الأربعاء ديسمبر 4, 2024

عمرو خالد يحرم التبرك بآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال عمرو خالد في كتابه المسمّى «‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏عبادات المؤمن» صحيفة (127):‏ «‏إياك أن تقع في المحاذير الآتية:

  • ‏‏‏‏لا تتمسح في الجدار أو تقبل قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
  • ‏‏‏‏‏‏‏‏‏لا تطلب منه صلى الله عليه وسلم قضاء حاجة دنيوية لنفسك.
  • ‏‏لا تتوجه إلى الله بالدعاء أمام قبره النبي صلى الله عليه وسلم‏».اهـ.‏

الرَّدُّ:

عجيبٌ وغريبٌ أمرك يا عمرو كيف تتجرأ على الخوض فيما لا تعلم وترى نفسك أهلًا لتصدير الفتاوى حيث تأتي بأمورٍ ما أنزل الله بها من سلطان ولم يسبقك إليها إمام من الأئمة المعتبرين فكيف تقول بالمنع من تقبيل القبر الشريف أما بلغك ما رواه الإمام أحمد عن داود ابن أبي صالح قال: أقبل مروان يومًا فوجد رجلًا واضعًا وجهه على القبر فقال: أتدري ما تصنع فأقبل عليه أبو أيوب فقال: نعم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ءات الحجر سمعت رسول الله ‏‏‏صلى الله عليه وسلم يقول: «‏لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله» رواه أحمد في «‏‏‏‏‏‏‏‏‏المسند» والطبراني في «‏‏‏‏‏‏‏‏‏الكبير» و«الأوسط»، ثم أما بلغتك أيضًا حادثة بلالٍ t وهي طويلة والشاهد فيها أنه قدم من الشام فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يبكي عنده ويُمرغ وجهه عليه إلى ءاخر القصة كما في كتاب «‏الصِلات والبشر في الصلاة على خير البشر» لمجد الدين بن يعقوب صاحب القاموس.‏‏‏‏‏‏‏‏‏اهـ. وفي كتاب سؤالات عبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل لأحمد قال: سألت أبي عن مس الرجل رمَّانة المنبر يقصد التبرك وكذلك عن مس القبر فقال: لا بأس بذلك، وفي كتاب «‏العلل ومعرفة الرجال» ما نصّه سألته – أي: الإمام أحمد – عن الرجل يمسُّ منبر النبي صلى الله عليه وسلم ويتبرك بمسه ويقبله ويفعل بالقبر مثل ذلك – أي: يمسه ويقبله أيضًا – أو نحو هذا يريد التقرب إلى الله جلَّ وعز فقال: لا بأس بذلك.‏‏‏‏‏‏‏‏‏اهـ. وعند ابن أبي شيبة في مصنفه (باب مس قبر النبي صلى الله عليه وسلم) قال حدَّثني يزيد بن عبد الملك بن قسيط قال: رأيت نفرًا من أصحابِ النبي صلى الله عليه وسلم إذا خلا لهم المسجد قاموا إلى رمَّانة المنبر القرعاء فمسحوها ودعوا.‏‏‏‏‏‏‏‏‏اهـ. ثم إليك دليلًا ءاخر فيه حجةٌ قويةٌ على جواز التبرك: قال الله تعالى: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا} [يوسف: 93].

وحديث الإسراء الذي فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلّى أثناء سيره بيثرب وعند الطور وفي بيت لحم، فلك نقول: لِمَ أرسل يوسف بالقميص إلى أبيه أليس للتبرك ولِمَ صلى الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الأماكن أليس تبركًا بآثار موسى وعيسى عليهما السلام، بلى وهل الذي يتمسح بجدار الحجرة الشريفة أو يقبل القبر الشريف يكون مراده شيئًا غير التبرك فما المانع من ذلك إذًا، ثم أما بلغك يا عمرو ما في كتاب «‏الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان» حيث فيه ما نصّه: «ذكر إباحة التبرك بوضوء الصالحين من أهل العلم» فإذا كان هذا الحال بالنسبة لوضوء الصالحين وغيره كتبرك عبد الله بن الزبير بدمه صلى الله عليه وسلم لما شربه كما روى الطبراني والبيهقي والحاكم وأبو نعيم في «الحلية» وغيرهم وفي «البخاري» و«الشمائل» للترمذي عن عيسى ابن طهمان قال: أخرج إلينا أنس بن مالك نعلين جَرْداوين – أي: لا شعر عليهما – قال ابن طهمان: فحدَّثني ثابت البناني بعدُ عن أنس أنهما كانتا نعلي رسول الله، فانظر كيف أن أنسًا احتفظ بنعليه النبي ‏‏‏صلى الله عليه وسلم وكان يعرضهُما على زوّارِه أليس هذا للبركة، وعند ابن سعدٍ في «الطبقات» أن ابن عمر رضي الله عنهما وضع يده على موضع قعود النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر ثم وضعها على وجهه، فهل تنكر على ابن عمر تبركه بموضع قعود النبي صلى الله عليه وسلم يا عمرو أم ترى أن ابن عمر وأنسًا وبلالًا وأبا أيوبٍ وابن الزبير كانوا مخطئين؟ فليت شعري أنَّى لك الصواب إذًا وإذا كان هذا الحال فيما ذكرنا فما المانع بعد ذلك من التمسح بالجدار والقبر الشريف، أو تظن أن الحسن ما حسنه رأيك القبيح ما قبحه رأيك فاتق الله يا رجل!

‏‏‏‏‏‏‏‏‏وأما قولك: لا تطلب منه صلى الله عليه وسلم حاجة دنيوية لنفسك، فمن أين جئت بهذا الكلام، ألم يبلغك حديث الأعمى الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وشكا له ذهاب بصره فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «‏إن شئت صبرت وإن شئت دعوت لك، قال: يا رسول الله إنه شقَّ عليَّ ذهاب بصري وإنه ليس لي من قائد فقال له: ائت الميضأة فتوضأ وصل ركعتين ثم قل: اللَّهُم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمّد نبي الرحمة، يا محمّد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي لتقضى لي، قال عثمان بن حنيف وهو راوي الحديث: «‏فوالله ما تفرقنا ولا طال بنا المجلس حتى دخل علينا الرجل وقد أبصر كأنه لم يكن به ضرٌ قط» رواه الطبراني في «معجمه الصغير» وصححه، فهل تعترض على هذا الضرير الذي شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لو كان هذا بزعمك حرامًا لما سكت له الرسول صلى الله عليه وسلم؛ بل لقد شططت بعيدًا فارجع عن هذه الترهات. ثم ما قولك في بلال بن الحارث الذي قصد قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقال عنده يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا فأتي الرجل في المنام فقيل له: أقرئ عمر السلام وأخبره أنهم يُسقون وقل له: عليك الكيس الكيس فأتى الرجل عمر فأخبره فبكى وقال: يا رب ما ءالو إلا ما عجزت‏».اهـ. ‏أخرجه الحافظ بن حجر في «‏‏‏‏‏‏‏‏‏الفتح» من رواية ابن أبي شيبة بإسنادٍ صحيح، وروى سيفٌ في الفتوح أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحارث فما تقول بعد هذا وقد رأيت مما ثبت أن بلالًا طلب من الرسول النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحاجة ومعروفٌ أن المطر ينفع للأمور الدنيوية فلِمَ لم يعترض عليه عمر t وهو الذي ما كان يأخذه في الحق لومة لائم أم أنك تستدرك بزعمك على ابن الحارث وعلى عمر.

ثم أين أنت من حديث أنسٍ الذي أخرجه مسلمٌ وفيه: «‏ما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا إلا أعطاه فجاءه رجل فأعطاه غنمًا بين جبلين‏‏‏‏»،‏ وأخرج الستة من حديث أبي سعيدٍ t قال: سأل ناس من الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم ما سألوه ثم سألوه فأعطاهم ما سألوه ثم سألوه فأعطاهم ما سألوه حتى إذا نفذ ما عنده قال: ما يكون عندي من خيرٍ فلن أؤخره عنكم ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يعنه الله ومن يتصبر يصبره الله وما أعطي أحدٌ عطاءً قط هو خير له وأوسع من الصبر، وروى الترمذي عن عمر t أن رجلًا أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما عندي شيء ولكن اتبع علي» إلى ءاخر الحديث وعن جابر t قال: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا فقال لا، رواه الترمذي.

وفي البخاري ومسلم من حديث عمرو بن عوفٍ الأنصاري t أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجرَّاح t إلى البحرين يأتي بجزيتها فقدم بمالٍ من البحرين فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف فتعرضوا له، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رءاهم ثم قال: «أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين» فقالوا: أجل يا رسول الله فقال: «أبشروا وأمّلُوا ما يسركم» إلى ءاخر الحديث، فهل لك كلامٌ يا عمرو بعد كل هذا ثم إنه لو كان الطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه حرمةٌ أو كراهة لما سكت صلى الله عليه وسلم‏ للسائلين الذين كانوا يطلبون منه وهو الذي لا يسكت عن منكرٍ قط، فاتق الله يا رجل وعد عن هذه الشطحات المهلكة، واعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم‏ حيٌّ في قبره ينفع الناس بإذن الله فكما نفع الذين كانوا يسألونه في الحياة الدنيا فإنه ينفع كذلك الذين يطلبون منه وهو في قبره الشريف بإذن الله ولو كانت حاجة دنيويةً، من أين جئت بما جئت أم أنك تجاري أهل الأهواء؟! فحسبنا الله ونعم الوكيل.

أما بالنسبة لما ذكرته أيضًا فقلت: لا تتوجه إلى الله بالدعاء أمام قبره صلى الله عليه وسلم‏ فهذا كلام غريبٌ حقًّا وإذا كان الذي يدعو لا يتوجه بدعائه إلى الله فلمن يتوجه أم أنك ترى أن التوجه إلى الله بالدعاء أمام القبر الشريف محظورًا فيقف المرء ساكتًا صامتًا فقط على زعمك فنقول لك قال الله تعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقينَ} [سورة البقرة: 111] أما إن كان مرادك أن الزائر ليس له أن يستقبل القبر ويدعو فاعلم عندئذٍ أنك جئت بكلامٍ قد قام الدليل على خلافه، فقد ذكر القاضي عياض في «الشفا» وساقه بإسنادٍ صحيح والسيد السمهودي في خلاصة الوفا والعلَّامة القسطلاني في «‏‏‏‏‏‏‏‏‏المواهب اللدنية» وابن حجرٍ الهيتمي في «‏‏‏‏‏‏‏‏‏الجوهر المنظم» وغيرهم أن الخليفة المنصور لما حجَّ وزار قبر النبي صلى الله عليه وسلم‏ وسأل الإمام مالكًا قائلًا: «‏‏يا أبا عبد الله أستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ولِمَ تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك ءادم u إلى الله تعالى؟ بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله» وفي «‏‏‏‏‏‏‏‏‏تاريخ بغداد» للحافظ الخطيب البغدادي عن عبد الرحمـٰن بن محمد الزهري قال: «‏سمعت أبي يقول: قبر معروف الكرخي مجرّب لقضاء الحوائج ويقال: إنه من قرأ عنده مائة مرة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وسأل الله تعالى ما يريد قضى الله تعالى له حاجته‏». فإذا قال السلف من الأئمة ذلك عن قبر معروف فكيف بقبر خير الخلق محمّد صلى الله عليه وسلم‏ أم تريد أن نضرب بكلام الإمام مالك عرض الحائط ونرجع إلى قولك أم ماذا ترى يا من تتجرأ على مثل هذه الفتاوى، فاعرف حقيقة نفسك يا رجل.