فائدة مهمة عظيمة النفع تتعلق بعصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
قال الحافظ الحجة القدوة الفقيه الشيخ عبد الله الهرري الحبشي رحمه الله رحمة واسعة ورضي الله عنه، في كتابه «الدليل القويم على الصراط المستقيم» ما نصه[(185)]: «عصمة الأنبياء:
تجب للأنبياء العصمة من الكفر والكبائر وصغائر الخسة والدناءة كسرقة لقمة. ويجوز عليه ما سوى ذلك من الصغائر.
وهذا قول أكثر العلماء كما نقله غير واحد وعليه الإمام أبو الحسن الأشعري، وخالفه بعض الأشاعرة في وقوع الصغائر التي لا خسة فيها منهم فقال تاج الدين السبكي في قصيدته النونية:
والأشعري إمامنا لكننا
في ذا نخالفه بكل لسان
أقول: يا ليته وافقه إذ هو الموافق للنصوص.
فإن قيل إننا مأمورون بالاقتداء بهم فلو كانوا يعصون للزم الاقتداء بهم في المعصية ولا يعقل ذلك.
فالجواب أنهم ينبهون فورًا فلا يُقَرُّون عليها بل يتوبون قبل أن يقتدي بهم أحد فزال المحذور.
فمن الغلو القبيح قول بعض المنحرفين من المتصوفة أن ءادم كان منهيًا عن الأكل من الشجرة ظاهرًا مأمورًا باطنـًا. وقال بعض هؤلاء في إخوة يوسف مثل ذلك وذلك تكذيب للنص.
أما في حق ءادم فقد قال تعالى: {…وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى *} [سورة طه] أخبرنا الله بأنه نُهِيَ ولم يخبرنا بأنه أُمِرَ بالأكل من الشجرة وكيف يجتمع الأمر بشئ والنهي عنه في حق شخص واحد في وقت واحد ثم أخبرنا بأنه تاب عليه بقوله {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ… *} [سورة البقرة] وأما إخوة يوسف الذين كادوه فلم يخبرنا الله تعالى إلا بجرائمهم وأخبرنا أن يوسف قال لهم: {…لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ… *} [سورة يوسف] فكيف يعقل أن يكونوا مأمورين باطنًا.
وكانت معصية الأكل صغيرة وليست كبيرة كما تدعي النصارى. فقد قالوا إن المسيح جاء ليخلص البشر من تبعتها وأعظِمْ بذلك افتراء. وكانت الكلمات التي تلقاها ءادم ما ذكر الله بقوله {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ *} [سورة الأعراف] .
قاعدة في عصمة الأنبياء: قال الشيخ التلمساني في «شرح لمع الأدلة» ما نصه[(186)]: «لا يجوز عليهم الكبيرة ألبتة ويجوز تعمد الصغيرة بشرط عدم الإصرار، ولا يجوز منهم صغيرة تدل على خساسة النفس ودناءة الهمة كتطفيف حبة وسرقة باقة بقل» اهـ، ثم قال[(187)]: «وأما عصمتهم عن الكبائر والإصرار على الصغائر وعن كل صغيرة تؤذن بقلة الاكتراث بالدين فمستند إلى الإجماع القاطع، فإن السلف رضي الله عنهم لم يزالوا يحتجون بالنبي بأفعاله وأقواله ومتبادرون إلى التأسي به، وجميع الظواهر التي اعتمد عليها الحشوية قابلة التأويل». «وأما يونس فقيل: إنما كرّمه الله بالنبوة والرسالة بعد أن نبذ بالعراء قال الله عزّ وجل {فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ *} [سورة القلم] ، وأما نبينا صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين في قصة الفداء في أسارى بدر والإذن للمنافقين في التخلف عن غزوة تبوك وعبوس الوجه لابن أم مكتوم فكلّ ذلك ترك للأولى) اهـ.
وقال التلمساني ما نصه[(188)]: «اعلم أنه لما ثبت صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وعصمته في ما يبلغه عن الله تعالى وجب التصديق بكل ما أخبر من أمور الغيب جملة وتفصيلا، فإن كان مما يُعلم تفصيله وجب اعتقاده، فإن لم يُعلم تفصيله وجب أن يؤمن به جملة ويرد تأويله إلى الله تعالى ورسوله ولمن اختصه الله عزّ وجل بالاطلاع على ذلك» اهـ.
ـ[185] الدليل القويم على الصراط المستقيم (الطبعة الثانية طبع دار المشاريع 1430 هـ ص336 إلى 349).
ـ[186] شرح لمع الأدلة (ص197، مخطوط).
ـ[187] شرح لمع الأدلة (ص/198).
ـ[188] شرح لمع الأدلة (ص/201).