(فصلٌ) في أحكام العِدَّة وأنواعِ الْمُعْتَدَّة.
وهيَ لغةً اسمُ مصدرٍ من اعتَدَّ والْمصدرُ الاعتداد. وشرعًا مدة تتربص فيها الْمرأةُ الحرةُ والأمةُ وتمنع نفسها فيها عن النكاح يُهرف فيها براءة رحمها بأقراءٍ أو أشهُرٍ أو وضْعِ حمْلٍ أو للتعبُّدِ أو للتفجُّعِ على الزوجِ والْمغلَّبُ فيها التعبدُ بدليل عدمِ الاكتفاءِ بقُرْءٍ واحدٍ مع حصول البراءةِ به وبدليل وجوب عِدَّةِ الوفاة وإن لم يدخل بها. والأصلُ فيها ءَاياتٌ وأخبارٌ منها ءَايةُ الطلاقِ (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ)
قوله تعالى (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) أي لِقُبُلِ عِدَّتِهِنَّ قال الطبريُّ غذا طلقتم نساءكم فطلقوهنَّ لطهرهنّ الذي يُحصِينه مِن عِدَّتِهِنَّ طاهرًا مِن غير جماع ولا تطلقوهنَّ بحيضِهِنَّ الذي لا يَعْتَدِدْنَ به مِن قُرْئِهِنَّ اهـ.
قوله تعالى (وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ) قال الطبريُّ أحصُوا هذه العدّة وأقراءَها فاحفظوها اهـ
وءَايةُ الأحزابِ (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍۢ تَعْتَدُّونَهَا ۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلً) قوله تعالى (فَمَتِّعُوهُنَّ) أخرج الطبريُّ عنِ ابنِ عباسٍ في تفسيرِها إن كانَ سمَّى لها صَدَاقًا فليس لها إلا النِّصفُ فإن لم يكُن سَمَّى لَهَا صَدَاقًا مَتَّعَهَا على قدرِ عُسْرِهِ ويُسْرِهِ وهو السَّراحُ الجميلُ اهـ وقال بعضُهُم الْمُتعةُ في هذا الْمَوضِعِ منسوخةٌ بقوله (فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ) اهـ
(والْمُعْتَدَّةُ على ضَربين مُتَوَفَّى عنها) زوجُها (وغيرُ مُتُوَفَّى عنها. فالْمُتوفَّى عنها إن كانت) حرةً (حاملًا فعِدَّتُها) عن وفاة زوجِها (بوضعِ الحملِ) ولو سِقْطًا أو مُضْغَةً قالت القوابلُ إنها أصلُ ءَادمِيِّ بخلافِ ما لو أنزلت عَلَقَةً وهيَ منِيٌّ مستحيلٌ إلى دمٍ غليظٍ في الرَّحِمِ لأنه لا يُسَمَّى حَمْلًا وذلك لقولِهِ تعالى في سورةِ الطلاق (وَأُوْلَٰتُ ٱلْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) فإن حملَت بتوأَمٍ انقضَت بوضعِ الثاني لا الأول. وإنما تنقضِي عدةُ الحاملِ بالوضعِ إذا أمكنَ نسبةُ الحملِ للميِّتِ ولو احتمالًا أمَّا لو ماتَ صَبِيٌّ لا يُولَدُ لِمِثْلِهِ عن حاملٍ فعدتُها فعدتُها بالأشهرِ لا بوَضْع الحَمْل إذ لا يُمكن نسبةُ الحَمْل إليه ومثلُهُ الْممسوحُ وهو الذي قُطِع جميعُ ذَكرِهِ وأُنْثَيَيْهِ إذا مات عن حاملٍ فعِدَّتُها بالأشهرِ لا بالوضعِ. (وإن كانت حائلًا) غيرَ حاملٍ (فعِدَّتُها) إن كانت حرةً ولو لم تُوطَأُ أو كانت صغيرةً أو زوجةَ صَبِيٍّ أو ممسوحٍ تَنقضِي بمُكْثها (أربعةَ أشهر وعشرًا) قوله (أربعة أشهر وعشرًا) لو مات عن مطلَّقةٍ رجعيةٍ انتقلَت إلى عدةِ الْمُتَوَفَّى زوجُها إجماعًا كما نقله ابنُ الْمنذر أو مات عن مطَلَّقةٍ بائنٍ لم تنتقل لِعِدَّةِ وفاةٍ لأنها ليست زوجةً مِنَ الأيامِ بلياليها لقولِهِ تعالى في سورةِ البقرة (وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَٰجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍۢ وَعَشْرًا) ومثلُها الحاملُ مِن غيرِ الزوجِ وسيأتي إن شاء اللهُ بيانُ عدةِ الأمةِ. وتُعتبر الأشهرُ بالأهِلَّةِ ما أمكنَ ويُكْمَلُ الْمنكسِر ثلاثين يومًا كما تقدَّمَ في نظائِرِه.
(وغيرُ الْمُتَوَفَّى عنها) التي دَخَلَ بها زوجُها الْمُعْتَدَّةُ عن فرقةِ طلاقٍ أو فسخٍ بعيبٍ أو رَضاعٍ أو لِعانٍ (إن كانت حاملًا فعدَّتُها بوَضْعِ الحَمْل) المنسوبِ لصاحب العِدَّة. (وإن كانت) حاملًا مِن غيرِ صاحبِ العِدَّة أو (حائلًا وهي مِن ذوات) أي صواحِبِ (الحيض فعدَّتُها ثلاثةُ قُرُوءٍ) جمعُ فرْءٍ بضمِّ القافِ وفتحِها وهو لفظٌ مشترَكٌ حقيقةٌ في الحيضِ والطُّهرِ (وهيَ الأطهارُ) هنا لقولِ اللهِ تعالى في سورةِ الطلاق (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) والطلاقُ في الحيض خرامٌ فينصرفُ إلى زمنِ الطُّهْرِ فيتعيَّنُ إرادَتُهُ بالقرْءِ فإن طُلِّقَت طاهرًا بأن بَقِيَ مِن زمنِ طهرها بقيَّةٌ بعد طلاقها انقضَت عدتُها بالطَّعن في حيضةٍ ثالثةٍ أو طُلقت حائضًا أو نفساءَ انقضَت عدتُها بالطَّعن في حيضةٍ رابعةٍ وما بقِيَ مِن حيضِها الذي طُلِّقَت فيه لا يُحسب قُرْءًا. (وإنْ كانَت) تلك الْمُعْتَدَّةُ (صغيرةً) غيرَ بالغةٍ أو كبيرةً بالغةً لم تحِضْ أصلًا ولم تبلُغ سِنَّ اليأسِ أو كانَتْ مُتحيِّرةً المتحيِّرةُ هيَ الْمستحاضةُ الناسيةُ لوقتِ حيضتها أو قدرِها أو لهما (أو ءَايِسَةً فعدتُها ثلاثةُ أشهُرٍ) هلاليةٍ إن انْطبقَ طلاقُها على أول الشهر فإن طُلِّقَتْ في اثناء شهرٍ فبعدَهُ هلالانِ ويُكمل الْمنكسرُ ثلاثين يومًا منَ الشهر الرابع. والْمُتَحَيِّرَةُ إن طلقت في أثناءِ الشهرِ وكان الباقي يسعُ طهرًا بأن كانَ الباقي أكثرَ مِن خمسةَ عشرَ يومًا أي بيومٍ على ما قاله الرَّمْلِيَّانِ حُسِبَ بها قُرْءًا لاشتماله على طهرٍ بلا شكٍّ وتكمِّلُ بشهرينِ هلالِيَّينِ بعدَهُ وإن كانَ لا يسعُ حيضًا وطهرًا بأن كانَ دُونَ ستةَ عشرَ يومًا لم يُحسَبْ لَهَا قُرْءًا وتعتدُّ بعدَهُ بثلاثةِ أشهرٍ. فإن حاضَتِ الْمعتدةُ بالأشهر في أثنائِها وجبَ عليها العِدَّةُ بالأقراءِ أو حاضَتْ بعد انقضاء الأشهر لم تجبْ. والتي انقطعَ حيضُها سواءٌ لعارِضٍ كرضاعٍ أو نِفاسٍ أو مرضٍ أم لا لعلةٍ تُعرَفُ تصبِرُ حتَّى تَحيضَ فَتَعْتَدَّ بالأقراءِ أو تيلغَ سِنَّ اليأس قوله (أو تبلغ سِنَّ اليأس) أي باعتبارِ ما بلغَ أئمةَ المذهبِ عن نساء الأرضِ وليس الْمعتَبَرُ نساءَ عشيرتِها فقط وأقصاهُ اثنتانِ وستونَ سنةً وقيل سِتُّونَ وقيل خمسون فَتَعْتَدَّ بالأشهرِ ولا مبالاةَ بطولِ مدةِ الانتظار.
(والمطلَّقَةُ قبلَ الدخولِ بها لا عِدَّةَ عليها) سواءٌ باشرَها الزوجُ فيما دونَ الفرجِ أم لا.
(وعِدَّةُ الأَمَةِ) إذا طلقتْ رجعيًّا أو بائنًا وكانَتْ حاملًا من صاحبِ العدةِ (بالحَمْل كعِدَّةِ الحرةِ) الحاملِ في جميع ما سبقَ (و)حيث اعتُبِرَتْ عدتُها (بالأقراء) فالواجبُ عليها (أن تعتدَّ بقرْءَيْنِ) إذ يتعذَّرُ تبعيضُ القرْءِ فإنه لا يظهرُ نصفُهُ إلا بظهورِ جميعِهِ والْمُبَعَّضَةُ والْمُكاتَبةُ وأمُّ الولد كالأَمَةِ القِنَّةِ. (و)أما عِدَّتُها إذا كانت (بالشهورِ عنِ الوفاةِ) ولو قبلَ الدخولِ فهيَ (أن تعتدَّ بشهرين وخمسِ ليالٍ) على النصفِ من الحرةِ. (و)عِدَّتُها بالشهورِ (عنِ الطلاق أن تعتَدَّ بشهر ونصف) على النِّصف منها كذلك وأما المصنفُ فجعله أولَى حيث قال (فإن اعتدَّت بشهرَينِ كانَ أولَى) أي خروجًا منَ الخلاف وفي عِدَّتُها ثلاثةُ أشهرٍ وهو الأحوطُ قالَ الغزيُّ هنا (كما قال الشافعيُّ) والأدقُّ أن يُقالَ إنَّ الشافعيَّ رضي الله عنه لم يَقُلْ هذا عن الأمة الْمطلَّقَةِ إنما قاله في الاستبراء وأما في الأمة الْمُطَلَّقَةِ فهو قولٌ مخرَّجٌ كما بيَّنَ ذلك الغزاليُّ فقال في الوسيطِ (وقد نصَّ في أم الولد إذا أعتقت على قولين أحدهما أنه يكفيها شهر واحد بدلًا عن قُرْءٍ واحد في الاستبراء والثاني أنها تعتد بثلاثة أشهر لأن ما يتعلقُ بالطبع من علامة البراءة لا يختلف بالرق فيُخْرَّجُ من هذا قول ثالث في الْمنكوحة أنها تعتد بثلاثة أشهر) اهـ وعليه جمعٌ من الأصحاب.