الأحد ديسمبر 22, 2024

غزوة بني النضير

الثانية عشرة غزوة بني النضير [26]: بوزن أمير حي من يهود خيبر، وكانت في ربيع الأول سنة أربع على رأس سبعة وثلاثين شهرًا من هجرته خرج فصلى بقباء ومعه نفر من المهاجرين والأنصار، ثم أتاهم ليعينوه في دية العامريين اللذَيْن قتلهما عمرو بن أمية الضمري في رجوعه من بئر معونة فأجابوه، وكان بينهم وبين المصطفى وبين بني عامر عهد فخلا بعضهم ببعض وهموا بالغدر فقالوا: اجلس يا محمد حتى تطعم وترجع بحاجتك فجلس وأصحابه إلى ظل جدار من بيوتهم ينتظرون أن يصلحوا أمرهم، فابتدر عمرو بن حجاش ليلقي عليهم صخرة من أعلى الدار فنهاه ابن مشكم وقال: إنه لنقض للعهد، فأُخبر بذلك من السماء فقام راجعًا إلى المدينة فلما استبطأه أصحابه قاموا في طلبه حتى انتهوا إليه فأخبرهم الخبر وأرسل إليهم محمد بن مسلمة يأمرهم بالخروج من جواره، وبعث إليهم أهل النفاق يثبتونهم ويعدونهم النصر وبعثوا إلى المصطفى أنهم لا يخرجون ولئن قاتلهم ليقاتلونه، فأمر بالتأهب لحربهم خمسة عشر يومًا مكتوم على المدينة وسافر وعلي يحمل رايته فحاصرهم خمسة عشر يومًا وتحصنوا بالحصون فقطع نخيلهم وحرقها وخرب بيوتهم، وكان بعض المنافقين أرسلوا يعدونهم بالقتال معهم فكف الله أيديهم وأيدي المنافقين وقذف في قلوبهم الرعب، فسألوا الجلاء والكف عن الدماء على أن لهم ما حملت الإبل من مالهم إلا الحلقة أي السلاح، فأجابهم فحملوا حتى كان الرجل يهدم بيته بيده فيأخذ بابه فيضعه على ظهر بعيره، فخرجوا إلى خيبر منهم [ابن أبي] الحقيق وحيي بن أخطب، ومنهم من ذهب إلى الشام وتركوا مالهم لرسول الله خاصة ولم يسلم منهم سوى يامين بن عمير وأبي سعد بن وهب فأحرزوا مالهما، وفي بني النضير نزلت سورة الحشر، وقبض ما فيها من السلاح خمسين درعًا وخمسين بيضة وثلاثمائة وأربعين سيفًا، وخرجوا على ستمائة بعير وقسمها بين المهاجرين بعد أن ذكر أن ذلك للأنصار، وخيَّرهم بين قسمتها بينهم جميعًا أو تخصيص المهاجرين ويردوا عليهم أموالهم فرضوا به، ورد المهاجرون على الأنصار ما كانوا شارطوهم عليه من أموالهم، وأعطى رجلين منهما سهل بن حنيف وأبا دجانة لأنهما ذكرا فقرًا، وأعطى سعد بن معاذ سيف ابن أبي الحقيق وكان سيفًا له ذكر.

وقدم حيي بن أخطب مكة يستنفرهم على رسول الله، وهنا نذكر قصة عمرو بن سعدى القرظي وذلك أنه مر على ديار بني النضير وهي بباب خراب ليس بها داع ولا مجيب، فرجع إلى بني قريظة فوجدهم بالكنيسة فنفخ في بوقهم فاجتمعوا فقال له الزبير بن باطا: أين كنت وكان يعهده لا يفارق الكنيسة قال رأيت اليوم عِبَرًا اعتبرت بها، رأيت منازل إخواننا خالية بعد ذلك العز والجلد والشرف الفاضل والعقل البارع تركوا أموالهم وملكها غيرهم وخرجوا خروج ذل، والتوراة ما سلط الله هذا على قوم قط لله بهم حاجة، وقد أوقع قبل ذلك بابن الأشرف وببني قينقاع فأجلاهم وكانوا أهل عدة وسلاح، يا قوم [قد رأيتم ما] رأيتم فأطيعوني وتعالوا نتبعه فإنكم تعلمون أنه نبي وبشرنا به نبينا، وأسكتوا فلم يتكلم منهم متكلم، ثم أعاد الكلام وخوّفهم بالحرب والجلاء فقال كعب بن أسد: ما تطيب نفسي أن أصير تابعًا، فأسلم هو.

[26] راجع تفصيل هذه الغزوة في طبقات ابن سعد [2/43]، السيرة النبوية [2/190]، تاريخ الطبري [2/83]، الدرر [ص/174]، عيون الأثر [2/70]، الكامل [2/173]، فتح الباري [7/329].