الخميس نوفمبر 21, 2024

من أهمّ ما في حياة الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه منهجه في العقيدة والتزامه نهج الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة في توحيد الله وتنـزيهه عن الجسم والمكان والجهة والحركة والسكون، فقد نقل الإمام أبو الفضل التميمي الحنبلي في كتاب اعتقاد الإمام أحمد عن الإمام أحمد أنه قال (والله تعالى لا يلحقه تغير ولا تبدل ولا تلحقه الحدود قبل خلق العرش ولا بعد خلق العرش، وكان ينكر الإمام أحمد على من يقول إن الله في كل مكان بذاته لأن الأمكنة كلها محدودة) ونقل أبو الفضل التميمي رئيس الحنابلة ببغداد وابن رئيسها عن أحمد قال ‏‏(اعتقاد الإمام أحمد ص 45‏) وأنكر أحمد على من يقول بالجسم وقال (إن الأسماء مأخوذة من الشريعة واللغة، وأهل اللغة وضعوا هذا ‏الاسم على ذي طولٍ وعرضٍ وسمكٍ وتركيبٍ وصورةٍ وتأليف والله تعالى خارج عن ذلك كله، فلم يجز أن يسمى ‏جسمًا لخروجه عن معنى الجسمية، ولم يجىء في الشريعة ذلك فبطل) ونقله الحافظ البيهقي عنه في مناقب ‏أحمد وغيرُه‏.

وبين الإمام الحافظ ابن الجوزي الحنبلي في كتابه دفع شبه التشبيه براءة أهل السنة عامة والإمام أحمد خاصة من عقيدة المجسمة وقال (كان أحمد لا يقول بالجهة للبارئ).
وذكر القاضي بدر الدين بن جماعة في كتابه إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل أن الإمام أحمد لا يقول بالجهة للبارئ.
ونقل الإمام الحافظ العراقي والإمام القرافي والشيخ ابن حجر الهيتمي وملا علي القاري ومحمد زاهد الكوثري وغيرهم عن الأئمة الأربعة هداة الأمة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رضي الله عنهم القول بتكفير القائلين بالجهة والتجسيم بل نقل صاحب الخصال من الحنابلة عن أحمد أنه قال بتكفير من قال الله جسم لا كالأجسام، وعبارته المشهورة التي رواها عنه أبو الفضل التميمي الحنبلي (مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك) دليل على نصاعة عقيدته وأنه على عقيدة التنـزيه.

كذلك أول الإمام أحمد الآيات المتشابهات في الصفات فقد روى الحافظ البيهقي عن الحاكم عن أبي عمرو بن السماك عن حنبل أن أحمد بن حنبل تأول قول الله تعالى (وَجَاءَ رَبُّكَ) أنه جاء ثوابه ثم قال البيهقي (وهذا إسناد لا غبار عليه) ونقل ذلك ابن كثير في تاريخه، وفي رواية نقلها البيهقي في كتاب مناقب أحمد أن الإمام قال (جاءت قدرته) أي أثر من ءاثار قدرته، ثم قال الحافظ البيهقي (وفيه دليل على أنه كان لا يعتقد في المجيء الذي ورد به الكتاب والنـزول الذي وردت به السنة انتقالا من مكان إلى مكان كمجيء ذوات الأجسام ونزولها وإنما هو عبارة عن ظهور ءايات قدرته).

كذلك كان يتبرك بآثار النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقد قال الذَّهبي في سِيَر أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ (قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ رَأَيْتُ أَبِي يَأْخُذُ شَعرةً مِن شَعرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَضَعُهَا عَلَى فِيْهِ يُقبِّلُهَا، وَأَحسِبُ أَنِّي رَأَيْتُهُ يَضَعُهَا عَلَى عَيْنِهِ، وَيَغْمِسُهَا فِي المَاءِ وَيَشرَبُه يَسْتَشفِي بِهِ، ورَأَيْتُهُ أَخذَ قَصْعَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَسلهَا فِي جُبِّ المَاءِ، ثُمَّ شَرِبَ فِيْهَا، وَرَأَيْتُهُ يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ يَسْتَشفِي بِهِ، وَيَمسحُ بِهِ يَدَيْهِ وَوَجهَه، قال الذهبي أَيْنَ المُتَنَطِّعُ المُنْكِرُ عَلَى أَحْمَدَ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ سَأَلَ أَبَاهُ عَمَّنْ يَلمَسُ رُمَّانَةَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَمَسُّ الحُجْرَةَ النَّبَوِيَّةَ، فَقَالَ لاَ أَرَى بِذَلِكَ بَأْساً، أَعَاذنَا اللهُ وَإِيَّاكُم مِنْ رَأْيِ الخَوَارِجِ وَمِنَ البِدَعِ) اهـ بحروفه.
ونقل البهوتي والمرداوي الحنبليان وغيرهما أن الإمام أحمد قال في منسكه الذي كتبه للمروروذي (يسن للمستسقي أن يتوسل بالنبي في دعائه).
ونقل عنه ابنه عبد الله أنه كان يكتب التعاويذ للذي يصرع وللحمى لأهله وقرابته ويكتب للمراة إذا عسر علها الولادة في جام أو شىء نظيف، وأنه كان يعوّذ في الماء ويُشربه للمريض ويصب على رأسه منه.
ونقل المروروذي عن الإمام أحمد أنه قال (إذا دخلتم المقابر فاقرءوا بفاتحة الكتاب والمعوذتين وقل هو الله أحد واجعلوا ثواب ذلك لأهل المقابر فإنه يصل إليهم).

وورد في صحيفة 2 – 196 من الفتوحات الربّانية على الأذكار النووية للعالم المفسّر محمد بن علاّن الصدّيقي الشافعي الأشعري المكّي المتوفّى سنة 1057 هجرية رحمه الله تعالى في باب الحثّ على الدعاء والإستغفار في النصف الثاني من كلّ ليلة ما نصّه (وأنّه تعالى منـزّه عن الجهة والمكان والجسم وسائر أوصاف الحدوث، وهذا معتقد أهل الحقّ ومنهم الإمام أحمد وما نسبه إليه بعضهم من القول بالجهة أو نحوها كذب صراح عليه وعلى أصحابه المتقدمين كما أفاده ابن الجوزي من أكابر الحنابلة) انتهى بحروفه

وذكر الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى في تبيين كذب المفتري فيما نُسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري صحيفة 164 ذكر ابن شاهين قال (رجلان صالحان بُليا بأصحاب سوء، جعفر بن محمد وأحمد بن حنبل) وذكر في صحيفة 144 من الفتاوى الحديثية لإبن حجر الهيتمي المُتوفّى سنة 973 هجرية (عقيدة إمام السُنّة أحمد بن حنبل هي عقيدة أهل السُنّة والجماعة من المبالغة التامّة في تنـزيه الله تعالى عمّا يقول الظالمون والجاحدون عُلُوّا كبيرا مِن الجهة والجسمية وغيرهما مِن سائر سمات النقص بل وعن كل وصف ليس فيه كمال مُطْلق، وما اشتُهِرَبين جهلة المنسوبين إلى هذا الإمام الأعظم المجتهد مِنْ أنّه قائل بشيء مِن الجهة أو نحوها فكذب وبهتان وافتراء عليه فلَعن اللهُ مَنْ نسبَ ذلك إليه أو رماه بشيء من هذه المثالب التي برّأه الله منها).