(فصلٌ) في أحكامِ الصَّداقِ وهو بفتح الصاد أفصحُ من كسرها مشتقٌ مِنَ الصَّدْقِ بفتح الصاد وهو اسمٌ لشديدِ الصُّلْبِ مِنَ الرجالِ وشرعًا اسمٌ لِمَالٍ واجبٍ على الرجلِ بنكاحٍ أو وَطْئِ شُبْهَةٍ أو موتٍ. والأصلُ فيه قبلَ الإجماعِ ءاياتٌ كقولِهِ تعالى (وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحْلَةً) وأخبارٌ كقولِه عليه الصلاة والسلام لِمُرِيدِ التَّزَوُّجِ الْتَمِسْ ولو خاتَمًا مِنْ حديدٍ اهـ رواه الشيخانِ.
(ويُستحبُّ تسميةُ المهرِ في) عقدِ (النكاحِ) ولو في نكاحِ عبدِ السيدِ أمتَهُ ويَكفي تسميةُ أيِّ شىْءٍ كان مِمَّا يُتَمَوَّلُ ولكن يُسَنُّ عدمُ النقصِ عن عشرةِ دراهمَ وعدمُ الزيادة على خمسِمِائَةِ درهمٍ خالصةٍ قوله (وعدمُ الزيادة على خمسِمِائَةِ درهمٍ خالصةٍ) قال الإمامُ الشافعيُّ رضيَ اللهُ عنه في الأُمِّ والقَصْدُ في الصَّداقِ أحبُّ إلينا وأستحبُّ أن لا يُزاد في الْمَهْرِ على ما أصدَقَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم نساءَهُ وبناتِهِ وذلك خمسُمِائَةِ درهمٍ طلبًا للبركة في موافقةِ كلِّ أمرٍ فَعَلَهُ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم اهـ ويُعْلَمُ مِن قولِهِ (ويُستحَبُّ) أنَّهُ يجوزُ إخلاءُ عقدِ النِّكاحِ عن تسميةِ الْمَهْرِ (فإن لم يُسَمَّ) في عقدِ النكاحِ (صَحَّ العَقْدُ و)وجبَ للمعقودِ عليها مَهْرُ الْمِثْلِ.
وإن لم يُسَمَّ الْمَهرُ مع قولِهَا لِوَليِّها زَوِّجْنِي بلا مهر ونحوِه قوله (ونحوِه) قال في النجم الوهاج لو قالت الرشيدةُ زوجنِي وسكتَت عن المهر فوجهان أحدُهما وبه جزم الإمامُ أنَّ هذا ليس بتفويضٍ لأنَّ النكاح يعقد غالبًا بمهر فيحمل الإذنُ على العادة فكأنها قالت زوجنِي بمهر المثل فتستحقه بالعقد قال في الشرح الصغير وهذا هو الظاهر والثاني أنه تفويضٌ صحيحٌ وهذا هو الصوابُ المنصوصُ في الأم كما قاله في المهمات تهـ قلتُ قال في الأمِّ التفويضُ الذي إذا عَقد الزوجُ النكاحَ به عَرِفَ أنه تفويضٌ في النكاح أن يتزوَّجَ الرجلُ المرأوَ الثيِّبَ المالكةَ لأمرِها برضاها ولا يُسَمِّيَ مهرًا أويقول لها أتزوجُكِ على غيرِ مهرٍ فالنكاحُ في هذا ثابتٌ إلـخ اهـ فهيَ الْمُفَوِّضةُ وإنما يصحُّ تفويضُها إذا كانت بالغةً رشيدةً فإذا قالت السفيهة لولِيِّها زَوِّجْنِي بلا مهرٍ كان إذنُها في عدمِ الْمَهْرِ غيرَ معتَبرٍ ويستفيدُ به الولِيُّ جوازَ التزويجِ. ومثلُ الحُرَّةِ في ذلك الأمةُ فتكونُ مُفَوِّضةً غذا زوَّجَها السيِّدُ ونَفَى الْمَهْرَ أو سكتَ عنه لأنه المستحقُّ للمهرِ فأشبَهَ الرشيدةَ. فإذا صحَّ التفويضُ (وجبَ المهرُ) فيه (بثلاثةِ أشياءَ أن يَفرِضَه الزوجُ على نفسِه) أي يُقدِّرَهُ ويُقرِّرَهُ قبلَ الوَطْءِ دَيْنًا كان أو عَينًا عرضًا أو نقدًا وتَرضَى الزوجةُ بهِ فإذا لم ترضَ به فكأنَّهُ لم يفرِض ولها قبل الوطْءِ مطالبةُ الزَّوجِ بأن يفرِضَ مَهْرًا وحَبْسُ نفسِها لِيَفْرِضَ (أو يفرضَهُ الحاكمُ) على الزوجِ إذا امتنعَ الزوجُ مِنَ الفرضِ فيفرِضُ الحاكمُ عليه عندئذٍ مهرَ الْمِثلِ من نقدِ البلدِ حالًا وإن لم يرضَ الزوجان بما فرضَهُ (أو يدخلَ) الزوجُ (بها) أي الزوجةِ المفوِّضَةِ قبل فرضٍ من الزوجِ أو الحاكمِ (فيجبُ) لَهَا (مهرُ الْمِثلِ) بنفسِ الدخولِ وتُعتبرُ المثليَّةُ في هذا الْمَهْرِ بحالِ العقدِ في الأصحِّ لا عند الدخولِ. فإن ماتَ أحدُ الزَّوجين قبلَ فرضٍ وَوَطْءٍ وجبَ مهرُ الْمثلِ في التفويضِ. والمرادُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ قدرُ ما يُرْغَبُ به في مشثلها عادةً وتُرَاعَى أقربُ امرأةٍ تُنْسَبُ إلى مَن تُنْسَبُ إليه المنكوحةُ مِنَ الآباء فتُرَاعَى الأختُ ثم بنتُ الأخِ ثم العمةُ ثم بنتُ العمِّ فإن تعذَّرَ اعتبارُ نساءِ العصباتِ اعتُبِرَ بالأمِّ وقراباتِها فتُقَدَّمُ أمٌّ ثم أختٌ لأمٍّ ثم جدةٌ ثم خالةٌ ثم بنتُ أختٍ ثم بنتُ الخالِ وبنتُ الخالةِ. ويُعتبر في جميع ذلك سِنٌّ وعقلٌ وعِفَّةٌ وجمالٌ وفصاحةٌ وعِلمٌ وشَرَفٌ وبكارةٌ ويسارٌ وغيرُها مِمَّا يختلف به الغَرَضُ. وذكرَ الشافعيُّ أنَّ المرأةَ إذا قالت للرجلِ أتزوَّجُكَ على أن تفرضَ لي ما شئتَ أنتَ أو ما شئتُ أنا أو ما حكمتَ أنتَ أو ما حكمتُ أنا أو ما شاءَ فلانٌ أو مارضِيَ أو ما حكم فلانٌ لرجلٍ ءَاخَرَ فهذا كُلُّهُ نكاحٌ بصداقٍ ولكنه مجهولٌ فهو كصداقِ الفاسدِ من ميتةٍ وخمرٍ وما أشبه ذلك مما لا يحلُّ ملكه ولا بيعه في حاله تلك أو على التأبيد فلها في هذا كلِّهِ مهرُ مثلِها فإن طلَّقَها قبل أن يدخل بها فلها نصفُ مهر مثلِها ولا متعةَ لها.
(وليس لأقلِّ الصَّدَاقِ) حدٌّ معينٌ في القِلَّةِ (ولا لأكثرِه حدٌّ) معيَّنٌ في الكَثرةِ بل الضابطُ في ذلك أنَّ كلَّ شَىْءٍ صَحَّ جعلُه ثمنًا مِن عينٍ أو منفعةٍ صحَّ جعلُه صَدَاقًا. وتقدَّمَ أنَّ الْمستحَبَّ عدمُ النَّقْصِ عن عشرةِ دراهمَ وعدمُ الزيادةِ على خمسِمِائَةِ درهمٍ. (ويجوزُ أن يتزوجَهَا على منفعةٍ معلومةٍ) تُسْتَوفَى بعقدِ الإجارَةِ كتعليمٍ فيه كلفةٌ أو على أن يَخدمَها شهرًا أو يبنِيَ لها دارًا أو يخيطَ لها ثوبًا أو يرعَى لها غنمًا ويشملُ التعليمُ ما يجبُ تعلُّمُه وغيرَهُ مما يجوزُ كالفاتحة والقرءانِ والحَديث والفِقْه والشعرِ والخطِّ وكتابٍ معيَّنٍ وغيرِ ذلك.
(ويَسقطُ بالطلاقِ قبلَ الدخولِ نصفُ المهرِ) أما بعد الدخولِ ولو مرةً واحدةً فيجبُ كلُّ المهرِ ولو كان الدخول حرامًا كوَطْءِ الزوجِ زوجتَهُ حالَ إحرامها أو حيضها. ويجب كلُّ الْمَهْرِ كما سبق بموتِ أحدِ الزوجين لا بخلوةِ الزوجِ بها في الجديد. وإذا قَتَلَت الحُرَّةُ نَفْسَها قبل الدخول بها لا يسقط مهرُها بخلاف ما لو قَتَلَت الأمةُ نفسَها أو قتلَها سيدُها قبلَ الدخول فإنه يَسقط مهرها.
فائدةٌ. طلاقُ الْمُفَوِّضَةِ قبل وجوبِ الْمَهْرِ لها بما مرَّ لا يُوجِبُ مهرًا فلا يَتَشَطَّرُ صداقُها إذ لم يجب بعدُ لكنه يوجبُ المتعةَ أمَّا غيرُ الْمفوضة فإنْ تَشَطَّرَ مهرُها لم تجب لها مُتْعَةٌ بطلاقها وإلا بأنْ وجبَ كلُّ مهرها وجبَت. والْمُتْعَةُ مالٌ يجبُ على الزوج بفراقِ زوجةٍ لم يَتَشَطَّرْ مَهْرُها إن كانت الفرقةُ بغير سببٍ منها ويُسَنُّ أن لا تَنْقُصَ عن ثلاثين درهمًا وأن لا تبلغَ نصفَ الْمَهر فإن تنازعا قَدَّرَها القاضي باجتهادِهِ.