الإثنين ديسمبر 23, 2024

عبد الله بن عمر بن الخطاب الصالح ابن الصالح

ترجمته:
هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب، الإمام القدوة شيخ الإسلام أحد أعلام المؤمنين وهداة المسلمين، الثابت على سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم. وهو بهذا ينتسب إلى بني عدي من قريش وهي قبيلة عظيمة ذات شأن في الجاهلية والإسلام، فأبوه عمر رضي الله عنه كانت له السفارة في الجاهلية ينافح ويناضل عن قريش في المحافل وهو في الإسلام غني عن التعريف ويكفيه ما ورد فيه من الآثار الدالة على فضله، وعمه زيد بن الخطاب أحد السابقين الأولين ممن شهدوا بدرًا وما بعدها وكانت له الراية يوم اليمامة في حرب مسيلمة الكذاب حيث نال هناك الشهادة سعيدًا حميدًا.

وسط هذه البيئة نشأ سيدنا عبد الله بن عمر نشأة عظيمة تجلت في سلوكه ومواقفه الجريئة في الدفاع عن الحق والعمل على نصرة الدين الحنيف وقول الحق من غير أن يخاف في الله لومة لائم.


فصل في بعض فضائله:
لقد شرف الله ابن عمر بأن جعله من السابقين الأولين وأكرمه بصحبة خير الناس سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فمالت نفسه نحو الخير والتزود من صالح الأعمال فهاجر مع أبيه إلى المدينة، وعُرض على الرسول عليه الصلاة والسلام يوم بدر فرده وكذا في يوم أحد فرده لصغر سنه وأجازه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فهي أول مشاهده مع الرسول صلوات الله وسلامه عليه، ثم شهد جميع ما بعدها من المشاهد.

وكان رضي الله عنه من أهل الورع والعلم، كثير الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم شديد التحري، شهد الحديبية وقيل إنه أول من بايع الرسول عليه الصلاة والسلام يومذاك، وكان لا يتخلف عن السرايا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم كان بعد وفاة الرسول كثير الحج أعلم أهل زمانه بمناسكه وأحكامه، وكان الناس يقصدونه للفتيا على علمه وفهمه وشدة ذكائه.

وورد في فضله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وسنن الترمذي عن سالم عن أبيه قال كان الرجل في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت غلامًا عزبًا شابًا فكنت أنام في المسجد فرأيت كأن ملكين أتياني فذهبا بي إلى النار فإذا هي مطوية كطي البئر ولها قرون كقرون البئر، فرأيت فيها ناسًا قد عرفتهم فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، فلقينا ملك فقال: لن تراع. فذكرتها لحفصة فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “ونِعم الرجل عبد الله بن عمر لو كان يصلي من الليل”، فكان بعد لا ينام من الليل إلا القليل.


زهده وعظيم خوفه من الله:
لقد بلغ ابن عمر رضي الله عنه في الزهد مبلغًا عظيمًا فجعل الدنيا منه على القفا وسلك طريق المصطفى صلى الله عليه وسلم وانصرف جاهدًا إلى الزيادة والإكثار من الحسنات والعمل الصالح، عاملاً بمقتضى ما جاء في القرءان الكريم ثابتًا على سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم لا ينجرف وراء الفتن ولا تميل به الأهواء، فقد عاش ما عاش لم تغره بهرجة الدنيا وزخارفها، ذكر في “صفة الصفوة” لابن الجوزي عن عبد الله بن عدي كان مولى لابن عمر أنه قدم من العراق فجاءه فسلم عليه فقال: أهديت لك هدية، قال: وما هي قال: جوارش قال: وما جوارش قال: يهضم الطعام. قال ابن عمر: ما ملأت بطني طعامًا منذ أربعين سنة فما أصنع به، وعن نافع قال: كان ابن عمر إذا أعجبه شيء من ماله قربه لربه، ومما يظهر ذلك ما في “صفة الصفوة” عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر قال خطرت هذه الآية: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} [سورة ءال عمران/ءاية:92] فتذكرت ما أعطاني الله فما وجدت شيئًا أحب إليَّ من جاريتي رُميتة فقلت هذه حرة لوجه الله فلا أعود في شيء جعلته لله ولولا ذلك لنكحتها فأنكحها نافعًا وهي أم ولده.

لقد كان ابن عمر يكسر نفسه ويخالف ما تميل إليه، فلا يدع وقتًا من عمره يذهب سدى فيقوم بالليل ويصوم بالنهار ويتقرب إلى الله بوافر العمل الصالح وتجده خاشعًا خائفًا خاضعًا لله عز وجل يقرأ مرة من قوله عز وجل: {ويل للمطففين} حتى يصل إلى قوله: {يوم يقوم الناس لرب العالمين} فيبكي ويشتد بكاؤه ويحن حتى لا يقدر على القراءة من كثرة بكائه، ولربما سمع الآية فيبكي حتى تبتل ثيابه ولحيته من كثرة بكائه ووفرة عبرته رضي الله عنه.


علمه وورعه:
لا عجب بالنسبة لشخص كعبد الله بن عمر أن يبلغ في العلم رتبة عظيمة حتى يكون مجتهدًا مفتيًا من مفاتي الصحابة الكرام، فقد أفاض الله على قلبه جواهر الحكم وجميل القول وروى علمًا كثيرًا نافعًا عن أبيه الفاروق وعن أبي بكر وعثمان وعلي وبلال والسيدة عائشة إضافة إلى ما رواه من كثرة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو معدود من الرواة المكثرين عنه عليه الصلاة والسلام، وقد أخذ عنه كثير من العلماء الكبار واستفادوا منه كالحسن البصري وثابت البناني وسعيد بن جبير وغيرهم كثير.


وفاته:
لقد امتد العمر بابن عمر رضي الله عنهما حتى جاوز الثمانين فأدرك أيام بني أمية وشهد ما رافق ذلك الحُقب من أحداث وفتن، حتى أدركه الأجل سنة أربع وسبعين وهو ابن أربع وثمانين سنة رضي الله عنه.

وفي أسباب وفاته روي أن الحجاج الثقفي أمر بعض جنوده فأخذ حربة مسمومة ضرب بها رجل ابن عمر بعدنا رد عليه ابن عمر مرة وهو يخطب بالناس فمرض عبد الله رضي الله عنه وكات منها ودخل عليه الحجاج بعد ذلك عائدًا فسلم عليه فلم يرد وكلمه فلم يجب، ثم ما لبث أن فاضت روحه الكريمة فمات ودفن في مقبرة المهاجرين بمكة على ما ذكر في سير أعلام النبلاء ومثله في طبقات ابن سعد.

ختامًا نسأل الله أن يرزقنا حسن الاتباع وأن يجمعنا مع ابن عمر في الجنة ولله الحمد من قبل ومن بعد