عذاب القبر
إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله من بعثه الله رحمة للعالمين هاديًا ومبشّرًا ونذيرًا بلّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمّة فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيًا من أنبيائه، صلوات الله وسلامه عليه وعلى كل رسول أرسله.
أما بعد عباد الله، أصيكم ونفسي بتقوى الله العليِّ العظيم، اتقوا الله حقّ تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون.
إخوتي الأكارم ، يقول ربنا تبارك وتعالى: {النار يعرضون عليها غدوًّا وعشيًّا ويوم تقوم الساعة أدخلوا ءال فرعون أشدّ العذاب} .
هذه الآية الكريمة فيها دليل واضح على عذاب القبر، وءال فرعون أي أتباعه الذين اتبعوه على الشرك والكفر، هؤلاء يُعرضون على النار في مدة القبر وقبل أن يدخلوها فيمثلون رُعبًا وفزعًا وخوفًا، أول النهار مرة وءاخر النهار مرة وغير ذلك من أنواع العذاب كضغطة القبر وضرب منكر ونكير له بمطرقة من حديد لو ضُرب بها جبل لذاب . ويقال للأرض التئمي عليه فتلتئم عليه حتى تختلف أضلاعه، وتسلّط عليه حشرات الأرض فتنهش وتأكل من لحمه وهو يرى بعينه لأن العذاب في القبر بالروح والجسد. يقول الله تبارك وتعالى : {ومن أعرض عن ذكري فإنّ له معيشة ضنكًا} . معيشة ضنكا : أي ضيقة في القبر .
أيها الإخوة المؤمنون، إن من الأدلّة الواضحة على عود الروح إلى الجسد في القبر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من أحد يَمرّ بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلّم عليه إلا عرفه وردّ عليه السلام} .
وها هو سيدنا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يسأل الحبيب محمدًا صلى الله عليه وسلم: “أتردّ علينا عقولنا يا رسول الله ؟” فقال صلى الله عليه وسلم: “نعم كهيأتكم اليوم” فقال عمر: “فبفيه الحجر” . أي ذلك الخبر الذي لم أكن أعرفه وسكت وانقطع عن الكلام .
أيها الإخوة المؤمنون، إن النبي صلى الله عليه وسلم حذّرنا من المعاصي التي غالبًا ما تكون سببًا لعذاب القبر، فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “استنْزهوا من البول فإنّ عامّة عذاب القبر منه” . معناه لا تلوّثوا ثيابكم وجلدتكم به لأن أكثر عذا القبر منه.
ويؤكد هذا ما ورد عن عبد الله بن عمر أنه قال: “كنت أسير وحدي فمررت بقبور من قبور الجاهلية فإذا برجل قد خرج من قبره يلتهب نارًا وفي عنقه سلسلة من نار وكان معي إداوةٌ من ماء فلمّا رآني قال يا عبد الله اسقني، يا عبد الله صبّ عليّ الماء. فوالله ما أدري هل عرفني أو كلمة يقولها العرب. إذ خرج رجل من القبر وقال: لا تسقه فإنه كافر. قال: فأخذ السلسلة فاجتذبه حتى أدخله القبر” . (كان من عادة العرب أنهم كانوا يقولون كما كتب في الصراط) .
قال: وءاواني الليل إلى منْزل عجوز إلى جانب بيتها قبر، فسمعت هاتفًا يهتف بالليل يقول: “بولٌ وما بولٌ ، شنّ وما شنّ” . فقلت : ويحك ما هذا؟ قالت: زوج لي وكان لا يتنَزّه من البول، فأقول له ويحك إن البعير إذا بال تفاجّ (أي باعد بين رجليه) فكان لا يبالي . قالت: وبينما هو جالس إذ جاءه رجل فقال: اسقني فإني عطشان، قال عندك الشنّ – وشن لنا معلق فقال يا هذا فإني الساعة أموت، قال: عندك الشنّ . قالت: فوقع الرجل ميتًا من شدة العطش وما سقاه. فهو ينادي من يوم مات: “بول وما بول شنّ وما شنّ ” .
فإياكم ومعصية الله فإن الموت منا قريب والربّ علينا رقيب .
ومِمّا ورد في كتاب أهوال القبور عن رجل كان حفار قبور قال: حفرت قبرين وكنت في الثالث فاشتدّ عليّ الحرّ فألقيت كسائي على ما حفرت واستظلّيت فيه، فبينما أنا كذلك إذ رأيت شخصين على فرسين أشهبين فوقعا على القبر الأول فقال أحدهما لصاحبه اكتب، فقال وما أكتب؟ قال: فرسخ في فرسخ . ثم تحوّلا إلى القبر الثاني فقال اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: مدّ البصر. ثم تحولا الى القبر الثالث الذي أنا فيه وقال اكتب، قال: وما اكتب؟ قال: فتر في فتر. فقعدت انظر الجنائز، فجيء برجل معه نفر يسير على القبر الأول، قلت ما هذا الرجل؟ قالوا إنسان قرّاب (يعني سقّاء) ذو عيال ولم يكن له شىء فجمعنا له. فقلت: ردّوا الدراهم على عياله، ثم دفنته. ثم أتي بجنازة ليس معها إلا من يحملها، فسألوا عن القبر فجاءوا إلى القبر الذي قالوا مد البصر، قلت من الرجل ؟ قالوا إنسان غريب مات على مزبلة ولم يكن له شىء، فلم ءاخذ منهم شيئًا وصلّيت عليه معهم . قال: وقعدت انتظر الثالث، فلم أزل إلى العشاء فجيء بجنازة امرأة لبعض الأمراء، فسألتنهم الأجرة فضربوا رأسي وأبوا أن يعطوني ودفنوها في ذلك القبر . والشخصان اللذان جاءا قبل، هما ملكان من الملائكة.
فالعبرة عند الله بتقوى الله العلي العظيم ، فاعملوا يا عباد الله لتكونوا من أهل السلامة، فإنه عند الموت الشيطان يبذل كل جهده ليخرج الإنسان من الإسلام عند ذلك بعض الناس يهلكون ومن الناس من يثبّتهم الله على الإيمان بلطف منه وبسرّ بعض الطاعات التي كانوا يعملونها .
نسأل الله تعالى السلامة واللطف عند الممات، والنجاة من عذاب القبر .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ الْوَعْدِ الأَمِينِ وَعَلَى إِخْوَانِهِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ. وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَءَالِ الْبَيْتِ الطَّاهِرِينَ وَعَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَعَنِ الأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللَّهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ فَاتَّقُوهُ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَى نَبِيِّهِ الْكَرِيْمِ فَقَالَ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾، اللَّهُمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعَاءَنَا فَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا وَءَامِنْ رَوْعَاتِنَا وَاكْفِنَا مَا أَهَمَّنَا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ. عِبَادَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغِي، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يُثِبْكُمْ وَاشْكُرُوهُ يَزِدْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ وَاتَّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مَخْرَجًا، وَأَقِمِ الصَّلاةَ.