الإثنين ديسمبر 23, 2024
  • غزوة الخندق

     

    إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي لـه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى كلِّ رسول أرسله.

     

    أما بعد عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليِّ العظيم. يقول الله تبارك وتعالى: {يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدّمت لغد واتقوا الله إنّ الله خبير بما تعملون} .

     

    اخوة الإيمان ، فإني في مثل هذا الشهر أي شهر شوّال وفي الخامس عشر منه كانت غزوة الخندق ويقال لها غزوة الأحزاب. ومن هذه الغزوة كما غيرها نأخذ عِبرًا ودروسًا ومواعظ . ففي هذه الغزوة معاشر المؤمنين قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود وأعوانهم فنصره الله عليهم، وفي هذه الغزوة شاور رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فأشار عليه الصحابيّ الجليل سلمان الفارسيّ ، وكان خبيرًا بفنون القتال بحفر الخندق فأعجب ذلك الرسول والمسلمين، وخرج القائد الأعظم ومعه الصحابة وصاروا يحفرون الخندق بينهم وبين عدوّهم وكان عدد المسلمين ثلاثمائة ءالاف، وعدد ما اجتمع من مشركي قريش والأحزاب الكافرة حوالي عشرة ءالاف .

     

    وهنا أيها الأحبّة يظهر لنا موقف عظيم مشرق من الرسول صلى الله عليه وسلم وهو القائد الأعظم للمسلمين حيث كان يشارك أصحابه في حفر الخندق ولم يكن يقعد مستريحًا متربّعًا على عرش تحت الظلال يراقبهم ويصدر الأوامر لفلان وفلان من غير أن يعينهم كما هو حال الكثيرين اليوم، بل عمل معهم بكدّ وتعب وشجّعهم على حفر الخندق وأخذ ينقل التراب مع الصحابة حتى غطّى التراب جلدة بطنه.

     

    وهنا يظهر أيضًا موقف عظيم مؤثّر للأنصار والمهاجرين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يحفرون الخندق وقد ملأ قلوبهم حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذوا يردّدون والإيمان يملأ قلوبهم:

     

    نحن الذين بايعـوا محمّـدًا     إلى الجهـاد ما بقينا أبـدًا

     

    وعندما سمع حبيبنا محمّد صلى الله عليه وسلم هذا النداء من الصحابة الكرام أخذ يجيبهم وهو الرؤوف الرحيم بأمّته تشجيعًا لهم على الحفر والثبات:

     

       اللهمّ إنه لا خير إلاّ خير الآخرة       فبارك في الأنصار والمهاجـرة

     

    إخوة الإيمان ، لِنقْتَدِ برسول الله في تواضعه وحلمه، ولنعمل بحديث رسول الله الذي قاله لاثنين من أصحابه لَمّا أرسلهم إلى بعض البلاد لتلعيم الدين: “تطاوعا  يسِّرا ولا تعسِّرا وبشِّرا ولا تنفِّرا” .

     

    ولنكن عاملين بحديث رسول الله الذي قال فيه: “المؤمن كالجمل الأنف إن قيد انقاد وإن استنيخ على صخرة استناخ” .

     

    لنكن أيها الأحبّة كهذا الجمل الذي في أنفه حلقة مربوطة بما يقاد به ولو قاده صغير أو كبير ينقـاد له ، ولو أبركه صغير أو كبير يقعد ولو على صخرة.

     

    نسأل الله أن يرزقنا التواضع والتطاوع والإخلاص في العمل إنه على ما يشاء قدير.

     

    اخوة الإيمان، قد ظهر لكم جليا معاونة رسول الله لصحابه لنصرة هذا الدين العظيم، فهلمّوا أنتم ايضا لنصرة هذا الدين وشاركوا في بناء المؤسسات التربوية للمسلمين التي فيها منهج الاعتدال ، منهج أهل الحقِّ والتي بناؤها من أفرض الفروض ، سارعوا إلى المشاركة في بنائها إنقاذًا لأولادكم وأولاد المسلمين من الضياع.

     

    وفّقنا الله جميعًا لِمًا يحبّه ويرضاه .

    هذا وأستغفر الله لي ولكم

     

    الخطبة الثانية:

     

    إنّ الحمد لله نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أنّ محمّدًا عبد ورسوله من بعثه الله رحمة للعالمين هاديًا ومبشّرًا ونذيرًا بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّة فجزاه الله عنّا خير ما جزى نبيًا من أنبيائه، صلوات الله وسلامه عليه وعلى كلِّ رسول أرسله.

     

    أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليِّ العظيم. يقول الله عزّ وجلّ: {واعتصموا بجبل لله جميعًا ولا تفرّقوا}.

     

    ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: أوصيكم بأصحابي ثُمّ الذين يلونَهم ثُمّ الذين يلونَهم ثم يفشوا الكذب فيحلف الرجل ولا يُستحلف ويشهد الشاهد ولا يُستشهد ألا لا يخلوَنّ رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان، عليكم بالجماعة وإيّاكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، فمن أراد بُحبوحة الجنة فليلزم الجماعة” . (رواه الترميذي في جامعه من حديث عمر بن الخطاب) .

     

    وقال صاحب رسول الله أبو مسعود البدريّ: “إنّ الله لم يكن ليجمع أمّة محمّد على ضلالة” .

     

    فهذا الحديث الصحيح يدل على أنّ ما عليه جمهور أمّة محمّد صلى الله عليه وسلم هوالحقّ وما خالفه فهو خلاف الحقّ ومن شذّ عنه شذّ في النار.

    وجمهور الأمّة المحمّدية يا عباد الله إلى يومنا هذا على عقيدة التنْزيه، الإثبات والتنْزيه، نثبت أنّ الله ذات أزلي ابدي لا يتغير ولا يتطور وأنه منَزّه عن الحد اي الكمية وانه يغفر الذنوب للمسلم، وانما الذنب الذي لا يغفره هو الكفر ان كان شركًا وان كان غير ذلك. وان اهل الكبائر ان ماتوا بلا توبة مسلمين مؤمنين وان بعضًا منهم يدخل الجنة بلا عذاب وبعضهم يعذّب ثم يخرج فيدخل الجنة، على هذا جمهور الأمّة، وعلى ان التبرك بالأنبياء والأولياء في حياتهم وبعد مماتهم جائز وان قصد قبور الانبياء والأولياء للتبرك بإذن الله تعالى جائز وان افضل الأمّة ابو بكر وعمر وعثمان وعلي ثم لا نعيّن الا من عيّنه رسول الله، على هذا جمهور الأمّة، فمن حاد عن ذلك فقد هلك.

    عباد الله إن هذه العقيدة الحقّة التي كان عليها الصحابة ومن تبعهم بإحسان الى يومنا هذا هي عقيدة مفاتي بيروت في الماضي كالشيخ عبد الباسط الفاخوري الذي ألّف كتابا سمّاه الكفاية لذوي العناية يذكر فيه كثيرا من امور الدين الضرورية التي يجب معرفتها، يذكر فيه صفات الله الواجبة له، ويذكر فيه اقسام الكفر ويحذّر الناس منها، ويذكر فيه تنْزيه الله عن المكان والحدّ والشكل والحدوث، ويذكر فيه كثيرا من الأمور المهمة التي ذكرها قبله أهل الحقّ مِمّن كانوا قبله.

    ايها الأحبة، ألا فلنتمسّك جميعا بهذا النهج، نهج رسول الله وصحابته الكرام، ولنكن كالجسد الواحد متعاضدين ولا نكن متفرّقين متشتّتين نميل مع كل ريح، فلنتمسك بهذا النهج السليم الذي هو سبيل النجاة، لنتمسك بقول رسول الله: “كان الله ولم يكن شىء غيره”، وبقول البيهقي رحمه الله: “استدلّ اصحابنا في نفي المكان عن الله بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اللهم أنت الظاهر فليس فوقك شىء وأنت الباطن فليس دونك شىء” . وإذا لم يكن فوقه شىء ولا دونه شىء لم يكن في مكان .

    اخوة الإيمان، إن ربّنا عزّ وجلّ هو خالق كل شىء، والمكان من جملة الأشياء فإذًا هو من جملة المخلوقات، وربّنا قبل أن يخلق المكان كان موجودًا بلا مكان، وبعد ان خلقه هو لا يحتاج اليه وانما الذي يحتاج للمكان هو ما كان ذا مقدار ومساحة طول وعرض والله منَزّه عن ذلك .

    أيها الأحبة المؤمنون لقد تاه كثير من الناس عن معرفة الحق لأنهم لم يأخذوا العلم من اهله او لأنهم اعتمدوا على مطالعتهم وتفكّراتهم ففهموا بعض الآيات والأحاديث على غير وجهها مثل قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} ففسّروا الاستواء بالجلوس والاستقرار، فجعلوا الله بهذا التفسير مثل خلقه، لأن الذي يجلس له حدّ، وكل شىء له حدّ يحتاج الى من جعله على ذلك الحدّ . هذه الشمس التي نفعها عظيم من أين عرفنا انها مخلوقة لا تستحق ان تُعبد؟ عرفنا ذلك لأن لها حد وكمية وما كان كذلك لا يصلح ان يكون إلهًا مهما عظم نفعه.

    فإن قال لكم قائل: إن قلتم إن الله ليس موجودًا في مكان فقد نفيتم وجوده، قولوا له: من خلق المكان؟ سيقول لكم: الله، قولوا له: قبل أن يخلق المكان هل كان موجودًا أم لا؟ سيقول : كان موجودًا، قولوا له: كما أثْبَتّ وجوده قبل الخلق بلا مكان، أثْبتْ وجوده بعد خلق المكان بلا مكان.

    عباد الله هذه هي العقيدة الحقّة المؤيّدة بالبراهين والْحُجج الساطعة فاثبتوا عليها وجدّوا في تعليمها للناس .

    واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ  {إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلُّونَ على النبِيِ يَا أيُّهَا الذينَ ءامَنوا صَلُّوا عليهِ وسَلّموا تَسْليمًا} اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدَنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم وبارِكْ  على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: {يا أيها الناس اتقـوا ربكـم إنّ زلزلة الساعة شىء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديد}، اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّـهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّـهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللّـهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنّا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون .اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.