الأربعاء ديسمبر 4, 2024

علوم الصوفية ومعارفهم

اعلم أن التصوف هو علم يعرف به كيفية السلوك، وتصفية البواطن من الرذائل، وتحليتها بأنواع الفضائل، وأوله علم، وأوسطه عمل، وءاخره موهبة.

 

واعلم أنّ لأهل التصوف علومًا عبروا عنها بعبارات لها معان فالمواهب معناها ما يعطى السالك ثمرة مجاهدته وسيره في المقامات وهي الأحوال [9]، لأن الأحوال مواهب والمقامات مكاسب ولأن الأحوال تأتي والمقامات تحصل ببذل وقالوا: الأحوال كاسمها، وسمي الحال لتحوله، والمقام مقامًا لإقامته، والشوق وهو هيجان القلب عند ذكر المحبوب، والهيبة وهو تعظيم القلب.

[9] قال العارف بالله المحدث الشيخ عبد الله الهرري في تعريف الحال: الحال هو أمر ذوقي يحصل للشيخ والمريد فيتأثر منه القلب والجسد لذلك قالوا من ذاق عرف.

 

وقد قال الشيخ أبو بكر الكلاباذي في كتابه “التعرف لمذهب أهل التصوف”: “اعلم أنّ علوم الصوفية علوم الأحوال، والأحوال مواريث الأعمال، ولا يرث الأحوال [10] إلا من صحّح الأعمال. وأول تصحيح الأعمال معرفة علومها، وهي علم الأحكام الشرعية من أصول الفقه وفروعه من الصلاة والصوم وسائر الفرائض إلى علم المعاملات من النكاح والطلاق والمبايعات وسائر ما أوجب الله وندب له، وما لا غناء به عنه من أمور المعاش، وهذه علوم التعلم والاكتساب”، ثم يقول بعد كلام له: “ثم عليه علم ءافات النفس ومعرفتها ورياضتها، وتهذيب أخلاقها، ومكائد العدو، وفتنة الدنيا وسبيل الاحتراز منها، وهذا علم الحكمة، فإذا استقامت النفس على الواجب وصلحت طباعها، سهل عليه إصلاح أخلاقها، وتطهير الظاهر منها، والفراغ مما لها وعزوفها عن الدنيا وإعراضها عنها، فعند ذلك يمكن للعبد مراقبة الخواطر وتطهير السرائر، وهذا علم المعرفة، ثم وراء ذلك علم الخواطر وعلوم المشاهدات والمكاشفات وهي التي تختص بعلم الاشارة، وهو الذي تفرّدت به الصوفية بعد جمعها سائر العلوم التي وصفناها، وإنّما قيل علم الإشارة لأن مشاهدات القلوب ومكاشفات الأسرار يصعب العبارة عنها على التحقيق، بل تعلم بالمنازلات والمواجيد لا يعرفها إلا من نازل الأحوال وحل تلك المقامات”. ا.هـ.

[10] معنى الأحوال كما قال كمال الدين عبد الرزاق الفاشاني: هي المواهب الفائقة على الصبر من الله، إما واردة عليه ميراثًا للعمل الصالح المزكي للنفس المصفي للقلب، وإما نازلة من الحق امتنانًا محضًا.

 

 

وعلى هذا فإنّ الإمام القشيري قد فصّل سلوكهم ومقاماتهم، وهي التي تشمل علومهم ومعارفهم التي أمروا باتباعها، نذكرها على سبيل الاختصار وهي:

 

التوحيد: الإفراد.

 

قال الله تعالى: {وإلهكم إلهٌ واحدٌ لا إَله إلاّ هوَ الرحمنُ الرحيمُ} [سورة البقرة].

 

قال الجنيد: “التوحيد إفراد القديم من المحدث”.

 

وقال علي البوشنجي: “إثبات ذات غير مشبه للذوات ولا معطل عن الصفات”.

 

وقال القشيري: “التوحيد هو الحكم بأن الله تعالى واحد”.

 

وقال الجنيد أيضاعن التوحيد: “اعتقاد أنه الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد، ونفي الأضداد والأنداد والأشباه بلا تشبيه ولا تكييف ولا تصوير ولا تمثيل ليس كمثله شيء”.

 

وقال الإمام الرفاعي: “التوحيد وجدان تعظيم في القلب يمنع من التعطيل والتشبيه”.

 

المعرفة بالله: العلم بالله تعالى.

 

قال الله تعالى: {وما قَدَروا اللهَ حقَّ قدرِهِ} [سورة الأنعام].

 

وقال الغزالي: “لا تصح العبادة إلا بعد معرفة المعبود”.

 

قال القشيري رضي الله عنه: “المعرفة على لسان العلماء هي العلم، فكل علم معرفة، وكل معرفة علم، وكل عالم بالله تعالى عارف، وكل عارف عالم، وعند هؤلاء القوم: المعرفة صفة من عرف الحق بأسمائه وصفاته، ثم صدق الله تعالى في معاملاته، ثم تنفى عن أخلاقه الرديئة، ثم طال بالباب وقوفه ودام بالقلب اعتكافه، وصدق الله في جميع أحواله”.

 

وقال ذو النون المصري: “علامة العارف ثلاثة: لا يطفىء نور معرفته نور ورعه، ولا يعتقد باطنًا من العلم ينقض عليه ظاهرًا من الحكم، ولا تحمله كثرة نعم الله عز وجل على هتك أستار محارم الله تعالى”.

 

القناعة: وهي السكون عند عدم المألوفات.

 

وقال أبو عبد الله بن خفيف: “القناعة ترك التشوق إلى المفقود والاستغناء بالموجود”.

 

وقال محمد بن علي الترمذي: “القناعة رضا النفس بما قسم لها من رزق”، ويقال: “القناعة الاكتفاء بالموجود، وزوال الطمع فيما ليس بحاصل”.

 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما قلّ وكفى خير مما كثر وألهى” رواه أبو يعلى.

 

وقيل: “وضع الله تعالى خمسة أشياء في خمسة مواضع: العز في الطاعة، والذل في المعصية، والهيبة في قيام الليل، والحكمة في البطن الخالي، والغنى في القناعة”.

 

التوكل: هو ترك تدبير النفي والانخلاع من الحول والقوة، وإنما يقوى العبد على التوكل، إذا علم أن الحق سبحانه يعلم ويرى ما هو فيه.

 

واعلم أنّ التوكل محله القلب، والحركة بالظاهر لا تنافي التوكل بالقلب، بعدما تحقق العبد أن التقدير من قبل الله تعالى، وإن تعسر شيء فبتقديره.

 

وقال سهل بن عبد الله: “من طعن في الحركة فقد طعن في السنة، ومن طعن في التوكل فقد طعن في القلب”.

 

وقال حمدون القصار: “التوكل هو الاعتصام بالله تعالى”.

 

وسئل أبو عبد الله القرشي عن التوكل فقال: “التعلق بالله تعالى في كل حال”.

 

وقال أحمد بن مسروق: “التوكل الاستسلام لجريان القضاء”.

 

وقال سهل بن عبد الله: “التوكل أن يستوي عندك الإكثار والإقلال”.

 

الشكر: هو شكر النعمة وحفظ المنة.

 

قال الجنيد: “كنت بين يدي السري ألعب وأنا ابن سبع سنين وبين يديه جماعة يتكلمون في الشكر فقال لي: يا غلام ما الشكر فقلت: أن لا تعصي الله بنعمه”.

 

وقال أيضا: “الشكر أن لا يستعان بشيء من نعم الله تعالى على معاصيه”.

 

اليقين: وهو زوال المعارضات.

 

قال ذو النون المصري: “اليقين داع الى قصر الأمل وقصر الأمل يدعو الى الزهد، والزهد يورث الحكمة، والحكمة تورث النظر في العواقب”.

 

          وقال السري السقطي: “اليقين سكونك عند جولان الموارد في صدرك، لتيقنك أن حركتك فيها لا تنفعك ولا ترد عنك مقضيًا”.

 

وقال ذو النون المصري: “ثلاثة من أعلام اليقين قلة مخالطة الناس، وترك المدح لهم في العطية، والابتعاد عن ذمهم عند المنع”.

 

الصبر: هو حبس النفس وقهرها على المكروه تتحمله أو لذيذ تفارقه قال الله تعالى:{واصبرْ وما صبرُكَ الاّ بالله}[سورة النحل].

 

وسئل الجنيد عن الصبر فقال: “تجرع المرارة من غير تعبيس”.

 

وقال ذو الون المصري: “الصبر التباعد عن المخالفات، والسكون عند تجرع غصص البلية، وإظهار الغنى مع حلول الفقر بمساحات المعيشة”.

 

وقال إبراهيم الخواص: “الصبر هو الثبات مع الله تعالى وتلقي بلائه بالرحب والدعة”.

 

وقال ذو النون المصري: “الصبر هو الاستعانة بالله تعالى”.

 

وقال ابن عطاء: “الصبر هو الوقوف مع البلاء بحسن الأدب”.

 

وقيل: “الصبر هو الفناء في البلوى بلا ظهور شكوى”.

 

روي عن أنس بن مالك أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنّما الصبر عند الصدمة الأولى” رواه البخاري.

 

وقال علي رضي الله عنه: “الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد”.

 

المراقبة: دوام النظر بالقلب، والوقوف عند الحدود والشبهات بأن يستشعر أن الله مطلع عليه بكل حركاته وسكناته.

 

قال الله تعالى: {وكان الله على كل شيء رقيبًا} [سورة الأحزاب].

 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فإن لم تكن تراه فإنّه يراك” رواه مسلم.

 

وسئل ابن عطاء: “ما أفضل الطاعات فقال: مراقبة الحق على دوام الأوقات”.

 

وقال ذو النون المصري: “علامة المراقبة إيثار ما ءاثر الله تعالى، وتعظيم ما عظم الله تعالى، وتصغير ما صغر الله تعالى”.

 

وقال إبراهيم النصر ءاباذي: “الرجاء يحرك إلى الطاعات، والخوف يبعدك عن المعاصي، والمراقبة تؤدي بك إلى طرق الحقائق”.

 

وقال إبراهيم الخواص: “المراعاة تورث المراقبة والمراقبة تورث خلوص السر والعلانية لله تعالى”.

 

ويقول أحمد الحريري: “أمرنا هذا مبني على فصلين: وهو أنْ تلزم نفسك المراقبة لله تعالى، ويكون العلم على ظاهرك قائمًا”.

 

الرضا: وهو التسليم وعدم الاعتراض.

 

قال الله تعالى: {رضيَ اللهُ عنهُمْ ورَضُوا عنهُ} [سورة المائدة].

 

قال أبو عبد الله بن خفيف: “الرضا سكون القلب إلى أحكامه وموافقة القلب بما رضي الله تعالى به واختاره”.

 

وقال الجنيد: “الرضا دفع الاختيار”.

 

وقال رويم: “الرضا استقبال الأحكام بالفرح”.

 

وقيل: “الراضي بالله تعالى هو الذي لا يعترض على تقديره وأحكامه”.

 

وقال أبو علي الدقاق: “ليس الرضا أن لا تحس بالبلاء، ولكن الرضا أن لا تعترض على الحكم والقضاء”.

 

العبودية: القيام بحق الطاعات بشرط التوقير قال الله تعالى: {واعبدْ ربَّكَ حتى يأتيكَ اليقينُ} [سورة الحجر].

 

ويقال: “العبودية معانقة ما أمرت به ومفارقة ما زجرت عنه”.

 

وقال ابن عطاء: “العبودية من أربع خصال: الوفاء بالعهود، والحفظ للحدود، والرضا بالموجود، والصبر عن المفقود”.

 

الإرادة: ترك ما عليه العادة وهي بدء طريق السالكين.

 

قال أبو علي الدقاق: “الإرادة لوعة في الفؤاد، ولدغة في القلب، وغرام في الضمير، وانزعاج في الباطن، ونيران تتأجج في القلوب”.

 

ويقول الشيخ محمد الكتاني: “من حكم المريد أن يكون فيه ثلاثة أشياء: نومه غلبة، وأكله فاقه، وكلامه ضرورة”.

 

ويقول الجنيد: “إذا أراد الله تعالى بالمريد خيرًا أوقعه في الصوفية”.

 

وقد قيل: “الإرادة ترك ما عليه العادة، وعادة الناس من الغالب التعريج على أوطان الغفلة، والركون إلى اتباع الشهوة والإخلاد إلى ما دعت اليه المنية، والمريد منسلخ عن هذه بالجملة، فصار خروجه أمارة ودلالة على صحة الإرادة، فسميت تلك الحالة إرادة، وهي الخروج عن العادة، فإن ترك العادة أمارة الإرادة، وأما حقيقتها فهي نهوض القلب في طلب رضا الحق سبحانه وتعالى ولهذا يقال إنّها لوعة تهون كل روعة”.

 

– المريد والمراد:

 

قيل: “من صفات المريد التحبب إلى الله بالنوافل، والخلوص في نصيحة الأمة، والأنس بالخلوة، والصبر على مقاساة الأحكام، والإيثار لأمر الله تعالى، والتعرض لكل سبب يوصل إليه، والقناعة بالخمول” [11].

[11] أي ترك حب الشهوة والظهور بين الناس.

 

 

وفرّق القوم بين المريد والمراد فقالوا: “المريد هو المبتدي، والمراد هو المنتهي”.

 

وسئل الجنيد عن المريد والمراد فقال: “المريد تتولاه سياسة العلم، والمراد يتولاه الله برعايته، لأنّ المريد يسير والمراد يطير”.

 

وقال العارف بالله المحدث الشيخ عبد الله الهرري: “المراد من تطلبه الولاية”.

 

– الاستقامة: لزوم طاعة الله ومجانبة الهوى قال الله تعالى: {إنّ الذينَ قالوا ربُّنا اللهُ ثمَّ استقاموا تَتَنزَّلُ عليهمُ الملائكةُ ألاّ تخافوا ولا تحزنوا وأبشِروا بالجنّةِ التي كُنتم توعدونَ} [سورة فصلت].

 

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “قل ءامنت بالله ثمّ استقم”. رواه مسلم

 

وقال أبو علي الدقاق: “الاستقامة لها ثلاثة مدارج: أولها التقويم، ثمّ الإقامة، ثمّ الاستقامة، فالتقويم من حيث تأديب النفوس، والإقامة من حيث تهذيب القلوب، والاستقامة من حيث تقريب الأسرار”.

 

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “استقم بطاعة الله ولا ترغ روغان الثعالب”.

 

وقيل: “الاستقامة لا يطيقها إلاّ الأكابر، لأنّها خروج من المعهودات ومفارقة الرسوم والعيادات”.

 

وقيل: “الاستقامة في الأقوال بترك الغيبة، وفي الأفعال بنفي البدعة، وفي الأعمال بنفي الفترة، وفي الأحوال بنفي الحجبة”.

 

– الإخلاص: هو إفراد الحق سبحانه بالقصد قال الله تعالى: {قل إنّما أنا بشرٌ مثلكم يُوحى إليّ أنَّما إلهُكُم إلهٌ واحدٌ فمَنْ كانَ يرجواْ لِقاءَ ربّهِ فليعملْ عملًا صالحًا ولا يُشرِكْ بعبادةِ ربِّهِ أحدًا} [سورة الكهف]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “إنّ الله لا يقبل من العمل إلاّ ما كان له خالصًا ابتغي به وجهه” رواه النسائي.

 

وقال ذو النون المصري: “من علامات الإخلاص: استواء المدح والذم من العامة، ونسيان رؤية الأعمال في الأعمال”.

 

وقال أبو عثمان المغربي: “الإخلاص ما لا يكون للنفس فيه حظ بحال”.

 

وقال حذيفة المرعشي: “الإخلاص أن تستوي أفعال العبد في الظاهر والباطن”.

 

وقال مكحول: “ما أخلص عبد قط أربعين يومًا الا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه”.

 

ويقول أبو سليمان الداراني: “إذا أخلص العبد انقطعت عنه كثرة الوساوس والرياء”.

 

الصدق: وهو قول الحق في مواطن الهلكة.

 

قال الله تعالى: {يا أيّها الذينَ ءامنوا اتّقوا اللهَ وكونوا مع الصادقينَ} [سورة التوبة].

 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يزال العبد يصدق ويتحرّى الصدق” الحديث رواه الطبراني “حتى يكتب عند الله صديقا”، وقيل: الصدق موافقة السر النطق.

 

وقال عبد الواحد بن زيد: الصدق الوفاء لله عز وجل بالعمل.

 

والصادق من صدق في أقواله، والصدقي من صدق في جميع أقواله وأفعاله وأحواله.

 

– الحياء: وهو انقباض القلب لتعظيم الربّ قال الله تعالى: {ألمْ يعلمْ بأنَّ اللهَ يرى}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الحياء من الإيمان” أخرجه الترمذي.

 

ويقول ذو النون المصري: “الحياء وجود الهيبة في القلب”.

 

ويقول الفضيل بن عياض: “خمس من علامات الشقاء: القسوة في القلب، وجمود العين، وقلة الحياء، والرغبة في الدنيا، وطول الأمل”.

 

وقال السري السقطي: “إن الحياء والأنس يطرقان القلب فإن وجدا فيه الزهد والورع حطا وإلاّ رحلا”.

 

– الحرية: وهي أن لا يكون العبد تحت رق المخلوقات، ويقال: هي الإعراض عن الكل.

 

قال الإمام أبو علي الدقاق: “من دخل الدنيا وهو حر ارتحل الى الآخرة وهو عنها حر”.

 

والذي أشار إليه القوم من الحرية أن لا يكون تحت رق شيء من المخلوقات لا من أعراض الدنيا ولا عاجل الدنيا ولا حاصل هوى ولا ءاجل منى ولا سؤال ولا قصد ولا حظ ولا هدف.

 

وقال إبراهيم بن أدهم: “إنّ الحر الكريم يخرج من الدنيا قبل أن يخرج منها”.

 

– الذكر: وهو ذكر الخالق تبارك وتعالى قال الله تعالى: {يأيُّها الذينَ ءامنوا اذكروا اللهَ ذكرًا كثيرًا} [سورة الأحزاب]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله” رواه الترمذي، ويقول أبو علي الدقاق: “الذكر منشور الولاية فمن دقق للذكر فقط أعطي المنشور”.

 

وقيل إذا تمكّن الذكر من القلب فإن دنا من الشيطان صرع كما يصرع الإنسان إذا مسّه الشيطان ما لهذا فيقال قد مسّه الإنس.

 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خير الذكر الخفي” رواه أحمد.

 

وقيل : “تفقّدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء: الصلاة، والذكر، وقراءة القرءان”.

 

– الفتوة: كف الأذى وبذل النّدى، وقيل: الفتوّة الصفح عن عثرات الإخوان، وقيل: أن لا ترى لنفسك فضلًا على غيرك.

 

 

وقال الحارث المحاسبي: الفتوة أن تنصف وتنتصف.

 

وقال عمرو بن عثمان المكي: الفتوة حسن الخلق، وقيل: هي اتباع السنة والوفاء والحفاظ على الحدود وإظهار النعمة وأسرار المحنة.

 

– الفراسة: المعرفة بما في سويداء القلوب بالاستدلال والعلامات قال الله تعالى: {إنّ في ذلك للآياتٍ للمُتَوَسِّمينَ} [سورة الحجر]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله” رواه الترمذي.

 

قوله: نظر بنور الحق أي بنور خصّه به الله سبحانه وتعالى ويقول محمد الكتاني: الفراسة مكاشفة المتقين.

 

ويحكى أن فتى كافرًا جاء الى الجنيد وهو متنكر فقال له: أيها الشيخ ما معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اتقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور الله” فأطرق الجنيد ثم رفع رأسه وقال : أسلم فقد حان وقت إسلامك فأسلم الغلام.

 

– الخلق الحسن: هو احتمال المكروه من الغير، وكفّ المكروه عن الغير، وفعل الخير مع من يعرفه لك ومع من لا يعرفه لك.

 

قال الله تعالى: {وإنَّكَ لعلَى خُلُقٍ عظيمٍ} [سورة القلم].

 

وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المؤمنين أفضل؟ فقال: “أحسنهم خلُقًا” أخرجه ابن ماجه.

 

قال الأستاذ الشيخ أبو القاسم: الخلق الحسن أفضل مناقب العبد ويظهر جواهر الرجال.

 

وقال شاه الكرماني: علامة حسن الخلق كف الأذى واحتمال المؤن، وقيل: الخُلق أن تكون من الناس قريبًا وفيما بينهم غريبًا، وقيل: حسن الخلق أن لا تتغير ممن يقف في الصف بجانبك، وقيل: الخلق السيء يضيق قلب صاحبه لأنه لا يسع فيه غير مراده.

 

– الجود والسخاء: وهو البذل والعطاء.

 

قال الله تعالى: {ويُؤثرونَ على أنفُسِهِم ولوْ كانَ بهِم خصاصةٌ} [سورة الحشر].

 

قال الأستاذ القشيري: حقيقة الجود أن لا يصعب عليه البذل فالسخاء عند القوم يحتل المرتبة الأولى ثم يأتي الجود ثم الإيثار فمن أعطى بعض الناس وأبقى بعضهم فهو صاحب سخاء، ومن بذل الأكثر وأبقى لنفسه شيئًا فهو صاحب جود والذي قاسى الضرر وءاثر بالبُلغة [ما يكفي العيش] فهو صاحب إيثار.

 

– الغيرة: وهي تعظيم حقوق الله وإخلاص أعمالهم له.

 

قال الله تعالى: {قُل إنَّما حرَّمَ ربِّي الفواحِشَ ما ظهرَ منها وما بطنَ}[سورة الأعراف].

 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه” رواه مسلم.

 

وقال القشيري: الغيرة كراهية مشاركة الآخرين وإذا وصف الحق سبحانه بالغيرة فمعناه: أنّه لا يرضى بمشاركة غيره معه فيما هو حق له من طاعة عبده.

 

يقول الشبلي: والغيرة غيرتان غيرة لله سبحانه على عبده وغيرة العبد لله تعالى أمّا غيرة الله على عبده فهو أن لا يجعله للخلق فيضن به عليهم، وغيرة العبد للحق وهو أن لا يجعل شيئًا من أحواله وأنفاسه لغير الله تعالى. مع العلم أنه لا يوصف الله تعالى بالغيرة التي هي اختلاجات عصبية مما هي من صفات المخلوقين.

 

– الولاية: من التولي والحفظ والنصرة والرعاية.

 

قال الله تعالى: {ألا إنَّ أولياءَ اللهِ لا خوفٌ عليهم ولا هُم يحزنون} [سورة يونس].

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: “من عادى لي وليًّا فقد ءاذنته بالحرب” الحديث رواه البخاري.

 

قال القشيري: للولي معنيان الأول وهو من يتولى اللهُ سبحانه أمرَه فلا يكله إلى نفسه لحظة بل يتولى اللهُ سبحانه رعايتَه. قال الله تعالى: {وهو يتولّى الصالحين} [سورة الأعراف]. والثاني وهو الذي يتولى عبادة الله تعالى وطاعته، فعبادته تجري على التوالي وكلا الوصفين جميل، وحتى يكون الولي وليًا يجب قيامه بحقوق الله تعالى على الاستقصاء والاستيفاء ودوام حفظ الله إيّاه في السراء والضراء.

 

وقال يحيى بن معاذ في صفة الأولياء: هم عباد تسربلوا بالأنس بعد المكابدة واعتنقوا الروح بعد المجاهدة بوصولهم إلى مقام الولاية.

 

وقال سهل بن عبد الله: الولي هو الذي توالت أفعاله على الموافقة.

 

وقد قالوا: من الولاية تحذير الناس من الاغترار بجمال الأفعال وحسن المقال وجريان خوارق العادات فلا يُراعى في الولي إلا الاستقامة على ما ثبت بالأدلة الصحيحة، وجريان الخوارق على يد العبد لا يدل على ولايته بل قد يكون ممكورًا به وهذا ما يسمى استدراجًا.

 

– الدعاء: وهو السؤال، قال الله تعالى: {ادعوني أستجِبْ لكُم} [سورة غافر] يعني اعبدوني أجبكم والدعاء عبادة.

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الدعاء مخ العبادة” رواه الترمذي.

 

وقال القشيري: والدعاء مفتاح الحاجة وملجأ المضطرين ومتنفس ذوي المآرب.

 

وكان صالح المري يقول كثيرًا: من أدمن قرع باب يوشك أن يفتح له.

 

وقيل: الدعاء هو سلم المذنبين ولسان دموعهم ومراسلتهم وفي الدعاء الى الله دليل على أن من الكرب العظيمة ما لا يفرجها مال ولا جاه ولا سلطنة ولا طب وإنما يفرجها صحيح الافتقار والتوجه والالتجاء إلى من بيده النفع والضر.

 

– الفقر: قال الله تعالى: {للفقراءِ الذينَ أُحْصِرُوا في سبيلِ اللهِ لا يستطيعونَ ضربًا في الأرضِ يحسبُهُم الجاهلُ أغنياءَ مِنَ التّعَفُّفِ} [سورة البقرة].

 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام” رواه الترمذي.

 

ويقول إبراهيم القصار: الفقر لباس يورث الرضا إذا تحقق العبد فيه.

 

وقال سهل بن عبد الله: خمسة أشياء من جوهر النفس، فقير يُظهر الغنى، وجائع يُظهر الشّبع، ومحزون يُظهر الفرح، ورجل بينه وبين رجل عداوة يظهر له المحبة، ورجل يصوم النهار ويقوم الليل ولا يظهر ضعفًا.

 

وقال بعض الصالحين:

 

أتيناك بالفقر يا ذا الغنى … وأنت الذي لم تزل محسنا

 

وسئل يحيى بن معاذ عن الفقر فقال: حقيقته أن لا يستغنى إلا بالله تعالى.

 

وقال إبراهيم بن أدهم: طلبنا الفقر فاستقبلنا الغنى وطلب الناس الغنى فاستقبلهم الفقر.

 

ويقول أبو حفص: أحسن ما يتوسل به العبد إلى مولاه دوام الفقر على جميع الأحوال وملازمة السنة من جميع الأفعال وطلب القوت من وجه حلال.

 

– التصوف: وهو الصفاء.

 

قال الشيخ القشيري: “محمود بكل لسان”.

 

وقال أحمد الجريري: التصوف مراقبة الأحوال ولزوم الأدب.

 

وقال علي المزين: “التصوف الانقياد للحق”.

 

وقال أحمد بن محمد الروذباري: “التصوف الإقامة على باب الحبيب وإن طرد عنه”.

 

سئل أحمد الجريري عن التصوف فقال: “الدخول في كل خلق سني والخروج من كل خلق دنيّ”.

 

وقال معروف الكرخي: “التصوف هو الأخذ بالحقائق واليأس مما في أيدي الخلائق”.

 

– الأدب: وهو اجتماع خصال الخير.

 

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “حق الولد على والده أن يحسن اسمه ويحسن مرضعه ويحسن أدبه” أخرجه البيهقي.

 

وروي عن ابن سيرين أنه سئل أي الآداب أقرب الى الله تعالى فقال: الإيمان بالله وعمل بطاعته والحمد لله على السراء والصبر على الضراء.

 

وقد قيل: ثلاث خصال ليس معهن غربة مجانبة أهل الريب وحسن الأدب وكف الأذى.

 

وقد قال سهل: إنه من قهر نفسه بالأدب فهو يعبد الله تعالى بالإخلاص.

 

قال أبو نصر السراج الطوسي: “الناس في الأدب على ثلاث طبقات أما أهل الدنيا فأكثر ءادابهم الفصاحة والبلاغة وحفظ العلوم وأسماء الملوك وأشعار العرب. وأما أهل الدين فأكثر ءادابهم في رياضة النفوس وتأديب الجوارح وحفظ الحدود وترك الشهوات، وأما أهل الخصوصية فأكثر ءادابهم في طهارة القلوب ومراعاة الأسرار والوفاء بالعهود وحفظ الوقت وقلة الالتفات الى الخواطر وحسن الأدب في مواقف الطلب ومقامات القرب”.

 

– أحكام السفر: الانتقال والارتقاء.

 

قال الله تعالى: {هوَ الذي يُسَيّرُكُم في البَرّ والبحرِ} [سورة يونس]. وقد قيل إنّ السفر على قسمين: سفر بالبدء وهو الانتقال من بقعة الى بقعة، وسفر بالقلب وهو الارتقاء من ضفة الى ضفة فترى الكثيرون يسافرون بأجسامهم والقلائل يسافرون بقلوبهم.

 

وقال أبو يعقوب السوسي: “يحتاج المسافر إلى أربعة أشياء في سفره: علم يسوسه وورع يحجزه ووجد يحمله وخلق يصونه”.

 

وقالوا: سافر قبل أن تسافر أي سافر في طلب العلم قبل أن تسافر عن هذه الدنيا.

 

وكان إبراهيم الخواص لا يحمل شيئًا في السفر وكان لا يفارقه الإبرة والركوة، أما الإبرة فلخياطة ثوبه إن تمزق سترًا للعورة وأما الركوة فللطهارة.

 

ويقال: السفر هو سفرك عن نفسك.

 

– الصحبة: الرفقة والمتابعة.

 

قال الله تعالى: {إذْ يقولُ لِصاحبهِ لا تحزنْ إنَّ اللهَ معنا} [سورة التوبة].

 

عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “متى ألقى أحبابي؟” فقال أصحابه: بأبينا أنت وأمنا ألسنا أحبابك؟ فقال: “أنتم أصحابي أما أحبابي فهم قوم لم يروني وءامنوا بي وأنا إليهم بالأشواق لأكثر” أورده في كنز العمال ورواه القشيري في رسالته.

 

والصحبةعلى ثلاثة أقسام: صحبة من فوقك وصحبة الأكفاء، وصحبة مع دونك، أما صحبة من فوقك في الحقيقة خدمتهم، أما صحبة مع دونك وهي تقضي الشفقة والرحمة، وصحبة الأكفاء والنظراء وهي مبنية على الإيثار والفتوة.

 

– الخروج من الدنيا: الموت.

 

قال الله تعالى: {الذينَ تَتَوَفَّاهُمَ الملائكةُ طَيِّبينَ} [سورة النحل].

 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني” رواه الترمذي.

 

وقال القشيري: “اعلم أنّ أحوالهم في حال النزع مختلفة فبعضهم يغلب عليه الهيبة وبعضهم يغلب عليه الرجاء ومنهم من كشف له في تلك الحالة ما أوجب له من السكون وجميل الثقة”.

 

وعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت فقال: “كيف تجدك” قال: والله، يا رسول الله إني أرجو الله وإني أخاف ذنوبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وءامنه مما يخاف” رواه الترمذي.

 

ولما حضرت بلالًا الوفاة قالت امرأته: واحزناه فقال: بل واطرباه غدًا نلقى الأحبة محمدًا وحزبه.

 

وقيل لبعضهم: أتحب الموت؟ فقال: القدوم على من يرجى خيره خير من البقاء مع من لا يؤمن شره.

 

وقال أبو عثمان الحيري: سئل أبو حفص في حال وفاته ما الذي تعظنا به؟ فقال: لست أقوى على القول، ثم رأى في نفسه قوة فقلت له: قل حتى أروي عنك فقال: الانكسار يكل القلب عن التقصير.

 

– المحبة: الموافقة والإيثار.

 

قال الله تعالى: {يأيُّها الذينَ ءامنوا مَنْ يرتدَّ مِنكُم عَنْ دينهِ فسوفَ يأتي اللهُ بقومٍ يُحِبُّهُم ويحبونَهُ} [سورة المائدة].

 

 

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا أحب الله عز وجل العبد قال لجبريل: يا جبريل إني أحب فلانًا فيحبه جبريل ثم ينادي جبريل في أهل السماء إنّ الله قد أحب فلانًا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يضع له القبول في الأرض” أخرجه مسلم والترمذي.

 

وقيل: المحبة المحل الدائم بالقلب الهائم ومعانقة الطاعة ومباينة المخالفة.

 

وقيل المحبة الموافقة.

 

وقال أبو يزيد البسطامي: “المحبة استقلال الكثير من نفسك واستكثار القليل من حبيبك”.

 

وقد قال قوم: محبة الله للعبد مدحه وثناؤه عليه بالجميل ورحمته ونعمته الخاصة له.

 

وقالوا: محبة العبد لله تعالى فحالة يجدها من قلبه تلطف عن العبارة وقد تحمله تلك الحالة على تعظيمه وإيثار رضاه.

 

– الشوق: نزاع الشيء إلى شيء.

 

قال الله تعالى: {مَنْ كانَ يرجوا لقاءَ اللهِ فإنَّ أجَلَ اللهِ لَآتٍ وهوَ السميعُ العليمُ} [سورة العنكبوت].

 

وقال القشيري: الشوق اهتياج القلوب إلى لقاء المحبوب وعلى قدر المحبة يكون الشوق لأن الشوق ثمرة المحبة.

 

وسئل أحمد بن عطاء عن الشوق فقال: احتراق الأحشاء وتلهب القلوب وتقطع الأكباد، وسئل أيضا عن الشوق فقيل له: الشوق أعلى أم المحبة؟ فقال: المحبة لأن الشوق يتولد منها.

 

وسئل الجنيد: من أي شيء يكون بكاء المحب إذا لقي المحبوب فقال: إنما يكون ذلك سرورًا به ووجدًا من شدة الشوق إليه.

 

وقال أبو عبد الله بن خفيف: الشوق ارتياح القلوب بالوجد ومحبة اللقاء.

 

وقال يحيى بن معاذ: علامة الشوق فطام الجوارح عن الشهوات بأن يعرض العبد عنها شوقًا إلى ربه كما يعرض الطفل عن اللبن حين يطيب له الطعام ويشتاق إليه.

 

– حفظ قلوب المشايخ: أي حفظ شروط الأدب معهم.

 

قال الله تعالى: {قالَ لهُ موسى هل أتَّبِعُكَ على أن تُعلّمَنِ مِمّا عُلِّمْتَ رشدًا} [سورة الكهف].

 

قال الإمام الجنيد: لما أراد صحبة الخضر حفظ شرط الأدب فاستأذن أولًا في الصحبة.

 

وقال أبو علي الدقاق: بدء كل فرقة المخالفة يعني أن من خالف شيخه لم يبق على طريقته وانقطعت العلاقة بينهما وإن جمعتهما البقعة فمن صحب شيخًا من الشيوخ ثم اعترض عليه بقلبه فقد نقض عهد الصحبة.

 

وقال الشيخ جعفر الخالدي: من لم يحفظ قلوب المشايخ سلط الله عليه كلبًا يؤذيه.

 

– السماع: وهو الاستماع والإنصات.

 

قال الله تعالى: {فبشِّر عبادِ* الذين يستمعونَ القولَ فيتَّبِعونَ أحسنهُ} [سورة الزمر].

 

وقيل: السماع نداء، والوجد قصد.

 

وكان الحارث المحاسبي يقول: ثلاث إذا وجدن متع بهن وقد فقدناها: حسن الوجه مع الصيانة، وحسن الصوت مع الديانة، وحسن الإخاء مع الوفاء.

 

وقال الجنيد: تتنزل الرحمة على الفقراء في ثلاثة مواطن: عند السماع فإنهم لا يسمعون إلاّ عن حق ولا يقولون إلا عن وجد، وعند أكل الطعام فإنهم لا يأكلون إلا عن فاقة لينشطوا للعبادة، وعند مجاراة العلم فإنهم لا يذكرون إلا صفة الأولياء من حيث أحوالهم ومقاماتهم.

 

ويقول أبو عثمان سعيد المغربي: قلوب أهل الحق قلوب حاضرة وأسماعهم أسماع مفتوحة.

 

وقال الجنيد: السماع امتحان وابتلاء لمن طلبه، وقال: السماع يحتاج إلى ثلاثة أشياء: الزمان والمكان والإخوان.

 

وهذا كله إذا لم يكن في السماع شيء محرم وممنوع.

 

 

– التوبة: أول منزلة من منازل السالكين وأول مقامات الطالبين وحقيقة التوبة في اللغة الرجوع، يقال: تاب أي رجع، فالتوبة الرجوع عن المعصية إلى الطاعة.

 

يقول الجنيد رضي الله عنه: التوبة على ثلاث معان: أولها الندم، وثانيها العزم على ترك المعاودة إلى ما نهى عنه، وثالثها السعي في ءاداء المظالم.

 

وقال الإمام الواسطي: التوبة النصوح لا تبقي على صاحبها أثرًا من المعصية سرًا ولا جهرًا وهذا مصداق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “التائب من الذنب كمن لا ذنب له” رواه ابن ماجه.

 

– المجاهدة: وهو مجاهدة النفس بالاستقامة على طاعة الله وقد قال الامام حسن القزاز: بني هذا الأمر على ثلاثة أشياء: أن لا تأكل إلا عند الفاقة، ولا تنام إلا عند الغلبة، ولا تتكلم إلا عند الضرورة.

 

وقال إبراهيم بن أدهم: لن ينال الرجل درجة الصالحين حتى يجتاز ست عقبات: أولها أن يغلق باب النعمة ويفتح باب الشدة، والثاني أن يغلق باب العز ويفتح باب الذل، والثالث أن يغلق باب الراحة ويفتح باب الجهد، والرابع أن يغلق باب النوم ويفتح باب السهر، والخامس أن يغلق باب الغنى ويفتح باب الفقر، والسادس أن يغلق باب الأمل ويفتح باب الاستعداد للموت.

 

الخلوة والعزلة: إنّ الخلوة صفة أهل الصفوة والعزلة من أمارات الوصلة ومعناها الانقطاع عن الخلق والعزلة عنهم.

 

ثم من ءاداب الخلوة والعزلة أن يحصل من العلوم ما يصحح به عقد توحيده لكي لا يستهويه الشيطان بوسواسه، ثم يحصل من علوم الشرع على ما يؤدي به فرضه ليكون بناء أمره على أساس محكم، والعزلة في الحقيقة اعتزال الخصال الذميمة.

 

وقد قال أبو بكر الوراق موصيًا أحد الرجال: وجدت خير الدنيا والآخرة في الخلوة والقلة وشرهما من الكثرة والاختلاط.

 

وقال الإمام سهل: لا تصح الخلوة إلا بأكل الحلال ولا يصح أكل الحلال إلا بأداء حق الله.

 

وقال الجنيد: مكابدة العزلة أيسر من مداراة الخلطة وذلك لاختلاف أخلاق الناس وما يبدو من أذاهم وما يحتاج إليه من الحلم والصفح.

 

وقد قيل لابن المبارك: ما دواء القلب قال: قلة الاختلاط بالناس، وقد قال الجنيد: من أراد أن يسلم له دينه ويستريح بدنه وقلبه فليعتزل الناس فإنّ هذا زمان وحشة والعاقل من اختار فيه الوحدة، إلا أن يكون هناك خير فيخرج ويخالط وإلا فلا.

 

التقوى: هي لزوم طاعة الله فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عليك بتقوى الله فإنّه جماع كل خير” رواه أحمد.

 

وقد قال العارف الشيخ عبد الله الهرري عن التقوى: “هي أداء الواجبات واجتناب المحرمات”.

 

وقد قال الامام سهل: “من أراد أن تصح له التقوى فليترك الذنوب كلها”. وقال النصر ءاباذي: من التزم التقوى اشتاق إلى مفارقة الدنيا لأن الله تعالى يقول: {ولَلدَّارُ الأخرةُ خيرٌ للذينَ يتّقُونَ أفلا تعقِلونَ} [سورة الأنعام].

 

وروي عن الإمام المكرم علي بن أبي طالب عليه السلام في التقوى: “الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل”.

 

وقال أبو بكر الروذباري: “التقوى مجانبة ما يبعدك عن الله تعالى”، وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنّه قال: “سادة الناس في الدنيا الأسخياء وسادة الناس في الآخرة الأتقياء”.

 

الورع: وهو ترك الشبهات.

 

قال إبراهيم بن أدهم: “الورع ترك كل شبهة وترك ما لا يعنيك هو ترك الفضلات”.

 

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة: “كن ورعًا تكن أعبد الناس” أخرجه ابن ماجه والطبراني في الأوسط.

 

وقال اسحق بن خلف: “الورع في المنطق أشد من الورع في الذهب والفضة، والزهد في الرياسة أشد منه في الذهب والفضة لأنك تبذلهما في طلب الرياسة”.

 

وقال يونس بن عبيد: “الورع الخروج من كل شبهة ومحاسبة النفس في كل طرفة”.

 

وقال معروف الكرخي رضي الله عنه: “احفظ لسانك من المدح كما تحفظه من الذم”.

 

وقال بشر بن الحارث: “من لم يصحبه الورع أكل رأس الفيل ولم يشبع”.

 

وقد قيل إنّ ابن المبارك رجع من مرو في تركستان إلى الشام في قلم استعاره حتى يعيده الى صاحبه.

 

ورؤي سفيان في المنام وله جناحان يطير بهما من الجنة فقيل له: بم نلت هذا؟ فقال: بالورع.

 

الزهد: هو ترك الحرام والدنيا.

 

وقد قال الإمام أحمد الرفاعي: “الزاهد يترك الدنيا ولا يبالي من أخذها”.

 

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما في أيدي الناس يحبوك”، رواه ابن ماجه وغيره.

 

وقيل: “الزهد عزوف النفس عن الدنيا بلا تكلف”.

 

وقال أبو سليمان الداراني: “الزهد ترك ما يشغل عن الله تعالى”، وسئل الجنيد عن الزهد فقال: “خلو اليد من الملك والقلب من التتبع”.

 

وقد قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه: “الزهد على ثلاثة أوجه الأول: ترك الحرام وهو زهد العوام، والثاني ترك الفضول من الحلال وهو زهد الخواص، والثالث ترك ما يشغل العبد عن الله تعالى وهو زهد العارفين”.

 

وقال يحيى بن معاذ: “لا يبلغ حقيقة الزهد حتى يكون فيه ثلاث خصال: عمل بلا علاقة وقول بلا طمع وعز بلا رياسة، وقد سئل الجنيد عن الزهد فقال: “استصغار الدنيا ومحو ءاثارها من القلب”.

 

وقال ابن الجلاء: “الزهد هو النظر إلى الدنيا بعين الزوال في عينك فيسهل عليك الإعراض عنها”.

 

الصمت: أي السكوت وفيه سلامة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت” أخرجه البخاري.

 

ويروى أنّ سيدنا سليمان عليه السلام قال: “إذا الكلام من فضة فالسكوت من ذهب”.

 

وقد قيل لذي النون المصري: من أصْوَن الناس لنفسه؟ فقال: “أملكهم للسانه”.

 

وقال بعض الحكماء: “الصمت لسان الحلم”.

 

وقيل: “اللسان مثل السبع إن لم توثقه عدا عليك”.

 

وقد قال الفضيل بن عياض: “من عدَّ كلامه من عمله قلَّ كلامه إلا فيما يعنيه” أي فيما يحتاج إليه.

 

وقال الأستاذ القشيري: “الصمت سلامة وهو الأصل وعليه ندامة إذا ورد عنه الزجر فالواجب أن يعتبر فيه الشرع والأمر والنهي والسكوت في وقته صفة الرجال كما أن النطق في موضعه من أشرف الخصال لذلك يقول أبو علي الدقاق: الساكت عن الحق شيطان أخرس.

 

الخوف: معناه أن يخاف من الله تعالى أن يُعاقبه في الدنيا أو في الآخرة قال تعالى: {يدعونَ ربَّهُم خَوْفًا} [سورة السجدة]، وقال تعالى: {وخافونِ إن كُنتم مؤمنينَ} [سورة ءال عمران].

 

يقول أبو حفص: “الخوف سراج القلوب به يبصر الخير والشر”.

 

سئل الجنيد عن الخوف فقال: “توقع العقوبة مع مجاري الأنفاس”.

 

وقال الحاتم الأصم:

 

لكل شىء زينة وزينة العباد الخوف *** وعلامة الخوف قصر الأمل وكثرة العمل.

 

وقال عبد الله بن مبارك: “إنّ الذي يهيج الخوف حتى يسكن في القلب دوام المراقبة من السر والعلانية”.

 

الرجاء: تعلّق القلب بمحبوب سيحصل في المستقبل.

 

وقيل: “هو ثقة الجود من الكريم الودود”.

 

وقيل: “هو النظر إلى سعة رحمة الله تعالى”.

 

ويقول أبو علي الروذباري: “الخوف والرجاء كجناحي الطائر إذا استويا استوى الطير وتم طيرانه، وإذا نقص أحدهما وقع فيه النقص وإذا ذهبا صار الطائر في حد الموت”.

 

وقال عبد الله بن خفيف: “الرجاء ثلاثة رجل عمل حسنة فهو يرجو قبولها، ورجل عمل سيئة ثم تاب فهو يرجو المغفرة، ورجل كاذب يتمادى في الذنوب ويقول أرجو المغفرة ومن عرف من نفسه الإساءة ينبغي أن يكون خوفه غالبًا على رجائه”.

 

الحزن: حال يفيض القلب عن التفرق في أودية الغفلة، والحزن من أوصاف أهل السلوك.

 

قال الله تعالى: {وقالوا الحمدُ للهِ الذي أذهبَ عنّا الحَزَنَ} [سورة فاطر].

 

وقيل: “إذا لم يكن في القلب حزن خرب كما أنّ الدار إذا لم يكن فيها ساكن خربت”.

 

وقال ابن خفيف: “الحزن حصر النفس عن النهوض في الطرب”، وقيل: “الحزن يمنع من الطعام، والخوف يمنع من الذنوب”.

 

الجوع وترك الشهوة: قال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنّكم بشىءٍ مِنَ الخوفِ والجوعِ ونَقصٍ منَ الأموالِ والأنفُسِ والثمراتِ وبشِّرِ الصابرينَ} [سورة البقرة] فلهذا كان الجوع من صفات القوم وهو أحد أركان المجاهدة فإنّ أرباب السلوك قد تدرجوا إلى اعتياد الجوع والإمساك عن الأكل ووجدوا ينابيع الحكمة في الجوع.

 

وقال أبو سليمان الداراني: “مفتاح الدنيا الشبع لأن الشبع يحرك شهوات الإنسان ويستثيرها ومفتاح الآخرة الجوع”.

 

وقال يحيى بن معاذ: “الجوع نور لأنه يحرك الإنسان للطاعة”.

 

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بحسب ابن ءادم لقيمات يقمن صلبه” رواه الترمذي.

 

الخشوع والتواضع: الخشوع: “الانقياد للحق والتواضع هو الاستسلام للحق وترك الاعتراض على الحكم”.

 

وقال صلى الله عليه وسلم: “من تواضع لله رفعه الله” رواه ابن ماجه.

 

وقال الحسن البصري: “الخشوع الخوف الدائم اللازم للقلب”.

 

وسئل الجنيد عن الخشوع فقال: “تذلل القلوب لعلام الغيوب”.

 

ويقال: “الخشوع قشعريرة ترد على القلب بغتة عند مفاجأة كشف الحقيقة”.

 

وسئل الجنيد عن التواضع فقال: “خفض الجناح للخلق ولين الجانب لهم”.

 

وقال ابن العطاء: “التواضع قبول الحق أي كان”.

 

وقال عبد الله الرازي: “التواضع ترك التمييز في الخدمة”.

 

وقال إبراهيم بن الجنيد: “كان يقال أربعة لا ينبغي للشريف أن يأنف منهن ولو كان أميرًا: قيامه من مجلسه لأبيه، وخدمته لضيفه، وخدمته لعالم يتعلم منه، والسؤال عما لم يعلم”.

 

وقيل لأبي يزيد: “متى يكون الرجل متواضعا؟” فقال: “إذا لم ير لنفسه مقامًا ولا حالًا”.

 

ويقول إبراهيم بن شيبان: “الشرف في التواضع والعز في التقوى والحرية في القناعة”.

 

وقال سفيان الثوري: “أعز الخلق خمسة أنفس: “عالم زاهد، وفقيه صوفي، وغنى متواضع، وفقير شاكر، وشريف سني”.

 

وقال يحيى بن معاذ: “التواضع حسن من كل إنسان لكنه من الأغنياء أحسن والتكبر قبيح في كل إنسان لكنه من الفقراء أسمج”.

 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من تواضع لله درجة رفعه الله درجات حتى يجعله في أعلى عليين، ومن تكبر على الله درجة أوضعه الله درجات حتى يجعله في أسفل سافلين”.

 

مخالفة النفس: قال الله تعالى: {وأمَّا مَنْ خافَ مقامَ ربِّهِ ونَهَى النَّفسَ عنِ الهوى} [سورة النازعات]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ثم اعلم أنّ مخالفة النفس رأس العبادة” رواه السيوطي وهو ضعيف.

 

وقال ذو النون المصري: “مفتاح العبادة الفكر، وعلامة الإصابة مخالفة النفس والهوى، ومخالفتهما ترك شهواتهما”.

 

وقال أبو حفص: “من لم يتهم نفسه على دوام الأوقات ولم يخالفها في جميع الأحوال ولم يجرها إلى مكروهها في سائر أيامه كان مغرورًا”.

 

ورؤي أحد الرجال جالسًا في الهواء فقيل: “بم نلت هذا فقال: تركت الهوى فسخر لي الهواء”.

 

وقيل: “لا تضع زمامك في يد الهوى، فإنّه يقودك إلى الظلمة”.