الخميس نوفمبر 21, 2024

تُسَنُّ زِيَارَةُ قَبْرِهِ الشَّرِيفِ ﷺ بِالإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ ﷺ مَنْ زَارَ قَبْرِى وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِى رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِىُّ وَقَوَّاهُ الْحَافِظُ السُّبْكِىُّ، أَىْ مَنْ زَارَهُ لِلَّهِ وَهُوَ عَلَى عَقِيدَةٍ صَحِيحَةٍ بُشْرَى لَهُ أَنْ يَمُوتَ عَلَى الإِيمَانِ وَيَنَالَ شَفَاعَةَ الرَّسُولِ إِنْ كَانَ مُذْنِبًا. وَلا عِبْرَةَ بِاسْتِدْلالِ ابْنِ تَيْمِيَةَ بِحَدِيثِ لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجَدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الأَقْصَى وَمَسْجِدِى هَذَا لِتَحْرِيمِ زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِىِّ ﷺ لِأَنَّ الْحَدِيثَ يَتَكَلَّمُ عَنْ مَزِيَّةِ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الثَّلاثِ وَلا يَتَكَلَّمُ عَنْ زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِىِّ ﷺ فَهَذِهِ الْمَسَاجِدُ الثَّلاثُ لَهَا مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ مَسَاجِدِ الدُّنْيَا وَهِىَ أَنَّ ثَوَابَ الصَّلاةِ يُضَاعَفُ فِيهَا، فِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ وَفِى الْمَسْجِدِ النَّبَوِىِّ إِلَى أَلْفٍ وَفِى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى إِلَى خَمْسِمِائَةٍ بِخِلافِ غَيْرِهَا مِنْ الْمَسَاجِدِ. وَلَمْ يُرِدِ النَّبِىُّ ﷺ بِقَوْلِهِ لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجَدَ مُطْلَقَ السَّفَرِ أَىِ السَّفَرِ لِطَلَبِ الْعِلْمِ أَوْ لِصِلَةِ الرَّحِمِ أَوْ لِتِجَارَةٍ أَوْ نُزْهَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَلَفْظُ إِلَّا فِى هَذَا الْحَدِيثِ أَدَاةُ اسْتِثْنَاءٍ وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ شَىْءٌ مُقَدَّرٌ تَقْدِيرُهُ مَسْجِد لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِى مُسْنَدِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ لا يَنْبَغِى لِلْمَطِىِّ أَنْ تُعْمَلَ إِلَى مَسْجِدٍ تُبْتَغَى فِيهِ الصَّلاةُ غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الأَقْصَى وَمَسْجِدِى. وَالْمَطِىُّ جَمْعُ مَطِيَّةٍ وَالْمَطِيَّةُ مَا يُرْكَبُ مِنَ الدَّوَابِّ وَيُمْتَطَى كَالْبَعِيرِ وَالْمَعْنَى لا يَنْبَغِى لِلدَّابَّةِ أَنْ تُسَيَّرَ إِلَى مَسْجِدٍ تُبْتَغَى فِيهِ الصَّلاةُ إِلَّا إِلَى هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الثَّلاثَةِ. وَالْمُسْتَثْنَى فِى هَذَا الْحَدِيثِ ظَاهِرٌ أَمَّا فِى الْحَدِيثِ الأَوَّلِ فَمُقَدَّرٌ وَبِهَذَا الْحَدِيثِ يُفَسَّرُ حَدِيثُ لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ لا بِقَوْلِ ابْنِ تَيْمِيَةَ فَإِنَّهُ احْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى تَحْرِيمِ السَّفَرِ لِزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِىِّ ﷺ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِى فَتْحِ الْبَارِى وَهِىَ مِنْ أَبْشَعِ الْمَسَائِلِ الْمَنْقُولَةِ عَنِ ابْنِ تَيْمِيَةَ.