الأربعاء ديسمبر 11, 2024

  (فصلٌ) في أحكام القَسامَةِ ودعوَى الدَّمِ والْمرادُ أَيْمانُ الدِّماء. فإنَّ القَسامة بفتح القاف مأخوذةٌ منَ القَسَم وهيَ خاصة شرعًا بايمانِ الدماءِ الخمسين غذا كانت مِن جتنب الْمُدَّعِي ابتداءً عند وجودِ اللوثِ وسيأتي بيانُ ذلك إن شاء الله بخلاف ما لو كانت من جانب الْمُدَّعَى عليه ابتداءً فإنها لا تُسَمَّى قَسامةً ولذلك جمعَ الأكثرُ في الترجمةِ بين القَسامةِ ودعوَى الدم.

  والأصلُ فيها خبرُ الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام قال لحُوَيِّصَةَ ومُحَيِّصَةَ وعبد الرحمن بن سهلٍ الأنصارِيَّين لَمَّا أخبروه بقتل اليهود لعبد الله بن سهل الأنصارِيِّ بخيبر وأنكره اليهود أتحلِفُونَ وتَسْتَحِقُّونَ دمَ صاحبِكم اهـ إلى ءَاخِرِ الحديثِ الذي أخرجَهُ الشيخانِ وهو مخصِّصٌ لعمومِ حديثِ الترمذيِّ وغيرِهِ البيِّنَةُ على الْمُدَّعِي واليَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه اهـ

  (وإذا) قُتِلَ قتيلٌ وادَّعَى ولِيُّهُ على شخصٍ أو جماعةٍ بقتلِهِ دعوَى صحيحةً أي تامةَ الشروطِ أي شروطِ سماعِ القاضي الدَّعوَى منَ الْمُدَّعِي وهيَ ستةٌ تأتي إن شاء الله في كتابِ الدعاوَى والشهادات ومنها أن تكونَ مفصَّلَةً كقوله قتلَهُ عمدًا أو خطأً أو شبهَ عمدٍ إفرادًا أو شركةً و(اقترن بدعوى الدم) وكذا في قطعِ طرَفٍ أو إزالةِ معنًى (لَوْثٌ) بمثلثة وهو لغةً الضَّعْفُ وشرعًا أمرٌ (يقعُ بِهِ في النفسِ) أي في قلوب الناس عادةً (صِدْقُ الْمُدَّعِي) في دعواه أي قرينةٌ تدُلُّ على صِدْقِه ويغلِبُ بها على الظَّنِّ ذلك مع كونِ تلك القرينةِ قرينةً مقاليةً كأن شهد به عدلٌ واحدٌ قوله (كأن شهد به عدل واحدٌ إلـخ) قال في أسنَى الْمطالبِ ولا يكفي قولُ الْمقتولِ أي الْمجروحِ جرحني فلانٌ أو قتلني أو دمِي عنده أو نحوُهُ فليس بلوثٍ لأنه مدَّعٍ فلا يُعتمَدُ قولُهُ وقد يكونُ بينه وبينه عداوةٌ فيقصدُ إهلاكَهُ أو صبيٌّ أو امرأتانِ أو فسقةٌ أو كفارٌ أو قرينةً حالِيَّةً كأن وُجِدَ قتيلٌ أو بعضُهُ الذي لا يعيشُ بدونه كرأسِهِ في مَحَلَّةٍ منفصلةٍ عن بلدٍ كبيرٍ أو مُجِدَ في قريةٍ صغيرةٍ لأعدائِه ولا يُشاركُهُم فيها غيرُهُم (حلفَ الْمُدَّعِي) اي الْمستحِقُّ ذُكِرَ الْمستحق ولم يُقتصر على الْمُدَّعِي لكونه أعمَّ لأنه يشمل الصور التي يحلف فيها فيرُ الْمُدَّعِي كما لو ادَّعى العبدُ الْمأذون له في التجارة بقتل عبدٍ مِن عبيد التجارة وكان هناك لوثٌ فإنَّ الذي يحلف خمسين يمينًا هو السيدُ عندئذٍ لا العبدُ عندئذٍ (خمسينَ يمينًا واستحَقَّ) بذلك (الديةَ) بلا قَوَدٍ ولا فرق في الحلف بين العدل والفاسق والْمسلم والكافر. ولو كان للقتيل وارثان فأكثرُ وُزِّعَت الأيمانُ عليهم بحسب الإرث ويُجبر الْمنكسرُ. ولا يُشترط موالاتُهَا فلو تخللها جنونٌ مِنَ الحالفِ أو إغماءٌ منه بَنَى بعد الإفاقة على ما مضَى منها إن لم يُعْزَل القاضي الذي وَقَعَت القَسامةُ عنده فإن عزل ووُلِّيَ غيرُه وجب استئنافها.

  ولا تقع القَسامةُ في قطعِ طرفٍ ولا إزالةِ معنًى ولا إتلافِ مالٍ إلا في العبدِ إذا قُتِلَ لأنَّ القسامةَ لم تَرِدْ إلا في القتلِ ولأنَّ الْميِّتَ لا يستطيعُ أن يُعبِّرَ عن نفسِهِ فقامت القسامةُ منَ الْمستحِقِّ مقامَ كلامِهِ ولا كذلكَ مقطوعُ الطَّرَفِ ومُزالُ الْمَعْنَى ومأخوذُ المال والقولُ في الأوَّلَينِ قولُ الْمُدَّعَى عليه فيحلف خمسين يمينًا لأنَّ إيمانَ الدماء كلها خمسون. (وإن لم يكنْ هناك لَوْثٌ) عند دعوَى الدمِ (فاليمينُ على الْمُدَّعَى عليه) فيحلفُ خمسين يمينًا ولا ديةَ عليه فإنْ نَكل حَلف الْمُدَّعِي خمسينَ.