الأربعاء ديسمبر 11, 2024

(فصلٌ) في أحكامِ الطلاق.

  هو لغةً حَلُّ القَيدِ وشرعًا اسمٌ لِحَلِّ قَيْدِ النكاح ويُشترطُ لنفوذِه التكليفُ والاختيارُ فلا يصحُّ مِنْ صبيٍّ ومجنونٍ ومكرَهٍ بغيرِ حقٍّ نعم ينفذُ طلاقُ السكرانِ المتعدِّي عقويةً له.

  (والطلاقُ ضربانِ صريحٌ وكنايةٌ) فالصريحُ ما لا يَحْتَمِلُ غيرَ الطلاقِ والكنايةُ ما يحتملُهُ وغيرَهُ ويُشترط في كلٍّ منهما قصدُ اللفظِ مع معرفةِ معناه فلو لم يقصدِ اللفظَ كتلفُّظِهِ به في النومِ أو سَبْقَ لسانٍ أو قَصَدَهُ مِن غير معرفةِ مدلولهِ أي معناه كَتَلَفُّظِ أعجمِيٍّ به لم يقعْ نعم يُشترط في الكنايةِ قصدُ الإيقاعِ حالَ النطقِ بخلافِ الصريحِ فلو تلفظَ الزوجُ بالصريحِ وقال لم أُرِدْ به الطلاقَ لم يُقْبَلْ قولُهُ فإن ادَّعَى أنه أراد طلاقًا من وثاقٍ أو تسريحًا منَ اليد أو فراقًا بالقلب من غير قريبةٍ على أيٍّ من ذلك ففي شرحِ السيوطيِّ على التنبيهِ أنه لا يُقبَلُ قولُهُ في الحُكمِ ويُدَيَّنُ فيما بينه وبين الله فإن كانت قرينةٌ قُبِلَ في الظاهر أيضًا اهـ. إلا أنَّهُ لو عقب الصريح بما يخرجه عن الصراحة كان كنايةً وهي الألفاظُ التي تحتمل الطلاق وتحتمل غيره كما لو قال أنتِ طالق من الوثاق أو سرَّحْتُكِ غلى الحقلِ. (فالصريحُ ثلاثةُ ألفاظٍ الطلاقُ) على رأيٍ مرجوحٍ والراجحُ أنَّ قوله أنتِ طلاقٌ كنايةٌ لأنَّ المصادر إنما تُستعمل في الأعيان توسعًا وأمَّا ما اشْتُقَّ منه كطلَّقْتُكِ وأنتِ طالقٌ وأنتِ مُطَلَّقَةٌ فصريحٌ (والفِراقُ والسَّراحُ) على رأيٍ مرجوحٍ والراجحُ أنهما كنايةٌ كالطلاقِ وأمَّا ما اشْتُقَّ منهما كفارقتُكِ وأنتِ مُفَارَقَةٌ وسَرَّحْتُكِ وأنتِ مُسَرَّحَةٌ فصريحٌ. ومِنَ الصريح أيضًا الطلاقُ والفراقُ والسَّراحُ إذا وقعَ كلٌّ مبتدأً أو مفعولًا من نحوِ الطلاق لازمٌ لي وأوقعتُ عليكِ الطلاقَ. ومنها الخلعُ والمفاداةُ إن ذكرَ الزوجُ معهما المالَ أو نواهُ فإن لم يذكر المال ولم يتوِهِ لم يكونا صريحينِ بل كنايتينِ. ومنها لفظُ نعم قوله (ومنها لفظُ نعم إلـخ) أما لو سُئِلَ أطلَّقْتَ امرأتَك من غير أن يظهرَ من ذلك التماسُ إنشاء الطلاق فقال نعم فقد قالوا طلقتْ وإن لم ينوِ لصراحةِ لفظ نعم في الجوابِ قال في البيانِ ثم يُنظرُ فإن كان صادقًا في أنه كان طلَّقَها قبلُ وقع الطلاقُ عليها ظاهرًا وباطنًا وإن لم يكن طلَّقَ قبل ذلك وإنما كذب وقع الطلاقُ في الظاهرِ دون الباطن وإن زعم أنه كان طلقها في نكاحٍ ءَاخَرَ ثم عاد فتزوجها وأقام بينةً على ذلك فالقولُ قولُه مع يمينه وإلا فإن لم يُقِم البينة لم يُقبَلْ قولُهُ في الظاهرِ ودُيِّنَ فيما بينه وبين الله تعالى اهـ في جوابِ مَنِ التُمِسَ منه إنشاءُ الطلاقِ بأن قال أطلقتَ زوجتَكَ قاصدًا التماسَ الإنشاءِ فقال نعم فيقعُ بها الطلاقُ لأنها قائمة مقام طلقْتُ زوجتي. (ولا يَفتقرُ) لفظ (صريحِ الطلاقِ) في وقوعِه (إلى النيةِ) كما تقدَّمَ ويُستثنَى مِن ذلك الْمُكْرَهُ على الطلاق بغيرِ حقٍّ فالصريحُ كنايةٌ في حَقِّهِ إن نَوَى الطلاقَ وَقَعَ وإلا فلا.

  (والكنايةُ كلُّ لفظٍ احتملَ الطلاقَ وغيرَهُ ويفتقِرُ) في وقوعِهِ (إلى النيَّةِ) فإن نَوَى به الطلاقَ وقعَ وإلا فلا فكنايةُ الطلاق كـأنتِ بَرِيَّةٌ خَلِيَّةٌ الحَقِي باهلِكِ اعتدِّي استَتِرِي كُلِي اشرَبِي تَجَرَّعِي ونحوُ ذلك. ومنها الكتابةُ فإن كتبَ صريح الطلاقِ لم يقع به طلاقٌ إلا أن ينويَهُ بكتابِهِ. وأما ما لا يحتملُ الطلاقَ كقومِي واقْعُدِي ونحوِ ذلك فلا يقعُ به الطلاقُ وإن نواهُ لعدمِ صلاحِيَةِ اللفظِ له.

  (والنِّساءُ فيه) أي الطلاقِ (ضربان ضربٌ في طلاقهِنَّ سُنَّةٌ وبدعةٌ) أي يُوصَفُ طلاقُهُنَّ بذلك بحسب الحال (وهُنَّ ذواتُ الحيضِ) والمرادُ بالطلاقِ السُّنِّيِّ الطلاقُ الجائزُ الواقعُ على وفقِ الطريقةِ التي أرشدَ إليها الشارعُ في إيقاعِ الطلاقِ والمرادُ بالبِدْعِيِّ الطلاقُ الحرامُ المخالفُ لتلك الطريقة (فالسُّنَّةُ أن يُوقِعَ) الزوجُ (الطلاقَ) على مدخولٍ بها (في طهرٍ غيرِ مجامعٍ فيه) ولا في حيضٍ أو نفاسٍ قبلَهُ (والبدعةُ أن يوقِعَ) الزوجُ (الطلاقَ) على مدخولٍ بها (في الحيضِ) أو النفاسِ (أو في طهرٍ جامَعَها فيه) أو في نحوِ حيضٍ قبلَهُ لأنهُ يُورثُ الندمَ أو يُؤَخِّرُ العِدَّةَ.

  (وضربٌ ليس في طلاقهِنَّ سنةٌ ولا بدعةٌ) فلا يُوصَفُ طلاقُهُنَّ بأنَّ منه قسمًا سنةٌ وقسمًا بدعةٌ بل هو طلاقٌ جائزٌ (وهنَّ أربعٌ الصغيرةُ) التي لم تَحِضُ أصلًا (والآيِسَةُ) وهيَ التي انقطعَ حيضُها وبلغَتْ سِنَّ اليأسِ وهو اثنتانِ وسِتُّونَ سنةً قمريةً (والحاملُ) التي ظهر حملُها إذ لا ندمَ ولا طُولَ للعِدَّةِ بطلاقِها (والمختلعةُ) عبارة المصنفِ هيَ (والمختلعة التي لم يدخل بها) وظاهرها يوهم أنها صورة واحدة والحقُّ كما في نهايةِ المطلبِ لإمامِ الحرمَينِ أنهما صورتان المختلعة والمطلقة التي لم يدخل بها. لأنَّ دفعَها المالَ يدلُّ على احتياجها للخلاصِ حيثُ افْتَدَتْ قوله (افتدت) أي بذلتْ ذلك عن نفسِها كما قالَهُ الراغبُ ونقله عنه الزبيديُّ في التاج. بالمالِ وكذا (التي لم يَدخُلْ بها) الزوجُ فلا يُوصَفُ طلاقُها بسنةٍ ولا بِدعةٍ إذ لا عِدَّةَ عليها.

  وينقسمُ الطلاق باعتبارٍ ءَاخَرَ إلى واجبٍ كطلاقِ الْمُولِي غذا طُولب بالطلاق ومندوبٍ كطلاقِ امرأةٍ غيرِ مستقيمةِ الحال كسيئةِ الخُلُقِ وغير العفيفةِ ومكروهٍ كطلاقِ مستقيمةِ الحالِ وعليها يُحْمَلُ حديثُ أبي داودَ أبغضُ الحلالِ إلى اللهِ الطلاقُ اهـ وحرامٌ كطلاقِ البدعةِ وقد سَبَقَ. واشارَ الإمامُ للطلاقِ الْمُباحِ بطلاق مَنْ لا يَهْواها الزوجُ ولا يسمحُ نفسُه بمُؤنَتِها بلا استمتاعٍ بها بل يَرَى ذلك ضائعًا بلا فائدةٍ.