قال عمرو خالد في كتابه المسمّى «عبادات المؤمن» صحيفة (177): «إن الناس تعاني من القلق لقلة ذكرهم ولانصرافهم عن الله جلَّ وعلا ولهذا قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [سورة طه: 124]».اهـ.
الرَّدُّ:
إن عمرو خالد لم يكمل الآية فلو أنه أكملها لعلم أن الذكر هنا ليس المراد به الأذكار المعروفة كقول سبحان الله والحمد لله وما شابه، بل المراد بالذكر هنا (القرءان) لأن تتمة الآية {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [سورة طه: 125، 126] فالله لم يقل لأنك لم تذكر الله وقوله تعالى {فَنَسِيتَهَا}، أي: تركتها وقوله {تُنْسَى}، أي: (تُـترك) ومن معاني النسيان في اللغة الترك، أي: تترك من رحمة الله.
ومنه قوله تعالى عن سيدنا ءادم: {عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [سورة طه: 115] فلو أن ءادم أكل من الشجرة نسيانًا، أي: لم يتذكر النهي لما اعتـُبر فعله معصية كما دلت الآية {وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ} [سورة طه: 121]. فمثلك يا عمرو كمثل من قال: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ} ثم توقف ومثل من قال {لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ} ثم توقف وكذلك أنت توقفت عند جزء من الآية لتوهم الناس أن الذكر فرض ولتحرف معنى الآية، قال القرطبي في تفسيره (صحيفة 258 جزء 11) في قوله: (عن ذكري): «أي: ديني وتلاوة كتابي والعمل بما فيه وقيل عما أنزلت من الدلائل، ويحتمل أن يحمل الذكر على الرسول؛ لأنه كان منه الذكر».اهـ.
الرَّدُّ:
غرق عمرو في أوهامه مرة أخرى وزعم أن الآية هنا المقصود بها الذكر، بمعنى: التسبيح والتهليل وما شابه قال القرطبي في تفسيره (صحيفة 89 الجزء 16): «وهذه الآية تتصل بقوله في أول السورة {أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا} [سورة الزخرف: 5]، أي: نواصل لكم الذكر فمن يعشُ عن ذلك الذكر (القرءان) بالإعراض عنه إلى أقاويل المضلين (نقيض له شيطانًا)».
الرَّدُّ:
هذا التكرار الثالث لعمرو خالد لنفس الخطأ في الموضوع نفسه وعمرو فهم هذا الكلام من حديث فهمًا فاسدًا؛ لأنه لم يجشم نفسه السؤال أو البحث وكيف يجشم نفسه هذا العناء وقد اعتَبَر نفسه أو اعْتـُبـِر مرجعية تتمحور حولها الآلاف والفضائيات والمحاضرات و… هو يرى نفسه أكبر بكثير من أن يتصل بأهل العلم ويسألهم.
أما نص الحديث الذي فهمه خطأ فهو ما رواه أحمد في مسنده (جزء 5 صحيفة 239) قال معاذ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من تعاطي الذهب والفضة ومن أن تلقوا عدوكم غدا فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم» قالوا: بلى يا رسول الله قال: «ذكر الله U».
فالذكر هنا معناه: الصلاة المفروضة وقد روى البخاري في صحيحه من طريق بن مسعود قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: «الصلاة على وقتها» قال: ثم أيٌّ قال: «ثم بر الوالدين» قال ثم أيٌّ قال: «الجهاد في سبيل الله» قال حدَّثني بهن ولو استزدته لزادني والذكر في القرءان ورد بمعنى الصلاة قال تعالى: {إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [سورة الجمعة: 9] وهذه الآية هرب منها عمرو خالد لأنها صريحة في أن الذكر فيها الصلاة ولذلك لم يذكرها، وهي مع ما ذكرنا قبلها تدل بأن المقصود بالذكر في الحديث الذي ذكره عمرو خالد هو الصلاة وذلك لأن الأحاديث تتعاضد ولا تتناقض وبعضها شاهد لبعض وإلا فهل يقبل من عنده مِسْكَةُ عَقْلٍ أن يقول إن الذكر على معنى التسبيح والتهليل ونحوه أفضل من الإنفاق في سبيل الله وأفضل من الجهاد في سبيل الله فلماذا خرج عمرو خالد في ندوة سماها القدس في التلفزيون وحث وحض على الجهاد وقتال اليهود واستمرار الانتفاضة ولماذا لم يرشدهم إلى الذكر طالما هو أفضل من لقاء العدو وقتاله.
الرَّدُّ:
وهنا زلَّ عمرو للمرة الرابعة وفي الموضوع ذاته لذلك نقول قال الرازي في تفسيره (المجلد 15 صحيفة 18) في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ}: «أي: عن فرائض الله نحو الصلاة والزكاة والحج أو عن طاعة الله، وقال الضحاك: الصلوات الخمس».اهـ. وحاصل الأمر أن كلمة «الذكر» لو راجع عمرو هذه الكلمة في القرءان وفي كتب التفسير واللغة لوجد أن لها معاني كثيرة فهي تأتي بمعنى العلم والقرءان والإسلام والصلاة وغير ذلك:
قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي} الآية [سورة طه: 124]، تعني: الإسلام.
وقال تعالى: {فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} [سورة الأنبياء: 7]، يعني العلم.
وقال: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنَزَلْنَاهُ} [سورة الأنبياء: 50]، يعني: القرآن.
وقال: {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي} [سورة الفرقان: 29]، يعني: الرسول.
وقال: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّـهِ} [الجمعة: 9]، يعني: الصلاة.
وقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [سورة الحجر: 9]، يعني: القرءان.
وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [سورة الأحزاب: 41]، أي: الذكر المعروف، والآيات كثيرة والمعاني أيضًا كثيرة.
الرَّدُّ:
ذكر عمرو هذه الآية في معرض الاستغفار، أي: قول أستغفر الله ونحوه فالاستغفار المطلوب من قوم نوح لم يكن قولهم أستغفر الله لأن الله تعالى قال: {إِنَّ اللَّـهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء: 48]، ولكن معنى الاستغفار هنا، أي: اطلبوا المغفرة من الله تعالى بدخولكم في الإسلام؛ لأن الإسلام يـَجـُبُّ ما قبله، أي: يمحوه، هذا هو المعنى لذلك إذا أراد شخص أن يسلم لا يقال له: قل أستغفر الله؛ بل يقال له تشهد، أي: قل أشهد أن لا إلـٰه إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله وكذلك الذي كان مسلمًا فارتد عن الإسلام بقول أو فعل أو اعتقاد فهذا عليه أن يتبرأ مما حصل منه من الكفر ويتشهد وهذا لا يقال له: قل أستغفر الله فقول أستغفر الله إنما ينفع المسلم العاصي وغير العاصي فالعاصي إذا ارتكب كبيرة أو صغيرة ثم استغفر الله بنية صادقة ينفعه ذلك وكذلك التقي إن قالها فله الثواب ولو لم يعمل معصية، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون»، معناه: أدخلهم في الإسلام لتغفر لهم.