرأس) أي سَتْـرُهُ أو بعضِهِ (من الرَّجُلِ) بـما يُعَدُّ ساترًا في العرف كعمامةٍ وطيـنٍ ثخيـنٍ، فإن لـم يُعَدُّ ساترًا لـم يَضُرَّ كوضع يدِهِ على بعضِ رأسه وإن قصد الستـر وكانغماسه في ماء واستظلاله بـمَحمِل وإن مسَّ رأسَهُ (و) تغطيةُ (الوجه) أي ستـرُه أو بعضِه (مِنَ الـمرأة) بـما يُعَدُّ ساترًا عرفًا ويـجب عليها أن تَستـر مِن وجهِها ما لا يَتَأَتَّى سترُ جـميع الرأسِ إلا به ولَـهَا أن تُسْبِلَ على وجـهها ثوبًا مـتجافيًا عنه بـخشبة ونـحوها. والـخُنْثَـى له لُبْسُ الـمُحيطِ بـخياطةٍ ونـحوها ويـجبُ عليه تغطيةُ رأسِهِ ويـحرُمُ عليه كالـمرأةِ لُبْسُ القُفَّازيـنِ في اليديـنِ ويُسَنُّ له عدمُ لُبْسِ الـمٌحيطِ لاحـتمالِ كونِهِ رجلًا .
(و) ثالثُها (ترجيلُ شعرِهِ) اي دهنُ شعـرِ رأسِهِ ولـحيتِهِ وشارِبِهِ وعنفقتِهِ وعِذارِهِ بنـحوِ الزيت هذا هو الصحيحُ وفسره الغَزِّيُّ بتسريـحهِ بالـمشطِ وعلَّلَهُ بأنه يتسبب في إزالة الشعـر وليس ذلك بلازمٍ والصحيحُ أنَّ تسريـحَهُ بالـمشطِ مكروهٌ لا حرام لأن الإزالة غيـر متحقِّقَةٍ ومثله حكُّ الشعر بالظفر.
(و) الرابع (حلقُه) اي شعرِ الرأسِ والبدنِ أي إزالتُه بأي طريق كانت فيشمل نَتْفَهُ وإحراقَهُ وهو موجِبٌ للفدية كغيـره من الـمُحَرَّماتِ إلا أنـها تـجب هنا ولو ناسيًا لأن فيه إتلافًا.
(و) الـخامسُ (تقليمُ الأظفار) أي إزلتُها من يدٍ أو رِجلٍ يتقليم أو غيـرِه إلا إذا انكسـرَ بعضُ ظفرِ الـمحرم وتأذَّى به فله إزالةُ الـمنكسرِ فقط.
(و) السادسُ (الطِّيبُ) أي استعمالُ ما يُقصد منه رائحةُ الطيبِ قصدًا نـحو مسكٍ وكافورٍ في ثوبِهِ بأن يلصقه به على الوجهِ الـمعتادِ في استعمالهِ أو في بدنِهِ ظاهرِهِ أو باطنِه كأكلِهِ ولا فرقَ في مستعمِلِ الطيب بيـن كونِهِ رجلًا أو امرأةً أخشمَ أو لا. وخـرج بقصدًا ما لو ألقَت عليه الرِّيحُ طيبًا أو أُكرْرِهَ على استعمالِهِ أو جَهِلَ تـحريـمَهُ أو نَسِيَ أنه مـحرِمٌ فإنه لا فديةَ عليه إن أزالَهُ فورَ زوالِ عُذْرِهِ فإن علم تـحريـمَه وجهلَ الفديةَ وجبت.
(و) السابعُ (قتلُ الصيدِ) البـرِّيِّ الـمأكولِ الوحشيِّ أو ما أصلُهُ كذلك ولـو طيـرًا فـخرج البحريُّ وغيـرُ الـمأكولِ والإنسيُّ كالنَّعم الثلاثِ فيـجوز التعرضُ له وكما يـحرم قتلُهُ يـحرم صيدُهُ وحبسُهُ ووضعُ اليدِ عليه بـحيث يكون تـحت تصرفه ولو بشراءٍ والتعرض لـجزئه وشعره وريشه ومَن أحرمَ ولو بعمرةٍ ولو خارجَ الـحَرَمِ وفي مُلْكِه صَيْدٌ زال مُلْكُه عنه هو أحدُ قوليـنِ مشهوريـنِ للإمامِ، والثاني أنه غذا صادَ مُـحِلٌّ صيدَ الـحِلِّ ثـم أحرم لـم يزُلْ ملكُهُ عنه بذلك قال النوويُّ نصَّ الشافعيُّ عليهما في الأُمِّ اهـ وقال الـماوردِيُّ نصَّ على القولِ بعدمِ زوال الـملك في الإملاء اهـ فإذا قلنا به وإن مِلكَهُ لا يزولُ عنه بإحرامِهِ فحُكمُهُ حكمُ سائرِ أمواله إلا في شىْءٍ واحدٍ وهو أنه لا يـجوزُ ذَبْـحُهُ فإن ذبَـحَهُ فعليه الـجزاءُ وما سِوَى ذلك ففِعْلُهُ جائزٌ فيه فيـجوزُ أن يبيعَهُ ويهَبَهُ ولا يلزمه تخليَتُهُ، وإن قُلنا بالقولِ الآخرِ إنَّ مُلكَهُ قد زال عنه بإحرامه فحُكمُهُ حكمُ ما صادَهُ في إحرامِهِ فلا يكونُ مالكًا له وعليه تـخليَتُهُ ولا يـجوزُ له ذبـحُهُ ولا بيعُهُ ولا هبتُهُ، قال النوويُّ في الـمجموع والأصحُّ منَ القوليـنِ زوالُ ملكه عنه بالإحرام كما ذهبَ إليه القاضي أبو الطيبِ والرَّافعِيُّ وغيـرُهُـما وخالفهم الـجُرجانِيُّ فقال في كتابِهِ الـتحريرِ الأصحُّ عدمُ زوال الـملك اهـ والله أعلم ولزمَه إرسالُهُ.
(و) الثامن (عقدُ النكاح) فيحرم على الـمحرم أن يعقد النكاح لنفسه أو غيـرهِ بوكالةٍ او ولايةٍ ولا يصحُّ.
(و) التاسع (الوطْءُ) مِن عاقلٍ عالـمٍ بالـتحريـم في الفرجِ قُبُلًا كانَ أو دُبُرًا ذكرًا كان الـمَوطُوءُ أو أنـثَى.
(و)العاشر (الـمباشرةُ) فيـما دون الفرج كلـمسٍ ولو بـحائلٍ وقبلةٍ (بشهوةٍ) أما بغيـرِ شهوةٍ فلا يَـحرم.
(وفي جميع ذلك) أي الـمحرماتِ السابقةِ (الفديةُ) وسيأتي بيانـها. نعـم يدخلُ فديةُ الـمباشرةِ في فديةِ الـجماع إن اجتمعا. والـجماعُ الـمذكورُ تفسدُ به العمرةُ الـمفردةُ أما التي في ضمن حج فهي تابعةٌ له صحةً وفسادًا. ويفسُدُ به كذلك الـحجُّ إن كان قبل التَّحَلُّلِ الأولِ ولـو بعد الوقوفِ أما بعدَ التحلُّلِ الأول فلا يفسدُ لكن فيه شاةٌ ويـحصل التحلُّلُ الأول بفعلِ اثنيـنِ مِن رَمْيِ جمرةِ العقبة والـحلقِ أو التقصيـرِ وطوافِ الفرضِ الـمَتبوعِ بِسَعْيٍ بَقِيَ عليه (إلا عقدَ النكاح فإنه لا ينعقدُ) ولا فديةَ فيه.
(ولا يُفسدُه) أي النسكَ من حج وعمرة (إلا الوَطءُ في الفرج) ولو بلا إنزالٍ قبلَ التَّحَلُّلِ الأَولِ أي قبل فعل اثنينـنِ من ثلاثةٍ طوافٍ معه سَعْيٌ ورَمْيِ جـمرة العقبة وحلقٍ أو تقصيـرٍ وأمَّا مـجرَّدُ الـمباشرةِ بلا وَطءٍ فلا تفسدُ النُّسُكَ (ولا يَـخرج) الـمحرِم (منه بالفساد) بل يـجب عليه الـمُضِيُّ في فاسدِه بأن يأتِيَ ببقيَّةِ سواءٌ كان حجًّا أم عمرةً لإطلاق قوله تعالى (وَأَتِـمُّوا الـحَجَّ وَالعُمْرَةَ للهِ) ولـم يفصِّلْ بيـن صحيحٍ وفاسدٍ.
(ومَنْ) أي والـحاجُّ الذي (فاتَهُ الوقوفُ بعرفةَ) بأن لـم يكن بـها بيـن زوالِ شمس يومِ التاسعِ وفـجر العاشر مِن دي الـحجة بعذرٍ أو غيـرِهِ (تـحلَّلَ) حتمًا (بعملِ عمرةٍ) بنيَّةِ التحللِ لا أداءِ عمرةٍ فيأتي بطوافٍ وسَعْيٍ إن لـم يكن سَعَى بعد طوافِ القُدوم ويـحلقُ أو يُقَصِّرُ (وعليه) أي الذي فاته الوقوف (القضاء) فورًا فرضًا كان نسُكُهُ أو نفلًا وإنـما يـجب القضاءُ في فواتٍ لم ينشأ عن حَصْرٍ فإن أُحْصِرَ شخصٌ وكان له طريقٌ غيـرُ التي وقع الـحصرُ فيها لزمه سلوكُها وإن علم الفواتَ وإن ماتَ الـمحصَرُ لـم يُقْضَ عنه في الأصحِّ (و)عليه مع القضاء (الهَدْيُ) في عامِ القضاءِ وهو دمٌ كَدَمِ التمتعِ.
(ومَن تركَ رُكنًا) مِـمَّا يتوقفُ عليهِ الـحجُّ (لـم يـحلَّ مِن إحرامه حتـى يأتِـيَ به) ولا يُـجْبَـرُ ذلك الركنُ بدمٍ (ومَن ترك واجبًا) من واجباتِ الـحج حتـى خرج وقتُهُ (لزمه الدَّمُ) فقط وسيأتي بيانُ الدمِ (ومَن تركَ سنةً) من سُنَـنِ الـحج (لـم يلزمه بتـركها شَيْءٌ) كما في غيـره من العبادات. وظهر مِن كلام الـمتـن الفرقُ بيـن الركن والواجب والسنة.