الأحد ديسمبر 22, 2024

المبحث السادس

عداوة الوهابية للنبي ﷺ

يقول المؤلف جزاه الله خيرًا:

بعد ما قدّمناه من اعتقاد الوهابية التجسيم والتشبيه في حق الله تعالى حيث لا يخفى على أصحاب الألباب والأفهام أنّ التجسيم والتشبيه هو شتمٌ وتحقيرٌ لله تعالى وكفرٌ به. نورِدُ في هذا البحث تمادي الوهابية وتطاولهم على رسول الله ﷺ الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى. فهناك عداوة بغيضة وعميقة عند هذه الفرقة المنحرفة المنحلّة الوهابية للنبيّ ﷺ من حيث يعلمون أو من حيث لا يعلمون.

فإنّ الوهابية تمنع السفرَ لزيارةِ قبور الأنبياء والأولياء والصالحين([1]) ولا يخفى أنّ هذا افتراء على دين الله لحديث رسول اللهﷺ : «مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِيْ» رواه الدارقطني في السنن([2]) وقوّاه الحافظ تقي الدين السبكي([3]) في «شفاء السقام»([4]).

وقد نقل القاضي عياض اليحصبي المالكي([5]) في كتابه الشفا بتعريف حقوق المصطفى([6]) إجماع المسلمين على أنّ زيارة قبر النبيّ ﷺ سنة من سنن المسلمين.

وأما استدلال الوهابية بحديث: «لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلا إلى ثلاثةِ مَسَاجِدَ: المسجدِ الحرامِ، والمسجدِ الأقصى، ومسجدِي هذا»([7]) فليس فيه حجة للوهابية أتباع ابن تيمية بتحريم شدّ الرحال لقصد زيارةِ قبر النبيِّ ﷺ، إنما المرادُ منه أنّ هذه المساجد الثلاثة لها مزيّة عن سائر مساجد الأرض، حيث إنه يُضاعَف فيها ثواب الصلاة، بدليل الحديث الآخر: «لا يَنْبَغِي للمَطِيِّ أَنْ تُشَدَّ رِحَالُهُ إِلَى مَسجدٍ يُبْتَغَى فَيْهِ الصَلاةُ غَيْر المسجدِ الحرام، والمسجدِ الأقصى، ومَسْجدِي هذا»([8]). فإنّ هذه الرواية تفسّر الرواية الأولى، ووجه الدليل قوله: «يُبْتَغَى فِيْه الصلاةُ»، فإنها تبيّن أنه لا تشد الرحال لأجل الصلاة إلا لهذه المساجد الثلاثة المذكورة، وليس كما قال ابن تيمية وأتباعه الوهابية: إنه لا تشدُّ الرِّحالُ لزيارةِ قبر النبيِّ ﷺ، وجعل فاعل ذلك مرتكبًا للمعصية. وقد قال علماءُ المصطلح([9]) «وخيرُ ما فسّرتَه بالوارد».

ومن ضلالات الوهابية أنها اعتبرت أنّ التبرك بالقبور حرامٌ ونوع من الشركِ([10])، ونرى الوهابية بذلك قد كفّرت([11]) الصحابة لا سيما صاحبَ رسولِ الله ﷺأبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه فقد روى الإمام أحمد في مسنده([12]) والطبراني([13]) في الكبير([14]) أقبل مروان([15]) يومًا فوجد رجلًا واضعًا وجهَه على القبر – أي قبر الرسول ﷺ – فقال: أتدري ما تصنع؟ فأقبل أبو أيوب الأنصاري([16]) فقال: نعم، جئتُ رسولَ الله ﷺ ولم آتِ الحجر، سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: «لا تَبْكُوا عَلَى الدِّينِ إِذَا وَلِيَهُ أَهْلُهُ وَلَكِنِ ابْكُوا عليهِ إِذَا وَلِيَهُ غَيرُ أَهْلِهِ».

وهذا الإمام أحمد بن حنبل يُجيزُ التبرك بمنبر النبيّ ﷺ وقبره بالمسّ والتقبيلِ تقرُّبًا إلى الله تعالى([17]).

والوهابيةُ تشجع على هدم القبة الخضراء التي فوق قبر النبيّ عليه الصلاة والسلام، ويدعون إلى إزالةِ الشبيكة حول قبر النبيّ محمد ﷺ من المسجد النبوي الشريف([18]).

وقد أفتى المفتي العام للمملكة العربية السعودية المدعو عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، وهو من أكبر الدعاة للوهابية، بفتوًى ما أنزل اللهُ بها من سلطان في تحريمِه الاحتفال بالمولد النبويّ الشريف([19]).

 وقد رَدَّ أهل الحقّ على أمثال هذا المفسد على أنّ عمل المولد بدعة حسنة كما أنّ اجتماعَ الناسِ خلفَ قارئٍ واحد في تراويح رمضان بدعة حسنة استحدثَها سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال عنها «نعمت البدعةُ هذه»([20]) فجوازُ الاحتفال بالمولد النبويّ الشريف انعقد عليه أجماعٌ فعليٌّ، توارد عليه الملوك والمشايخُ والعلماء بما فيهم من حفّاظ الحديث والفقهاء والزّهاد والعبّاد، فهذا العمل لم يكن في عهد النبيِّ ﷺ ولا في ما يليه إنما أُحدِثَ في أوائل الستمائة للهجرة، وأول مَن أحدَثه ملكُ إربل وكان عالمًا تقيًّا شجاعًا يقال له المظَفَّر([21])، وجمع لهذا كثيرًا من العلماء فيهم من أهل الحديث والصوفية الصادقين فاستحسنَ ذلك العمل العلماء في مشارق الأرض ومغاربِها.

 

وعمل المولد حدث بعد القرون الثلاثة ثم لا زال أهل الإسلام من سائر الأقطار في المدن الكبار يعملون المولد ويتصدّقون في ليلتِه بأنواع الصدقات، ويعتَنونَ بقراءةِ مولدِه الكريم، ويظهر عليهم من بركاتِه كل فيضٍ عميم. وللحافظ السيوطيّ([22]) رسالة سمَّاها «حسن المقصد في عمل المولد»([23]).

 

 

[1])) ابن باز، الكتاب المسمّى التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة، ص88.

[2])) الدارقطني، سنن الدارقطني، كتاب الحج، باب: المواقيت، ج2، ص278.

[3])) تقيُّ الدين السبكيّ عليّ بن عبد الكافي بن عليّ بن تمّام السبكيّ الأنصاريّ الخزرجيّ، أبو الحسن، شيخ الإسلام في عصره وأحد الحفاظ المفسرين المناظرين، وهو والد التاج السبكيّ صاحب الطبقات، ولد في سُبْك (من أعمال المنوفية بمصر) وانتقل إلى القاهرة، ثم إلى الشام، وولي قضاءها سنة 739 للهجرة، واعتلّ فعاد إلى القاهرة فتوفي فيها، من كتبه «الدرّ النظيم» في التفسير، لم يكمله، و«شفاء السقام» في زيارة خير الأنام»، و«الاعتبار ببقاء الجنة والنار». ولد سنة 683 للهجرة، وتوفي سنة 756 للهجرة، الزركلي، الأعلام، ج4، ص302.

[4])) تقي الدين السبكي، شفاء السقام في زيارة خير الأنام، ج2، ص11.

[5])) عياض بن موسى بن عياض بن عمرو بن عياض اليحصبيّ، الأندلسيّ، ثم السَّبتيّ المالكيّ، جمعَ وألّف، من تصانيفه «العقيدة»، و«جامع التاريخ». توفي في رمضان سنة 544 للهجرة، ودُفن بمراكش. سير أعلام النبلاء، الذهبي، ج12، ص 464 – 467، رقم الترجمة: 5076.

[6])) القاضي عياض، الشفا بتعريف حقوق المصطفى، ج2، ص83.

[7])) البخاري، صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب الصوم يوم النحر، ج1، ص398. ابن ماجه، سنن ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسُّنَّة فيها، باب ما جاء في الصلاة في مسجد بيت المقدس ج1، ص452.

[8])) أحمد، مسند أحمد، ج1، ص64.

[9])) قاله الحافظ العراقيّ في ألفيته، الحافظ العراقيّ، شرح التبصرة والتذكرة، ج1، ص193.

[10])) ابن باز وابن العثيمين، الكتاب المسمّى فتاوى وأذكار لإتحاف الأخيار، ص9.

[11])) عبد الرحمٰن بن حسن آل الشيخ، الكتاب المسمّى فتح المجيد، ص228.

[12])) أحمد، مسند أحمد، ج5، ص422.

[13])) الطبراني، الإمام الحافظ الثقة محدّث الإسلام، أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مُطيّر اللخميّ الشاميّ الطبرانيّ، صاحب المعاجم الثلاثة، مولده بمدينة عكا، في شهر صفر سنة 260 للهجرة، سمع من نحو ألف شيخ، وروى عنه العديد من الأكابر مثل ابن خليفة الجمحي وابن عقدة وابن مَنْدَه، وله من التصانيف غير المعاجم الثلاثة: «السُّنَّة»، و«الدعاء»، و«الطوالات»، وغيرها كثير. وقد عاش مائة عام وعشرة أشهر، وتوفي لليلتين بقيَتا من ذي القعدة سنة 360 للهجرة بأصبهان. الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج10، ص399 – 405، رقم الترجمة: 3425.

[14])) الطبراني، المعجم الكبير، ج4، ص158.

[15])) مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشيّ الأمويّ، أبو عبد الملك. وهو ابن عم عثمان، وكاتبه في خلافته. يقال: ولد بعد الهجرة بسنتين، وقيل بأربع. روى عنه من التابعين ابنه عبد الملك، وعليّ بن الحسين، وعروة بن الزّبير، وسعيد بن المسيّب وغيرهم، وكان يُعدّ في الفقهاء. مات في شهر رمضان سنة خمس وستين. ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة، ج5، ص203.

[16])) أبو أيوب الأنصاريّ، الخزرجيّ النجّاريّ البدريّ، وهو الذي خصّه النبيّ r بالنزول عليه من بني النّجار، إلى أنْ بُنِيَت له حُجرةُ أم المؤمنين سودة، وبنى المسجد الشريف، واسمه خالد بن زيد بن كُلَيب بن ثعلبة، حدّث عنه: البراء بن عازب، والمقدام بن مَعدِيكرب، وسعيد بن المسيّب وآخرون، وله عدة أحاديث في البخاريّ ومسلم وغيرهما. توفي سنة 52 للهجرة، وقيل سنة 50 للهجرة، ودفن عند أسوار القسطنطينية. الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج3، ص427 – 432، رقم الترجمة: 315.

[17])) أحمد بن محمد بن حنبل، الجامع في العلل ومعرفة الرجال، مج2، ص32.

[18])) الألباني، الكتاب المسمّى تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد، ص69.

[19])) عبد العزيز بن باز، الكتاب المسمّى هل نحتفل بعيد المولد النبوي؟ ص3 – 10.

[20])) مالك، الموطأ، باب: ما جاء في قيام رمضان، ص91، رقم 241.

[21])) الملك المعظم كوكبري، مظفر الدين، ابن الأمير زين الدين أبي الحسن علي بن بكتكين التركمانيّ، أبو سعيد: صاحب إربل. وولي إربل بعد وفاة أبيه. وأقام بها مدة، وانتقل منها إلى الموصل. ثم دخل الشام، واتصل بالملك الناصر صلاح الدين، فأكرمه كثيرًا. كان له اشتغال بالحديث: سمع من الرّصافيّ وغيرِه، وحدّث. وله مواقف في قتال العدو بالساحل، وآثار حسنة في الحجاز وغيره. ولد في قلعة الموصل سنة 549 للهجرة، وتوفي بإربل سنة 630 للهجرة. الزركلي، الأعلام، ج5، ص237.

[22])) عبد الرحمٰن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين الخُضَيْريّ، جلال الدين السيوطي، إمام حافظ مؤرّخ أديب له نحو 600 مصنف، منها «الكتاب الكبير»، و«الرسالة الصغيرة»، و«الإتقان في علوم القرآن»، و«الأشباه والنظائر»، وغير ذلك. ولد 849 للهجرة، وتوفي سنة 911 للهجرة. الزركلي، الأعلام، ج3، ص301، 302.

[23])) السيوطي، حسن المقصد في عمل المولد، ص16.