الإثنين ديسمبر 8, 2025

فائدة

المؤمن الذي هو عند الله مؤمن حقيقة، محقق الإيمان، يكون بلاؤه على حسب قوته في دينه، يزاد بلاءه في الدنيا على حسب ذلك. فالصبر هو مدار النجاح والفلاح في الآخرة، وهو حبس النفس وقهرها على مكروه تتحمله أو لذيذ تفارقه، وإذا اجتمعت أنواع الصبر الثلاثة فهي أعلى المراتب، الصبر على الطاعة والصبر عن المعصية والصبر على الشدائد والمصائب. وقد قال رسول الله وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر. وعن عطاء بن أبي رباح، قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ فقلت: بلى، قال هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع وإني أتكشف فادع الله تعالى لي. قال: إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله تعالي أن يعافيك فقالت أصبر، فقالت: إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها.

وقد روى البيهقي حديثا معناه أن الناس يوم القيامة يرون ما يناله من ابتلي من المسلمين في الدنيا فصبر من الأجر العظيم فيتمنون أن لو كانوا ابتلوا مثلهم لينالوا مثل أجرهم.

كثير من الأولياء يصيبهم في آخر حياتهم فالج. أحدهم كان من التابعين، من شدة حسن ديانته قال له عبد الله بن مسعود رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو رآك رسول الله { لأحبك، من شدة ما أعجب به يقال له الربيع بن خثيم، هذا التابعي كان أصابه فالج فيسيل اللعاب من فمه، وله من الدرجة في العلم والتقوى والزهد حظ كبير.

وكان آخر بعد الربيع بن خثيم يقال له عبد الواحد بن زيد أصابه فالج فدعا الله تعالى أن يرفعه عنه للطهارة والصلاة، فعندما يريد الوضوء والصلاة يرتفع عنه، ثم يعود إليه.

هذا عند أهل الفهم في الدين، أما الجهال الذين لم يفهموا الدين كما يجب، يظنون أن الذي تكثر عليه المصائب هو قليل الحظ في الخيرات، في الدرجات عند الله. يظنون عكس الحقيقة. حتى إن بعض الناس عندما يبدؤون بالعبادة بالصلاة وترك المعاصي التي كانوا يعملونها تصيبهم المصائب فيقولون: هذه المصائب ما كانت تصيبنا لما كنا على غير هذه الحالة، هذه المصائب اصابتنا لأننا أقبلنا على الطاعات. هؤلاء على خطر عظيم، فمن تشاءم بالعبادة لأجل هذا الأمر يكفر، وسبب هذا البعد من تعلم علم الدين على مذهب أهل الحق فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من الصالحين من فرحهم بالبلاء أشد من فرح الناس بالعطاء. من شدة ما تمكن في نفوسهم الرضا عن الله يفرحون بالبلاء أكثر من فرح الناس بالعطاء هؤلاء الذين قال الله فيهم: (رضي الله عنهم ورضوا عنه) معناه يسلمون لله تسليماً كاملاً مهما أصابهم من المصائب فإنهم لا يخرجون عن الرضا عن الله.

فالمسلم الذي يواقع المعاصي وهو ضعيف في أمور الدين ويبقى في عافيته وصحته وتنعمه، هذا حظه قليل في الآخرة، يدخر له جزاء معاصيه إلى الآخرة، أما المسلم الذي إذا واقع بعض المعاصي تصيبه مصيبة هذا يكفر الله عنه في الدنيا بهذه المصائب.

البسط في الراحة في راحة المعيشة ليس من الصفات العلية عند الله.

لو كان الأمر كذلك كان الأنبياء أكثر الناس في الدنيا راحة وبسطاً لكنهم على العكس.

قال رسول الله إذا احب الله عبداً حماه الدنيا كما يحمي أحدكم سقيمه الماء رواه مسلم.

فقد قال رسول الله “ما أوتي أحد خيراً وأوسع من الصبر”.

الصبر ثلاثة أنواع فمن اكتمل فيه الأنواع الثلاثة من أنواع الصبر فهو من عباد الله الصالحين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، لا خوف عليهم في القبر ولا في الآخرة.

  • الأول من أنواع الصبر الصبر على البلاء من فقر أو مرض أو أذى الناس.
  • والثاني الصبر على أداء الطاعة أداء الواجبات وأداء الصلوات في البرد والحر وفي السفر وفي الحضر وعند الشغل وعند الفراغ والصبر على مشقة الصيام.
  • والثالث الصبر على حبس النفس عن المحرمات. فمن اكتمل فيه هذه الأنواع الثلاثة صار من عباد الله الصالحين. وكان الأنبياء أشد الناس بلاء في الدنيا ثم غير الأنبياء على حسب درجاتهم عند الله يكثر بلاؤهم.