الأحد ديسمبر 22, 2024

غزوة القضية

الثالثة والعشرون غزوة القضية [38]: وتسمى عمرة القضاء وعمرة الصلح وعمرة الأمن، وذكرت في الغزوات لتضمنها ذكر الصلح مع المسلمين، فخرج في ذي القعدة مستهل الشهر الذي صده فيه المشركون فهي سنة سبع ولم يتخلف ممن شهد الحديبية أحد، فلما سمع به أهل مكة نفرت أشرافهم إلى البوادي كراهة أن ينظروا إليه غيظًا وحنقًا ونفاسة، وتحدث قريش أن محمدًا وصحبه في جهد وشدة وصفوا عند دار الندوة لينظروا إليهم فاضطبع المصطفى بردائه وأخرج عضده اليمنى وقال: “رحم الله امرءًا أراهم اليوم من نفسه قوة”، ثم استلم الحجر ثم هرول حتى إذا واراه البيت منهم مشى حتى استلم الركن، ثم هرول كذلك ثلاثة أطواف ومشى في سائرها ودخل مكة وابن رواحة يرتجز بيد يديه:

خلوا بني الكفار عن سبيله *** خلوا فكل الخير في رسوله

يا رب إني مؤمنٌ بقيله *** أعرف حق الله في قبوله

وكان بعث بين يديه جعفر بن أبي طالب يخطب ميمونة بنت الحارث الهلالية فجعلت أمرها إلى العباس فزوجها منه، ثم قضى نسكه وأقام بمكة ثلاث ليال فلما أصبح الرابع أتاه سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى وقالا: نناشدك الله والعقد إلا خرجت من أرضنا فقال سعد بن عبادة: كذبتَ ليست بأرضك ولا أرض أبيك لا يخرج إلا راضيًا، قال المصطفى: “ويحك يا سعد لا تؤذ قومًا زارونا في رحالنا”، ثم قال: “وما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم وصنعت لكم طعامًا” قالوا: لا حاجة لنا بطعامك اخرج عنا، فأذن بالرحيل وخلف أبا رافع على ميمونة حتى أتاه بها بسرف وقد لقيت ومن معها عناءً وأذى من سفهاء الكفار وصبيانهم، فبنى بها بسرف ثم أدلج فسار حتى قدم المدينة.

ففتح مكةَ حُنينٌ وتلا *** غزاةُ طائفٍ تبوكٌ قاتَلا

منها بتِسْعٍ أحدٍ والخندقِ *** بدرٍ بني قريظة المُصطلق

خيبرَ والفتحِ حُنينٍ طائفِ *** وقد حكوا عن قولِ بعضِ السلفِ

بأنهُ قاتلَ في النَّضيرِ *** وغابةِ وادي القرى المشهورِ

[38] راجع تفصيل هذه الغزوة في: طبقات ابن سعد [2/92]، السيرة النبوية [2/370]، الدرر [ص/221]، عيون الأثر [2/191]، الكامل [2/227]، فتح الباري [7/499].